العلاقات الأميركية المصرية
حميدي العبد الله
هل أنهت زيارة جون كيري إلى القاهرة حالة الفتور والتوتر التي شهدتها العلاقات المصرية الأميركية منذ سقوط نظام «الإخوان المسلمين»؟ للوهلة الأولى تبدو زيارة كيري، وما سبقها من إفراج الولايات المتحدة عن دفعة جديدة من طائرات «فانتوم»، التي اشترتها مصر من الولايات المتحدة وكأنّ العلاقات بين البلدين عادت إلى طبيعتها.
لكن من تابع المؤتمر الصحافي المشترك، وما أدلى به وزيرا خارجية الولايات المتحدة ومصر، لا يخطئ الاستنتاج بأنّ العلاقات لا تزال على ما كانت عليه ولم يحصل أيّ تطوّر بارز يعيدها إلى الحرارة التي كانت عليه في عهود السادات ومبارك ومرسي. فقد أبرزت تصريحات كيري تأييده الكامل لجهود مصر لمكافحة الإرهاب ممثلاً بالدرجة الأولى في تنظيم «داعش»، ولكن كان واضحاً أنّ لدى الوزير الأميركي تحفظاً لجهة معاملة جماعة «الإخوان المسلمين» كجماعة إرهابية، وهو الأمر الذي اضطر وزير خارجية مصر للتوضيح بأنّ الإرهابيين جميعهم لهم صلات فكرية مع جماعة «الإخوان»، أو أنّ فكر «الإخوان» له دور كبير في خلق بيئة ملائمة للإرهاب.
هكذا يتضح أنّ المشكلة الأساسية التي كانت في أساس فتور العلاقات المصرية الأميركية لا تزال قائمة، ولم تغيّر الولايات المتحدة موقفها من جماعة «الإخوان المسلمين»، ولا تزال تحرص على مشاركة هؤلاء في الحياة السياسية المصرية والسماح للجماعة بممارسة أنشطتها بحرية، وهو الأمر الذي رفضته وترفضه مصر، لا سيما في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
بمعنى آخر لا تزال الولايات المتحدة تعارض الإجراءات المصرية ضدّ جماعة «الإخوان المسلمين»، في حين أنّ السلطات المصرية ترى أنّ الخطر الرئيسي على الاستقرار وحتى على وجود الدولة المصرية يأتي من جماعة «الإخوان المسلمين» بالدرجة الأولى.
من المعروف أنه ما عدا قضية «الإخوان المسلمين» ليس هناك خلاف جدي بين مصر والولايات المتحدة، فموقف مصر من الكيان الصهيوني واتفاقات «كامب ديفيد» لم يتغيّر، بل إنّ قادة الكيان الصهيوني طالبوا الولايات المتحدة بدعم مصر وعدم السماح لقضية «الإخوان المسلمين» بزعزعة العلاقة المصرية الأميركية، والمواقف من أزمات المنطقة متشابهة بين القاهرة وواشنطن، الولايات المتحدة تزعم أنها تدعم الحلّ السياسي لا العسكري في سورية واليمن، ومصر تعلن دائماً دعمها لهذا الخيار، وكان آخر ذلك تصريحات وزير خارجيتها في المؤتمر الصحافي المشترك مع وزير خارجية الولايات المتحدة. لكن قضية جماعة «الإخوان المسلمين» بالنسبة إلى الدولة المصرية هي قضية وجود، وبالتالي غير قابلة للنقاش، ولا تقبل السلطات المصرية المساومة في هذه المسألة، وحتى لو رضخت السلطات المصرية للضغوط الأميركية وضغوط دول أخرى في المنطقة تدعو مصر إلى إعادة النظر بموقفها من «الإخوان»، فإنّ الغالبية التي خبرت حكم جماعة «الإخوان» لن تقبل بذلك، ولهذا يتوقع أن يستمرّ التباين بين الولايات المتحدة ومصر لفترة طويلة.