«الجمال الموسيقيّ» كتاباً لعلي القيّم عن التذوّق والجمال المسموع
سلوى صالح
في مقدمة كتابه «الجمال الموسيقي» يعرّف الباحث علي القيّم الموسيقى بأنها الجمال المسموع، وبأنها لغة إنسانية تستخدم الأنغام والإيقاعات لتنقل إلى المستمع مضموناً لا يحتاج إلى ترجمة أو شرح، فهي تخاطب عقل الإنسان ووجدانه، لذلك يكفي الأصغاء إليها والتركيز على إيحاءاتها كي تتصاعد منها مشاعر ومعان تسقط تلقائياً في أعماق نفوسنا ووعينا. ولأن الموسيقى فن وفكر فإن ذات قدرة تربوية فعالة في تقويم الأجيال الشابة ورفع مستوى تذوقها للفنون وتشجيعها على تحقيق أحلامها وتعليمها حب الحياة إلى جانب شغل أوقات الفراغ، إضافة إلى أن الفنون بمجملها تصقل الشخصية وتهذب الوجدان.
يظهر القيّم أن العمل الموسيقي عمل مركب ذو شكل ومضمون وله بداية ونهاية ويمر هذا العمل في ثلاث مراحل قبل أن يخرج إلى الوجود، أولها مرحلة ما قبل الإنتاج التي تدور داخل نفس المؤلف باحثاً فيها عن موضوع وتحصيل المعلومات عنه، ثم اختيار الأفكار الموسيقية المناسبة، والمرحلة الثانية هي تدوين العمل الفني وخروجه من الأعماق الى الوجود، أما المرحلة الثالثة فهي مراجعة العمل ووضع اللمسات الأخيرة عليه.
بعد المقدمة يبدأ الباحث كتابه بالتنقيب عن الموسيقى في كتب التراث العربي التي تدل على اهتمام أجدادنا العرب بالموسيقى والغناء وكيف حلت موسيقى بغداد وحلب ودمشق المتطورة في الأندلس محل موسيقا الحجاز التقليدية بعد ان دخلت قرطبة من أوسع الأبواب بفضل زرياب وأبنائه من بعده.
يتطرق القيّم إلى الأغاني الشعبية في بلاد الشام، خاصة «الدلعونا» و«اللالا» و«أم الزلف» ثم يورد مقاطع مما كتبه الشاعر نزار قباني في دمشق وبساتينها وأنهارها وبيوتها وضفائر حسانها، منتقلاً بعد ذلك إلى الحديث عن ملامح الزغرودة في التراث الشعبي السوري التي تعتبر جزءاً متمماً ومكملاً لأغاني الأفراح والمناسبات السعيدة، مشيراً الى أن وزارة الثقافة قامت بتدوين وتسجيل وحفظ الزغاريد في سجلات ومطبوعات لدراستها وإيصالها الى الأجيال القادمة.
وللموسيقى الغربية نصيب في الكتاب من خلال الحديث عن الموسيقار الألماني العبقري فاغنر الذي فلسف الموسيقى وجعلها قصة تروى لكل نفس تتعشق بها. ثم ينتقل إلى الحديث عن سيمفونية «القدر» لبيتهوفن الذي غمر فكر البشر ووجدانهم أكثر من أي موسيقي آخر، مشيراً الى أن ألحان بيتهوفن شديدة التركيز ومشحونة بطاقة كبيرة تتضمن كل ما ينبثق عنها ولا تنكشف إلاّ عند تفاعل اللحن، إذ لخص مطلع السيمفونية الخامسة بجملة موسيقية قصيرة اختصر فيها صراعه مع القدر وقدم للعالم سيمفونية من أشد الألحان تركيزاً وإعجازاً في التصميمات السيمفونية.
يطلق الباحث القيّم اسم «سقراط الموسيقى العربية» على الموسيقي الراحل منصور الرحباني الذي أثرى حياتنا الفنية والموسيقية والمسرحية ولحن وكتب للأرض والحب والإنسان، فيما يسمي الموسيقي الياس الرحباني بـ«فارس الموسيقى»، ثم ينتقل إلى الحديث عن الشاعر والأديب والسياسي فخري البارودي الذي نظم الأزجال والأناشيد الحماسية والوطنية ليغنيها أهل الطرب وتلاميذ المدارس إذ ملكت الموسيقى قلبه ومشاعره وأحاسيسه حتى أنه بحث عن الموسيقى وأعلامها عبر التاريخ العربي، فكتب مقالة عن أبي العلاء المعري وعلاقته بالموسيقى.
يتناول القيّم القواسم المشتركة بين الموسيقى التركية والعربية وتطوير التخت الشرقي المؤلف تقليدياً من عود كبير وعود صغير وقانون صغير وناي وبزق وإيقاع، كما تطرق إلى مشروع إحياء الموسيقى السورية القديمة والبحث عن نشأة الموسيقى بدءاً من حضارة أوغاريت وصولاً الى رائد المسرح الغنائي العربي أحمد أبو خليل القباني، ثم موسيقار الجيلين محمد عبد الوهاب.
وللموسيقي الألماني ريتشارد شتراوس والبولندي فريدريك شوبان والفرنسي رافيل والهنغاري كوداي نصيب في أبحاث القيّم، إضافة إلى كونفوشيوس زعيم حكماء الصين القدامى، ومدرسة كارل أورف في ألمانيا.
يفرد الكتاب الصادر لدى الهيئة السورية للكتاب صفحات عديدة للحديث عن الطرب في موسيقى العرب والموسيقى الشعبية والطرب في حلب وعلم توافق النغم وعلم الجمال الموسيقي وضرورة العودة إلى الأصالة والقدود الحلبية وزرياب والموصلي ورقصة المولوية والمقامات الموسيقية والفنان صميم الشريف والموسيقى بين الأصالة والتجديد وموسيقى الماء ومواضيع موسيقية أخرى.
لم يغفل الباحث الحديث عن المطربة القديرة فيروز التي تتعانق الرؤيا مع النغم في أغانيها وتتدفق الحياة روعة وألقاً، فوحده صوت فيروز يجعلنا نستمع بشغف ومحبة وانتباه ونعيد ونكرر الاستماع من دون ملل الى كلمات ونغمات ساحرة متجددة، ويجعلنا نلغي المسافات مهما ابتعدت ونوقف الزمن مهما تقدم.