سورية 2021
عامر نعيم الياس
انتهت الانتخابات الرئاسية السورية يوم الثلاثاء 3 حزيران الساعة 12 ليلاً بتوقيت العاصمة دمشق، لعله توقيت يجب الأخذ به أكثر في المرحلة المقبلة من تاريخ الأزمة في سورية. فبعد ثلاث سنوات تفرض دمشق توقيتها على مجريات الأمور في البلاد أولاً، وعلى المحاور المتصارعة حول هذا الوطن ثانياً. رد الفعل انتقل منذ الربع الأول من عام 2012 من انفعال الدولة السورية إلى انفعال أعدائها، فالاستفتاء على الدستور وانتخابات مجلس الشعب والخطة التي أعلن عنها الرئيس الأسد على مدرج جامعة دمشق لحل الأزمة السورية، بالتوازي مع تقدم الجيش السوري وحلفائه على أكثر المحاور خطورة، تحرير بعضها ومحاصرته للحصار المفروض عليه في بعضها الآخر.
يوم الانتخابات كان استثنائياً بامتياز، وقد وصفتها المتحدثة باسم الخارجية الأميركية ماري هارف بأنها «انتخابات منفصلة عن الواقع ومجرّدة من المشاركة السياسية»، لا نبالغ في مجاراة الأميركيين وتصديقهم هنا، فالانتخابات منفصلة عن الواقع الذي رسموه ويرسموه للأزمة السورية. الانتخابات التي وصفتها «ديلي تليغراف» في تقرير من حلب بأنها ليست الوسيلة لكي يعبر فيها السوريون عن آرائهم وتطلعاتهم المستقبلية لبلادهم، مطالبةً «بصندوق للمقترعين السوريين بإمكانه جلب السلام لبلادهم»، ترى هل من اقترع في الثالث من حزيران اقترع للحرب؟!
الإعلام الغربي لا يريد رؤية ما جرى في الانتخابات السورية، مثل بعض النخب ومنها على سبيل المثال الناطقة باسم الخارجية الأميركية. لكن هناك رأي آخر برز في الصحف الأميركية، فلغة التشكيك وإن كانت مسيطرة إلا أنها لا تعني تغييب الصورة كلياً، ربما لاعتبارات مستقبلية تخص الملف السوري وطريقة مقاربته حتى لو على المدى البعيد، إذ عنونت «نيويورك تايمز» «وسط المخاوف والضغوط، السوريون يصوّتون للرئيس»، أما «كريستيان ساينس مونيتور» فقالت في معرض تعليقها الاستباقي على نتائج الانتخابات الرئاسية السورية «الانتخابات ستعزز من شرعية الرئيس بشار الأسد، وتعتبر إشارة للسوريين وللعالم إلى أنه ليس ديكتاتوراً يقاتل معارضة شعبية، بل هو قائد دولة يقاتل الإرهابيين المدعومين من دولة غربية وصفت الانتخابات بالمهزلة».
إن الحملة الشرسة والهيستيرية التي يقوم بها الإعلام الغربي وغالبية العربي على الانتخابات الرئاسية السورية ستستمر وتبلغ ذروتها عند إعلان نتائج الانتخابات، على رغم أن «لوموند الفرنسية» اعترفت في أحد تقاريرها أن «السؤال اليوم حول الانتخابات السورية لا يتعلق بإمكان فوز بشار الأسد أم لا، بل السؤال هو: هل سيتجاوز النسبة التي حصل عليها المشير عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية المصرية والتي تبلغ 96.91 في المئة»، هذه الحملة لم ولن تغيّر في الواقع شيئاً، فالانتخابات الرئاسية السورية تؤسس لمرحلة جديدة على صعيد الداخل و«الاستمرار في المصالحات وحل الأزمة» بحسب أول تصريح لرأس الدبلوماسية السورية الوزير وليد المعلم، أو سواء على مستوى الخارج و«الاتصالات التي تتلقاها الدولة السورية من بعض الدول» وفق ما كشفت عنه المستشارة الرئاسية في سورية الدكتورة بثينة شعبان. تسريب يتقاطع إلى حد ما مع ما كشفه في «لوفيغارو» الفرنسية الصحافي جورج مالبرونو فقد نقل عن دبلوماسيين شرق أوسطيين قولهم: «في إطار إعادة تقييم الوضع وحتى قبل الانتخابات الرئاسية، فإن دولاً عدة تحاول إعادة الاتصالات مع دمشق، سويسرا ستفتتح قريباً مكتب تعاون لها في دمشق السفارة الصربية، كذلك من الممكن عودة بعض دبلوماسيي الدول التي لم تعلق تمثيلها كالسويد والنمسا وإسبانيا»، ونقل أيضاً عن أحد معارضي الخارج قوله: «علينا أن نكون واقعيين، نحن لسنا في وارد قلب نظام الحكم».
سبع سنوات جديدة بقيادة الأسد، حقيقة لا يمكن إنكارها والالتفاف عليها، بموازاة الإنجازات العسكرية على الأرض، والنجاحات التي تحققها عمليات المصالحة والتسويات في مناطق البلاد كافة، يأتي اليوم تجديد الغطاء السياسي والتفويض الشعبي بما يسقط جميع محاولات العزل الإعلامي الممارسة على الدولة والشعب السوريَين، لتبقى الحقيقة الوحيدة في هذه المعادلة هي: الأسد رئيساً للبلاد حتى عام 2021، سبع سنوات مدة تشكل أكثر من ضعفي عمر الأزمة السورية التي انتقل فيها الغرب من إسقاط النظام ومقولات «الأيام المعدودة» إلى «الحوار مع النظام في مؤتمر جنيف» وصولاً إلى خطاب أوباما الأخير في وست بوينت والتي لم يذكر بها أي كلمة عن «تنحي الأسد أو إسقاط النظام». سبع سنوات من الصمود المعزز بإرادة شعب انتخب «على رغم تهديدات المتمردين بقصف المراكز الانتخابية» بحسب الصحف الغربية، شعب ودولة يدركان من عمق تجربتهما المشتركة أن عامل الوقت لصالح الطرف الأقوى دوماً.
كاتب سوري