العلاقات التركية ـ الإيرانية في ضوء التصعيد التركيّ ضدّ سورية

فيصل عبد الساتر

منذ بداية الأزمة السورية وتركيا شريك في المشروع ضد سورية، على اعتبار أن تركيا هي الرافعة الإيديولوجية للمشروع في سورية ومشروع «الربيع العربي» تحت شعار أن «الإخوان المسلمين» بتجربتهم الحديثة التي كانت تركيا الرائدة فيها يمكن أن تعمم هذا المشروع على باقي الدول، ولكن هذا المشروع الذي أسقط بضربة قاسمة في مصر ودول أخرى ربما أعاد الحسابات في شكل مختلف تماماً، وهنا أصيبت تركيا بحالة الهلع من أن يؤدي هذا السقوط في المنطقة العربية إلى سقوط التجربة نفسها التي جاء بها حزب «العدالة والتنمية» على اعتبار أن المعارضة التركية تخوض حرباً ضد حزب «العدالة والتنمية» على مستوى الداخل التركي تحت عناوين مختلفة، والفساد أحد هذه العناوين، ما شكل مدخلاً أساسياً في تأجيج المعارضة المكونة من أحزاب قومية ويسارية، وانجرار تركيا للحرب مع سورية، وفتح الحدود الذي يمكن أن يشكل ارتدادات سلبية على الداخل التركي على الصعيد السياسي والأمني، ومن هنا ندخل إلى ما حصل على ما أسمي جبهة الشمال السوري وتحديداً معركة كسب وجوارها، فما الذي تريده تركيا من فتح هذه الجبهة ؟


من الواضح أن ما يريده أردوغان يرمي إلى شد عصب الأتراك نحو الخارج، تحت عنوان أن هناك اعتداء من سورية ضد تركيا، وبالتالي تبدأ ضربة محدودة تفتح من خلالها ثغرة كبيرة على المستوى الجغرافي لجميع أنواع العصابات المرتزقة والمسلحين الذين يقاتلون في سوريا، وهذا يشكل لحظة «انتصار» لحزب «العدالة والتنمية» بعد تلقيه ضربات عديدة .

يمكن أن يسجل نقاطاً على المستوى الداخلي في الانتخابات البلدية التي تعتبر الامتحان الشعبي الأول لحزب «العدالة والتنمية» بعد سلسلة من الفضائح والهزائم على المستويات كلها في الداخل التركي.

هنا يدخل التقاطع الإيراني على الخط، أين هو الموقف الإيراني مما يحدث في حال توسعت التدخلات التركية ضد سورية ؟ وهل تبقى إيران على الحياد؟ وما هي الأوراق التي تلعبها؟

العلاقات الإيرانية-التركية تتسم بالإيجابية أكثر بكثير من كونها علاقات سلبية، وهذا توافق عليه الجانبان. وفي التاريخ الحديث غالباً ما كانت العلاقات تسير إلى الأمام وليست حالة تراجعية مهما اختلفت عناوين الأنظمة أوالحكومات. والعلاقات الحالية جيدة مع نسبة ملحوظة جداً من ازدياد ميزان التبادل التجاري بين البلدين، وهناك اتجاه إلى تطوير مختلف أنواع التبادلات التجارية، وهذا أمر تحتاج إليه تركيا كثيراً، كذلك إيران على نحو ما، ويعتبر أمراً حيوياً للدولتين لما تشكلانه من نفوذ على مستوى المنطقة والمستوى الإسلامي، والمصلحة تفرض أن تكون العلاقة جيدة بين البلدين، ما قد ينعكس على مصالح المنطقة مع اختلاف بعض التوجهات الأساسية.

إيران تريد الحفاظ على سورية البلد الإستراتيجي التي ترتبط معه بحلف أساسي، وتتعامل مع سورية ليس كحليف بل كجزء من جسمها.

هنا يطرح السؤال الآتي:هل تفعل إيران ما نتمناه أن يحدث في المنطقة؟ وهل السياسة الإيرانية تتسم بردود الفعل السريعة كما هي الحال في تركيا وبعض الدول العربية؟

من الواضح أن إيران تمارس لعبة القوة الناعمة، فهي تعرف أين تستعمل أوراق القوة الأساسية ولا تريد الانخراط في لعبة إعلامية ودعت تركيا إلى ضبط النفس، وكانت هناك رسائل عديدة أكبر مما نعتقد ومضمونها أن إيران هي جزء مما يحدث ولا تستطيع الوقوف متفرجة،ـ والأكيد أن الإيراني سيستعمل كل أوراق القوة من النفط والغاز في ظل هذه المرحلة الخطيرة والمفصلية.

يمتلك الإيراني من العلاقة الدبلوماسية ما يساهم في ترويض التركي من الذهاب بهيستيريا لا معنى لها ولا فائدة منها، يعرف أنه لن يستطيع تغيير شيء والعالم كله ومعه أميركا لم يستطع أن يفعل شيئاً.

أغلب الظن أن تركيا ستتراجع، وسورية ستنتظر مرور الاستحقاق الشعبي في تركيا لتبني على نتائجه الموقف المناسب وتتفرغ في هذه الفترة الفاصلة لباقي الجبهات التي يمكن أن تساهم في تجفيف جميع منابع الإرهاب فيها، من القلمون إلى بعض مناطق ريف دمشق. ولننتظر الأيام القليلة المقبلة والنتائج على مستوى الحركة الدبلوماسية والاتصالات بين تركيا وإيران لنستقرئ المرحلة المقبلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى