بين كرسي الرئاسة ومصير حرب اليمن: إزعاج حزب الله مطلوب
روزانا رمّال
باتت أزمة الرئاسة اللبنانية إحدى مسلمات البلاد والمنطقة، فالركود الذي يراوح الملف يؤشر إلى مجموعة عقد غير قابلة للحلحلة، بحدّ أدنى من المسؤولية التي يمكن أن يتحمّلها اللبنانيون من أجل مقام الرئاسة وسير أعمال البلاد، طالما أنّ المسؤولين جميعاً باتوا يعرفون أنّ الفراغ في رئاسة الجمهورية هو السبب الرئيسي لأزمات الحكومة والأجواء المتشنجة التي شهدتها الجلسات الأخيرة والتعديات على القانون والفتاوى غير القابلة للحياة من أجل تسيير أعمال البلد.
إنّ الكيدية في الملف الحكومي والتلويح بالاستقالة من قبل الرئيس تمام سلام، يوضعان في خانة المناورة والتهديد، تلك الأساليب التي يرى الرئيس سلام أنها مؤاتية لتلبية رغبات إقليمية يبدو أنها لا تهدف سوى إلى إزعاج حزب الله بالتحديد، من أجل الخضوع، فالأكيد أنّ موضوع استقالة الحكومة ومنذ ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري يخضع لحساب مختلف، باعتباره حصة لدولة عربية شديدة النفوذ في لبنان وهي السعودية. هو قرار ومسؤولية غير أحادية. وعليه فإنّ اختيار رئيس وزراء لبنان هو قرار خارجي سعودي تماماً، كما عزله أو استقالته.
لا يختار الرئيس تمام سلام اللجوء إلى طرح خيارات حساسة إلى هذا الحدّ، من دون أن يكون كلامه جزءاً من مسار تبتغي الجهة المعنية مروره في الساحة اللبنانية في هذا الوقت، وترى فيه ضرورة. وإذا كان للسعوديين دور في موضوع رئاسة الوزراء، فهو بلا شكّ تثبيت حكم الرئيس الذي اختاروه ودعمه، ليحافظوا على قدرتهم على التأثير في المعادلة. إلا أنّ الطرح السعودي اليوم الذي ردّ عليه حزب الله كطرف تلقى الرسالة بشكل جيد بنصيحة للرئيس تمام سلام ألا يفكر بالاستقالة لانها أخطر الخيارات، لا يصبّ إلا في مصلحة التوتير، وبالتالي فإنّ السعودية التي قرأت تحرك التيار الوطني الحرّ على أنه تنسيق بين العماد ميشال عون وحزب الله ومحاولة لأخذ البلاد إلى دفة الخيار الآخر أي خصمها، تتحرك من موقع المسؤولية الاستباقية التي تبتغي إبطاء محاولات حزب الله وحلفائه استثمار نتائج التوقيع الإيراني مع الغرب لصالحه، لأنها على ما يبدو لن تسمح بذلك طالما أنها قادرة على اللعب بالأوراق، وعلى ما يبدو، هي أوراق إزعاج وتعطيل لا يبدو حتى الساعة أنّها صفارة انطلاق التصعيد السعودي الأمني في لبنان، لكنها بالتأكيد صفارة إنذار تصعيد سياسي محتوم من غير المعروف بتاتاً إلى أين يمكن أن يأخذ البلاد، ليبقى السؤال: هل ستتخذ السعودية التوتر المتوقع ذريعة للضغط من أجل مفاوضات مع الإيرانيين، يكون لبنان من ضمنها واحداً من النقاط التي تحاول السعودية الاحتفاظ بمكاسب لها فيه؟ أم يكون لبنان مقدمة للحوار السعودي ـ الإيراني، كأبعد تقدير، وخصوصاً أنّ الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل بات بشكل مريب صامداً إلى أجل غير مسمّى بقدرة قادر؟
وبالنتيجة، ربطاً بالموضوع الرئاسي في لبنان، فإنّ التعقيد الحكومي وتسخين الأمور بإيعاز خارجي لا يبشر على الإطلاق بقرب الحلول في موضوع الرئاسة اللبنانية الذي يحتمل أكثر من سيناريو أبرزها واقع الدور السعودي فيه.
لا تزال السعودية اليوم تخوض حرباً في اليمن منذ أكثر من 4 أشهر، وهي غير قادرة حتى الساعة على إطفاء نيران هذه الحرب، وإذا كان ذلك يشير إلى شيء، فهو يشير إلى عجز سعودي في مكان ما في تلك الحرب عن أخذ الأمور لصالحها، أقله سياسياً، لإيقافها. فهي بالتأكيد لا تودّ الاستمرار فيها بعدما أيقنت عدم القدرة على إحداث فوارق تذكر توضع في خانة تحقيق أهداف الحرب الكبرى وهي القضاء على حركة التيار الحوثي. وإذا كانت السعودية غير قادرة على التوصل إلى حلّ لأزمتها في اليمن، فهي بالتأكيد غير قادرة على التوصل إلى حلّ على صعيد الأزمة الرئاسية اللبنانية، أما التأجيل والتمديد في لبنان بموضوع التعيينات الأمنية ورئاسة الجمهورية، فقد اتضح أنه ليس إلا أحد أوجه شراء الوقت إلى حين اتضاح المشهد أكثر وانطلاق مفاعيل الحلول على أساس الواقع الجديد في المنطقة الذي لا يمكن للسعودية أن تتجاهله وهو منطقة من دون أزمات مع إيران بعد واقع مأزوم قبل الاتفاق النووي الإيراني.
الرئاسة اللبنانية التي ستراوح مكانها في المدى المنظور، مع خروقات متوقعة من الجانبين الفرنسي والمصري، غير قادرة سوى على حمل مبادرات تندرج في إطار جسّ النبض بين الأفرقاء تحضيراً لمرحلة ما بعد الحسم السعودي الإقليمي، وفي هذا الوقت تستمر محاولات تعطيل أي حراك خصم، وخصوصاً الحراك العوني في الشارع المطالب في نهاية المطاف بتعيينات أمنية وقانون انتخاب، وصولاً إلى حلّ رئاسي داخلي وذلك عبر إشغال جهات سعودية الداخل اللبناني بمزيد من التأزم الحكومي والملفات المستعصية الكبرى في جو من غير المستبعد أن يتطور تدهوراً أمنياً. كلّ ذلك من أجل شراء الوقت.