تراجع أم تحايل تكتيكي لأردوغان أمام واشنطن؟
الاتفاق الثنائي بين واشنطن وأنقرة لتعزيز جهود الطرفين مقاتلة داعش كان احد ابرز مواضيع اهتمامات مراكز الفكر والابحاث الأميركية. ايضاً، خصصت المؤسسات الاعلامية حيزا مميّزا لقرار وزارة العدل الأميركية الافراج عن الجاسوس «الاسرائيلي» جوناثان بولارد.
سيستعرض باب التحليل كلا المسألتين، بتفصيل أكبر في ما يخص الاتفاق الأميركي التركي، وما تنتظره واشنطن من تنازلات تركية «خارج التداول العام»، وعزمها تثبيت العامل الكردي في الصراع الاقليمي وتوفير الدعم له، بخلاف انقرة التي تعتبره مصدر تهديد لأمنها ونظامها السياسي.
كما سيتناول الباب قضية الافراج عن الجاسوس بولارد، بعد تمضيته 30 عاماً من عقوبة السجن مدى الحياة، في ظلّ إصرار كافة الرؤساء الأميركيين منذ الرئيس بيل كلينتون على عدم الإفراج عنه، ومعارضة شديدة بارزة من قبل كافة الاجهزة الأمنية والاستخبارية الأميركية لذلك ايضا.
فلسطين
حث معهد المشروع الأميركي الناخبين الأميركيين على استنطاق مرشحي الانتخابات الرئاسية حول نظرتهم «لمسألة الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني». واوضح انه بصرف النظر عمن سيكون الفائز العام المقبل «فانّ الرئيس الجديد تقع على كاهله مسؤولية اصلاح العلاقات مع اسرائيل وبلورة رؤية للتحديات الماثلة امام تحقيق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين».
مصر
بؤرة اهتمام معهد كارنيغي كانت القلق على مستقبل حركة الاخوان المسلمين في مصر التي «خرجت من وطأة الانحناء لموقف الدفاع الذي استعدت له «منذ عزل الرئيس محمد مرسي، وعينت تراتبية قيادية جديدة». واوضح ان نتائج دراسته جاء ثمرة جهد بحثي مكثف استمر طيلة شهري ايار وحزيران من العام الجاري. واردف انه على استعداد للقول ان «قادة وقواعد التنظيم اجروا مراجعات مكثفة بعضها كان موضع نزاع بغية التوصل الى كنه ماذا حدث طيلة الفترة التي اعقبت الاطاحة بالرئيس حسني مبارك وعزل مرسي من السلطة». وقال ان النتيجة التي خرجوا بها «كانت مذهلة لمقاربتها تلك النظرة التي تتبناها جماعات المعارضة العلمانية حول التنظيم: بأن هيكليته لم تكن ثورية بما فيه الكفاية». واستطرد بانه من غير الواضح آلية ترجمة ذلك التقييم لاستراتيجية سياسية.
برامج تدريب الناشئة
استعرض مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الجهود الغربية لتنمية القوى العاملة في كل من تونس والاردن «عبر برامج متعددة تتيح للجيل الناشئ التدرّب على مهارات عملية تعينه على تحديد مستقبله، والبدء بمصالح تجارية جديدة… تأخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة لكلا البلدين». واوضح ان الشباب التونسي يسعى «للتغلب على ارث الديكتاتورية وانشاء نظام جديد عماده الديمقراطية وفي نفس الوقت المضي بادخال اصلاحات اقتصادية». اما في الاردن «يرمي شبابه لتعديل الحوافز الاجتماعية والاقتصادية ضمن أطر النظام القائم اذ انّ إحداث تغييرات كثيرة وبسرعة قد تهدّد استقرار الوضع السياسي، وعليه تواجه الحكومة مبرّرات مقنعة لأجل التغيير وإبقاء الأمور عليها كما هي في آن واحد».
الاتفاق النووي
الاصطفافات السياسية الأميركية ما قبل توقيع الاتفاق لا تزال طاغية على المشهد السياسي العام. أبقت مؤسسة هاريتاج على خطابها السياسي بالزعم انه «كان عدد من الخيارات الأخرى متوفرة… وينبغي على الولايات المتحدة بلورة سياسة نحو إيران تحرمها من التطوّر نحو مقام دولة لديها اسلحة نووية والى الابد». واردف انّ الاتفاق الموقع «سيضع الرؤساء الأميركيين المقبلين في مواقف اضعف للحدّ من تطور برنامج إيران النووي». واوضح انه ينبغي على الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاقية «مع الادراك انها ستتعرّض الى حملة استنكار على المدى القصير، وفي المقابل ستتعرّض لمزيد من الضغوط في المدى المنظور حين تتوصل إيران الأفضل تسليحاً وتمويلاً الى الحصول على سلاح نووي يهدّد استقرار المنطقة باسرها».
تركيا
التعديل الذي طرأ على السياسة التركية بالقرب من المنطقة الحدودية مع سورية كان محط اهتمام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية معتبراً انه «نتاج توافق تركي أميركي تزامن مع اضطرابات سياسية داخلية… وخسارة حزب العدالة والتنمية اغلبيته البرلمانية». واوضح انه في ظل حكومة تصريف الاعمال وتضاؤل فرص التوصل لحكومة شراكة فانّ القرارات المطلوب اتخاذها بقيت في تحكم اردوغان. ولم يستبعد المركز انّ الاجراءات الاخيرة «كانت ترمي لبلورة مناخ سياسي يلائم حزب العدالة ويؤهله لاستعادة السيطرة المطلقة في الانتخابات المبكرة المقبلة في شهر تشرين الثاني».
افغانستان
حذرت مؤسسة هاريتاج من مصير قاتم ينتظر افغانستان «كما شهد العراق من من انهيار وتفتت». واوضح ان «الانجازات المفاجئة التي حققها تنظيم داعش في عام واحد… أثارت القلق بين اوساط صناع القرار الأميركي لما قد تواجهه القوات الأميركية والقوات المتحالفة من تهديد طالبان اثناء مرحلة الانسحاب…» واضاف انه يتعين على الولايات المتحدة «الاستمرار في تزعّم جهود التحالف بتقديم العون لافغانستان بغية استقرارها والذي يتطلب منها الابقاء على قوة عسكرية في البلاد لما قد يلزمه الأمر، واسقاط مواعيد الانسحاب العشوائية من حساباتها… وتكثيف العمل مع حكومة الرئيس اشرف غاني لحرمان الارهابيين المنتشرين عبر العالم من فرصة اعادة الحياة لقواعدهم الميدانية في البلاد».
«منطقة آمنة» منقوصة الحماية الجوية
سارعت الحكومة التركية للإعلان عن وصولها إلى اتفاق مع الجانب الأميركي لاقامة «منطقة خالية من قوات داعش» في الشمال السوري، مطلقة العنان لتفسيراتها أبعاد ما يعنيه من «انتصار» لسياستها المطالبة بإنشاء مناطق حظر للطيران السوري هناك. الادارة الأميركية، وعلى لسان جملة من كبار المسؤولين، التزمت التفسير بأنّ المقصود هو إزاحة قوات «داعش» وتهديداتها من تلك المنطقة، ليس الا.
وزير الخارجية التركي، مولود جاويش اوغلو، ذهب الى تفسير الاتفاق الثنائي إلى حدّ القول: «بعد تطهير المنطقة من قوات داعش، ستفرض المناطق الآمنة تلقائياً». اردوغان ايضا اوضح «التزام تركيا بضمان أمن تلك المناطق». دون الخوض في التفاصيل التي لا تتعدّى نطاق «معاونة قوى المعارضة بشن غارات جوية وربما القيام بعمليات تتصدّرها القوات الخاصة».
سلسلة التصريحات الأميركية لم تذهب أبعد من حشد دعم تركيا لملاحقة قوات داعش، انطلاقاً من قاعدة انجرليك التركية القريبة. بل سعى عدد من المسؤولين الأميركيين الإشارة إلى عدم «تطابق» رؤى الطرفين، لا سيما عدم ارتياح اوباما للغارات الجوية التركية ضد مواقع حزب العمال الكردستاني «الذي يتصدى بفعالية لتمدد داعش». التعويل الأميركي على انخراط كافة القوى الكردية في سورية والعراق الى جانبها لم يعد قيد التكهن والتحليل، بل ترى انهم «شركاء ذو فائدة كبيرة في مواجهة داعش».
حماس تركيا لانشاء «مناطق حظر للطيران» السوري يمتدّ الى بدايات الأزمة السورية، وفشلت مراراً في استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بهذا الخصوص، وتوترت علاقاتها مع واشنطن التي اوضحت انها غير معنية بإنشاء منطقة تحتاج الى حماية جوية أميركية على مدار الساعة، مما يعني تعميق الانخراط الأميركي المباشر في الازمة السورية بدل استمرار المراهنة على استنفاذ طاقات الوكلاء المحليين، افراداً ومؤسسات وحكومات.
الجانب الأميركي لا يزال قلق من قدرة تركيا الالتزام بالخطوط المقرّرة والمتفق عليها بينهما، وما يستدعيه تصعيد انقرة من حملتها العسكرية، المستهدفة مناطق التواجد الكردي على اراضيها، من كوابح وتدابير جديدة. واشنطن لا زالت «تعوّل» على استبدال قوات داعش بقوات المعارضة السورية التي شرعت في تدريبها وتسليحها، تحت لواء «الجيش الحر»، منذ زمن بعيد.
أوصى البيت الابيض لاحد «مسؤوليه الكبار» توضيح جوانب الاتفاق الثنائي للاعلاميين بالقول «اتفقنا على الجلوس سويا والبحث في سبل قد نستطيع تسخيرها لتنظيم مقاتلي المعارضة المعتدلة بتنسيق معنا أميركا ودول التحالف لتنظيف تلك المنطقة الممتدة من الحدود. اما في كيفية تطبيق ذلك والنماذج المستخدمة، فينبغي علينا الجلوس واياهم تركيا وننوي القيام بذلك في غضون الايام القليلة المقبلة، ونتطلع قدماً إلى تلك المشاورات».
تباين الرؤى
المسألة الكردية بكافة أبعادها تبقى الهاجس الدائم للمؤسسات التركية الحاكمة، بصرف النظر عن طبيعة الحزب الحاكم، وإجماعها على عدم السماح لأيّ تواجد كردي تتوفر له بعض نواحي الاستقلالية والكيانية. تبلور الظروف الاقليمية، خاصة بعد الاحتلال الأميركي للعراق، حفز أردوغان على التوصل إلى اتفاق وترتيب وتسهيلات مع اقليم كردستان العراق، الذي تربطه علاقات وثيقة للغاية مع الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، طمعاً في قطع الطريق على خصوم الأخير حزب العمال وآخرين – لإنشاء كيان مماثل، سواء في سورية او تركيا.
يشار الى انّ العلاقة الأميركية، لا سيما في بعدها الاستخباري والعسكري، مع قادة اقليم كردستان العراق، بالتزامن مع الدعم «الاسرائيلي»، تعود الى زمن الثورة العراقية وقضائها على الحكم الملكي في بغداد، في عقد الخمسينيات من القرن الماضي.
معركة «داعش» للاستيلاء على عين العرب كوباني عززت مشاعر غضب الاكراد من الحكومة التركية لتخلفها عن تقديم العون لمقاتليهم ومؤازريهم من المناطق الكردية الاخرى. بل سعت انقرة الى مزيد الحشد العسكري لقواتها تحضيراً لاندلاع القتال مع قوات حزب العمال الكردستاني، على الرغم من توقيع الرئيس اردوغان «اتفاقية» سلام في نهاية شهر شباط الماضي، عرفت باتفاقية دولماباتشي، تضمن نقاطاً عشر حددت الاولويات التي ينبغي اتباعها للمضيّ في مفاوضات سلمية بين الجانبين.
استشاط اردوغان وحزبه الحاكم غضباً من تقدم «حزب الشعوب الديموقراطي» في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، وخسارة حزب العدالة والتنمية لأغلبيته المطلقة، وبالتالي مخططاته لتنصيب اردوغان رئيساً دون قيود او كوابح. دشن اردوغان تراجعه عن الاتفاقية بوصف حزب الشعوب الديمقراطي بأنه ليس الا امتداداً لحزب العمال الكردستاني، مطلقاً العنان لتصريحاته المتشدّدة بأنّ تركيا «لن تقبل انشاء دولة كردية في الاراضي السورية المحاذية، ابدا».
يذكر انّ تحوّلات ظرفية دعت تركيا لإعادة النظر باولوياتها السياسية في الاقليم، منذ بداية العام الجاري، لا سيما الانجازات الميدانية المتسارعة لتنظيم داعش، الذي افصح بصريح العبارة عن نيته انشاء «خلافة اسلامية خالصة»، مقرّها اسطنبول.
عقب التفجير الانتحاري الذي نفذه داعشي تركي في مدينة سروج، الاسبوع الماضي، اضحى اردوغان يواجه تهديدات ثلاثة: الدولة السورية، الاكراد من خلال بحزب العمال، والآن داعش الذي عزم على التوجه لاستعادة عين العرب كوباني. التفجير الذي راح ضحيته نحو 30 فرداً حفّز اردوغان على تعديل اولوياته والتعاون مع واشنطن لمحاربة «داعش»، وشن سلاح الجو التركي سلسلة غارات جوية ضدّ مواقع متعددة في المناطق الحدودية.
الموقف الأميركي الرسمي حافظ على توازنه بتأكيد دعمه لتركيا «في الدفاع عن النفس»، دون إضفاء غطاء سياسي شامل على الغارات التركية ضدّ المناطق الكردية. وجاء في سلسلة بيانات وتصريحات رسمية انّ واشنطن «تدعم تركيا بالكامل في الدفاع عن النفس… وحثها التزام الحكمة في تنفيذ العمليات».
وارفقت واشنطن موقفها المعلن بتصريحات رسمية «غير منسوبة» لكنها واضحة وصريحة تبتعد فيها عن انقرة بانها «لا تؤيد انشاء مناطق آمنة»، او «منطقة حظر للطيران» في الشمال السوري، كما تروّج انقرة. وجاء على لسان احد كبار المسؤولين قوله انّ ادارة الرئيس اوباما «لا تنوي تحديد المناطق… نحن نتعقب قوات داعش اينما وجدناهم». واضاف: «عند إنجاز مهمة خطة الطيران، سترون نتائج كثيرة»، في اشارة واضحة لغارات سلاح الجو الأميركي ضدّ مواقع وتحصينات داعش، انطلاقاً من قاعدة انجيرليك الجوية، باستخدام طائرات مقاتلة واخرى بدون طيار.
في هذا الصدد، اكد المسؤول الأميركي الرفيع انّ الغارات الأميركية المقبلة ستؤدّيها طائرات الدرونز، في اغلب الاحيان، نظرا لرغبة الادارة الأميركية بعدم تعرّض طائراتها المقاتلة لمواجهة جوية مع المقاتلات السورية «خارج مدينة حلب او مناطق اخرى بالقرب من الحدود المشتركة بين البلدين». ايضاً، واشنطن ليست غافلة عن العلاقة الوثيقة التي تربط انقرة بتنظيم داعش وتوفيرها كافة التسهيلات لتسليح ودخول الإرهابيين الى سورية عبر أراضيها.
اشار تقرير نشرته اسبوعية «نيوزويك»، نهاية العام الماضي، إلى أن الغارة الأميركية التي اسفرت عن مقتل احد قياديي التنظيم الكبار، ابو سياف، والاستيلاء على معلومات ووثائق غاية في الاهمية حول طبيعة التنظيم، جنداً وتمويلاً، اوضح «بما يقبل الشك عمق العلاقة التي تربط داعش بتركيا واجهزتها الاستخبارية».
واوردت الاسبوعية على لسان احد الأعضاء الفارين من تنظيم داعش قوله ان الجيش التركي كان يغض الطرف عن كافة تحركات رجالات التنظيم. واوضح ان «قادة التنظيم ابلغونا انه لا يتعيّن علينا القلق من اي شيء نظراً لعلاقة التعاون التام مع الجانب التركي… لقد شاهدت الجيش التركي وحليفه داعش معاً خلال الهجوم الذي شنه على الاكراد داخل سورية».
في المحصلة، جاءت اندفاعة اردوغان للدخول في مرحلة غير محددة الآفاق من شأنها استنزاف طاقات اجهزته العسكرية والاستخبارية مجددا، الأمر الذي يحفزه الى تصعيد اعتماده على دعم وتأييد الولايات المتحدة.
داعش تجاوزَ المقبول أميركيا
داعش بالنسبة للادارة الأميركية «تعاني من الخسائر» في العراق وسورية، كما اوضح مؤخراً مبعوث الرئيس اوباما لشؤون مكافحة الارهاب، جون آلان بخلاف تقارير الاجهزة الاستخبارية ممثلة بوكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الاستخبارات الدفاعية واجهزة رديفة اخرى.
اوضح تقرير لوكالة «اسوشيتدبرس أ بـ«، 30 تموز الجاري، ان الولايات المتحدة انفقت «بضع عشرات المليارات» من الدولارات لتقويض داعش الذي رغم «خسارته لنحو 10.000 مقاتل فان التنظيم لا يشكو من الضعف في المرحلة الراهنة او بمقدار اسوأ مما كان عليه العام الماضي وتعرّضه لغارات أميركية مكثفة».
واضاف التقرير، الذي تداولته ابرز الوسائل الاعلامية، ان تقييم اجهزة الاستخبارات لداعش انه «في حالة جمود استراتيجي… ولا يزال يتمتع بتمويل جيد ويستطيع تعويض النقص البشري في صفوفه سريعاً ورفدها بجهاديين اجانب». بل استطاع التنظيم «التمدد لمناطق ودول اخرى مثل ليبيا وشبه جزيرة سيناء وافغانستان».
وجاء على لسان «مسؤول عسكري رفيع» ان جهود مواجهة داعش «لم تسفر عن تقويض ملموس في جسمه البشري»، ولا يزال يحتفظ بعدد كبير من المقاتلين يتراوح تعدادهم بين 20.000 إلى 30.000 وهي «ذات التقديرات التي صدرت قبل عام في شهر آب الماضي».
مصادر دخل التنظيم جلها من الاتجار بالنفط المسروق من الآبار السورية، تقدر بنحو 500 مليون دولار سنويا، وفق مساعد وزير المالية الأميركية، دانيال غلاسر. يضاف الى ذلك «نحو مليار دولار نقداً استولى عليها التنظيم من المصارف والبنوك التي وقعت تحت سيطرته». واوضح غلاسر ان «التنظيم ينعم بثروة مالية كبيرة… تخوّله صرف رواتب ومستحقات شهرية لعناصره تصل الى 360 مليون دولار سنويا».
تركيا ايضاً تستفيد من النفط السوري المسروق وقدمت جملة تسهيلات ميدانية لتنظيم داعش وفرت له انشاء وجود كبير ملموس على اراضيها، وعقب التطورات الاخيرة في مدينة سروج اضحت تركيا تعاني من ازمة خلقتها واوجدتها بنفسها، ويعسّر اجراءاتها للحدّ من نفوذه ويضاعف في الآن عينه من خشيتها اقدام التنظيم على شن هجمات انتقامية ضدها.
تركيا وردود الفعل الأميركية
بايجاز شديد، تتمحور السياسة التركية في الاقليم حول عمودي الاكراد وصمود الدولة السورية الذي افشل مخططات تركيا وحلفائها من الدول الخليجية الممولة ودول حلف الناتو ايضا. ازمتها المتجددة دفعت بها لتقديم مزيد من التنازلات للجانب الأميركي، ابرزها التخلي عن شرط عدم السماح لواشنطن استخدام قاعدة انجيرليك، وامتدادا قواعد وانشاءات عسكرية اخرى على اراضيها.
انخراط تركيا في الصراع المباشر مع سورية، دولة وشعبا ومؤسسات، اتاح الفرصة للاكراد السوريين التمتع بمزيد من صلاحيات الحكم الذاتي وليس للاستقلال، بيد ان تداعياته وانعكاساته على الاكراد في الطرف الاخر من الحدود داخل تركيا يشكل قلق دائم ومتواصل لانقرة. انخراط تركيا وحلفائها الخليجيين، بالدرجة الاساسية، في صراع صفري مع سورية تحت عنوان «اي كان بديلا عن الرئيس الاسد» وفر الفرصة اللازمة لتنظيم داعش اقامة وجود مادي وملموس ذات هيبة حقيقية اضحى يهدد تركيا نفسها.
المأزق الذي وجدت تركيا نفسها فيه، نتيجة سياسات ملتوية وقراءات خاطئة، في التعامل مع تنظيم داعش والاكراد معا وضعها رهن الدعم الأميركي الذي شجع «نموذج البرزاني» في العراق وحفزه على التقدم نحو اراضي تواجد الاكراد الاخرى.
واشنطن تستفيد من اقليم كردستان في مجالات متعددة، لا سيما وهي تعتبره «قوة عسكرية يمكنها الاعتماد عليها»، وقتما تشاء توظيفه في قضايا الاقليم. في المقابل، رصدت واشنطن فشل تركيا وحلفاءها في «تسويق» قوى المعارضة السورية المعتدلة وحفزها للتمسك ببدائل اخرى، ابرزها التشكيلات الكردية غير المناهضة لسياساتها.
عادت واشنطن لتكرار موقفها الجلي من اقليم كردستان العراق على لسان «مسؤول سياسي رفيع»، مطلع الاسبوع، قائلاً بوضوح لافت «ما استطيع البوح به اننا عملنا بشكل وثيق جداً مع قوات البيشمركة الكردية، التي تشمل بالطبع حزب كردستان الديمقراطي والاتحاد الوطني لكردستان، ومجموعات اخرى تنشط في شمالي العراق والتي عملنا معها لعدة سنوات خلت. كذلك عملنا مع اكراد سورية بالطبع في شمالي البلاد جنبا الى جنب مع تشكيلات «الجيش الحر»، احيانا، والذين اثبتوا فعاليتهم القتالية ضد داعش. كما ان تلك العلاقة ستستمر نظرا لان جهودنا المشتركة محورها الحاق الهزيمة بداعش، الهدف المشترك بيننا، وكذلك مع تركيا».
يتضح لكل من يراقب التطورات التركية عن كثب اليد العليا لواشنطن لما تمتلكه من اوراق ضغط ضد تركيا تحديدا، الامر الذي يعزز مصداقية تصريحات لمسؤولين الأميركيين لناحية «عدم التوصل لاتفاق نهائي» مع انقرة، مع الاقرار ان نصوص الاتفاق الجديد غير متاحة للتداول الاعلامي، مما يدل على بقاء عدد من الجوانب قيد البحث ولم يتم التوصل لحل نهائي بشأنها.
نستطيع القول ان تصريحات المسؤولين الأميركيين المشددة على «حق تركيا بالدفاع عن النفس»، ضد هجمات حزب العمال الكردستاني، يفهم منها ايضا اصرار واشنطن على طلب ضمانات تركية بعدم التعرض لمواقع الاكراد داخل سورية. بل الذهاب الى ابعد من ذلك بتحذير حزب العدالة والتنمية من الاقدام على اجراء انتخابات مبكرة «ترمي للحد من نفوذ الاكراد في البرلمان التركي»، واعتبار ذلك عنصرا مفجرا لقواعد الاتفاق الذي تم التوصل اليه بالخطوط الاولية.
يشير بعض المراقبين الى امكانية لجوء واشنطن للضغط على حزب العمال الكردستاني والحدّ من نشاطاته داخل اراضي شمالي العراق، والاحتفاظ بتواجده هناك، والتوسط ايضاً لوقف الهجمات ضدّ القوات التركية انطلاقاً من معسكراته في الاراضي العراقية.
السؤال الجوهري يبقى قائماً حول مدى «استعداد» تركيا العمل وفق قواعد الاشتباك التي حددتها واشنطن، مع ادراك انقرة التام حدود قدراتها للتعامل بفعالية مع تهديدات داعش بمفردها. في المقابل، طلب الدعم الأميركي بصرف النظر عن نطاقه وطبيعته يستدعي تقديم انقرة تنازلات معينة في المسألة الكردية. وربما لن تجد انقرة جواباً شافياً، في محصلة الأمر، انْ كان الخطر الأكبر عليها مصدره الاكراد ام داعش؟