كيف يمكن أن يستفيد لبنان من الانتخابات الرئاسية السورية؟
د. أحمد ل.
هل ثمة علاقة للبنان بالانتخابات الرئاسية السورية؟ ولماذا يربط لبنان بسورية لجهة هذه الانتخابات؟
اللافت أني أبدأ هذه المقالة بسؤال حول وجود علاقة بين لبنان كبلد وسورية كبلد مجاور، خاصة في ظلّ الظروف الراهنة التي تمرّ بها المنطقة عامة وسورية خاصة، ونظراً إلى الوضع الصعب والواقع الذي يرزح تحته البلدان، ولما بينهما من روابط على المستويات كافة، من السياسة الى الاقتصاد والأمن، ذهاباً إلى الروابط الجغرافية والتاريخية، إذ تؤدي هذه الروابط الى انعكاس كلّ ما يجري في أحدهما على الآخر، سواء كان هذا الانعكاس سلبياً أو إيجابياً، علماً أنّ لبنان ليس له جار وأخ وشقيق وصديق سوى سورية، وقيل قديماً إنّ لبنان هو الخاصرة لسورية، وإذا أصاب لبنان أيّ مكروه أو تألم أو صرخ فإنّ سورية تحسّ بوجعه، وإذا ارتاح لبنان واستقرّ وازدهر فإنّ سورية تكون سعيدة لأنّ ذلك سوف ينعكس عليها إيجاباً.
انطلاقاً مما تقدّم، يمكن القول إنّ العلاقة القائمة بين لبنان وسورية هي علاقة تداخلية، بل أعمق من أي رابط بين بلدين آخرين. وإنّ ما تشهده سورية حالياً من أزمات ومشاكل على الصعد كافة لأكبر دليل على قوة هذه العلاقة، وليس ما حصل من تهجير أو نزوح من سورية الى لبنان خلال الفترة الماضية نتيجة ما تشهده سورية من تدخل عالمي إرهابي من الكثير من دول العالم، سوى همجية غير مسبوقة على صمود سورية وعلى وقوفها في صفّ المقاومة والممانعة للاستسلام للعدو «الإسرائيلي»، إذ لم يبقَ ايّ إرهابي من جميع الدول المناهضة لهذا المحور، عربية وغربية أو ما يُسمّى بأصدقاء سورية، لدعم الإرهابيين في سورية أهداف بعيدة أقربها تقسيم سورية الى دويلات وتفكيك محور الممانعة والمقاومة الذي يشكل موقف سورية منه بمثابة القلب والعمود الفقري منه.
لذلك يمكن القول إنّ نتيجة هذه الأزمة في سائر الأحوال تركت أسوأ الآثار على سورية لما تسبّبت به من دمار رهيب في النواحي والمناطق السورية وعلى مختلف المستويات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، ما أدى الى تفكك المجتمع السوري وتشريد أبنائه الى الدول المحيطة به وبينها لبنان الذي استقبل عدداً كبيراً منهم في أكثر المناطق اللبنانية.
في هذا الإطار، وفي هذه الأجواء، وانطلاقاً من تصميم سورية قيادة وشعباً على الحفاظ على الحدّ الأدنى من وجود الدولة ومؤسساتها، عمدت السلطات الرسمية الى الإعلان عن تنظيم انتخابات لمنصب رئاسة الجمهورية وفقاً لقانون جديد يحدّد شروط الترشح وإطار هذه الانتخابات، تبعاً لتنظيم محدد وشامل، ما يتيح إمكان الترشح والانتخاب.
في هذا الإطار بدأت منذ ما نحو ثلاثة أشهر الخطوات التحضيرية لهذه الانتخابات وترّشح عدد ناهز العشرين ممن يستوفون الشروط القانونية، وكان بينهم الرئيس بشار الأسد، وقبلت المحكمة الدستورية ترشيح ثلاثة منهم بينهم الرئيس الأسد. بعد ذلك حدّدت اللجنة العليا أياماً وتواريخ معينة لهذه الانتخابات، ومنها للسوريين المقيمين خارج سورية، وضمن هؤلاء طبعاً المقيمون في لبنان.
وفي اليوم المحدّد، أي في 27 أيار 2014، فتحت مراكز الاقتراع في السفارة السورية في لبنان كغيرها من البلدان التي سمحت للسورين بالإدلاء بأصواتهم، على عكس العديد من الدول التي تدّعي الديمقراطية التي منعت على السوريين المقيمين لديها من ممارسة حقهم، وهذا أكبر دليل على زيف ادعائهم بالديمقراطية وكذبهم.
يهمّنا في هذا الإطار الإقبال الكثيف الذي شهدته السفارة السورية في لبنان، إذ قدّر عدد المشاركين بما يفوق مئة ألف ناخب، ما شكّل مفاجأة للعديد من السياسيين اللبنانيين فعبّروا عن ضيقهم مما حصل في السفارة، وحجتهم في ذلك ما تسبّبت به حشود المشاركين من زحمة سير، ما أعاق وصول العديد من اللبنانيين الى أعمالهم ومدارسهم، وعبّر السفير السوري عن أسفه للإزعاج واعتذر من جميع اللبنانيين، علماً أن كثافة الناخبين ألزمت المسؤولين في السفارة بتمديد الانتخاب ليوم ثان كان مساره هادئاً نتيجة التعاون المتبادل بين الأجهزة المختصة والسفارة.
مما سبق يسعنا القول إنّ المشاركة في الانتخابات تمّت على غير ما كان يتوقعه العديد من اللبنانيين، وأثبتت مرة أخرى أن سورية قادرة على الاستمرار في القيام بدورها، وأن السوريين حريصون على ممارسة حقهم ديمقراطياً في اختيار رئيسهم حتى لو كان البعض غالى في التوقيع بغير الحبر.