مكتبة «البناء»
صدرت للشاعرة العراقية ريم قيس كبة مجموعة شعرية عنوانها «مساء الفيروز»، وتوزعت قصائد المجموعة الصادرة لدى «دار الحكمة – لندن»، وبالتعاون مع المركز الثقافي العراقي في العاصمة البريطانية، تحت ثلاثة عناوين فرعية هي «خرزة أولى»، «خرزة ثانية»، «خرزات»، عناوين تحيل القارئ على خرزات العقد أو خرزات مسبحة الفيروز. ففي الـ»خرزة الاولى» نقرأ قصائد تحاكي الوطن والمنفى وتعكس حياة الشاعرة في وطن بديل وهي تتغنى بحب العراق ورائحة شطه وفيء نخله. ونراها تخاطب الحبيب كأنها تخاطب الوطن، وتخاطب الوطن كأنه المعشوق الأوحد. وتراوح الشكل في هذا الجزء من الكتاب بين المقاطع القصار والقصائد متوسطة الطول، ففي مقطع من الخرزة الأولى تحت عنوان «وطن» نقرأ : لعطركَ/ رائحة الشط / عندَ ضفافِ الوطن / للَمس الاُبوّةِ / من كفـّكَ الثـرِّ دفءُ الوطن/ للمدامع / تلمعُ في مقلتيكَ/ حنينُ الوطن/ لرحيقكَ/ للقُبلةِ المستفيضةِ/ من شفتيكَ،/ لريـقكَ/ طعمُ الوطن كم أضعتُـكَ / حينَ أضعتُ الضفاف !وحينَ وجدتـُّكَ/ أغمضتُ عيني / غـفوتُ/ وصـدركَ / كـانَ الوطن!».
في الـ«خرزة الثانية» نقرأ قصائد للحب والحياة. تتنوع بين وجد صوفي ومشاعر حسية صارخة وبجرأة تكتنف الصورة والفكرة معاً. وهذا ما اتسمت به تجربة الشاعرة ريم قيس كبة منذ بداياتها، ففي مقطع من «هذه الخرزة» تحت عنوان: «إمتحان» نقرأ : «وأقـرأ / في كلّ وجـهٍ أراه / ملامـحَ وجـهكَ/ حيـناً بصـدقٍ/ وحـيناً بقصـدِ المجـاز / فأحفظُ درسي/ اُجيبُ على كل حرفٍ تَحيَّـرَ/ في أُم رأسـي/ وتأتي النتيجـةُ :عـاشـقةٌ بامـتياز!
أما الجزء الثالث والأخير في هذه المجموعة الشعرية «خرزات» فشمل نحو سبعين مقطعاً شعرياً قصيرًا جداً للحب فحسب، ضمن شكل ما عرف نقدياً بقصائد الضربة أو الومضة، وتكلم عنه وعبره الكثير من شعراء الحداثة وقدموا تنظيرات تحاول أن تؤطر هذا الشكل المكثف والمكتنز بالمعنى وكنه الصورة الشعرية المعتصرة والمقطرة الى اقصى حد جمالي ممكن.
دأبت ريم قيس كبة على تكريس كتابة هذا النمط من المقاطع منذ تجاربها الأولى. بيد أن الفرق هنا انها في هذه المجموعة تحديداً حرصت أكثر على التكثيف لتتحول كل قصيدة فيه إلى شطر أو شطرين ولا تتجاوز الأشطر الستة في أقصاها، ومع ذلك تصبو الى اختزال عالم كامل من التجربة.
يميز هذه المقاطع القصار عن سواها من التجارب أنها احتفظت بتفعيلاتها الخليلية من دون اللجوء الى النثر، واللافت فيها أيضاً أنها خلت من العناوين، واكتفت الشاعرة بتوثيق تاريخ كتابة كل مقطع على حده، كأنها تريد أن تتخفف حتى من ثقل العناوين وفي هذا الجزء نقرأ:
«كلما قلتُ كبـرنا/أخرَسَتْ لهفةُ عينيكَ ظنّـي/فأيقنتُ أني/مازلتُ طفلة/شيكولاتا/وترياقُ عافية/فـرحٌ/طعمُ هذي الشِـفاه».
تواصل الشاعرة ريم قيس كبة عبر مجموعتها الشعرية الجديدة مشوارها الإبداعي المتصاعد والباحث دوماً عن جديد يؤكد بصمتها في الساحة الشعرية العراقية والعربية.
الجدير ذكره أن الكتاب الثامن للشاعرة بعد ستة دواوين شعرية هي «نوارس تقترفُ التحليق» 1991 ، «إحتفاءً بالوقت الضائع» 1999 ، «اُغمضُ أجنحتي واسترقُ الكتابة» 1999 ، «متى ستصدق أني فراشة؟» 2005 ، «بيتـُنا» 2009 ، «البحرُ يقرأُ طالعي» 2010 ، بالاضافة الى إصدارها أول ديوان صوتي في العراق تحت عنوان «زقزقات» 2002، وترجمة كتاب «أن تقرأ لوليتا في طهران» للكاتبة آذر نفيسي وحازت ثلاثة من كتبها جوائز عربية.
«رسائل غيب» لظبية خميس
يسهل على قارئ ديوان «رسائل غيب»، الصادر لدى دار «العين للنشر» في القاهرة، أن يرصد تأثير الجغرافيا التي تتحرك فيها مؤلفته الشاعرة الإماراتية ظبية خميس وتاريخ كتابة القصائد المتباينة في نبرتها بين الهمس والصرخة، حين تتصادم القصيدة بتقاليد وأعراف لا تعترف بحرية الإنسان.
بين مجاز الشعر والإيمان بأن للفن قضية تراوحت قصائد ديوان «رسائل غيب»، حتى أن بعضها بدا كأن ظبية خميس تعبر به على الصراط لتنجو من فخ المباشرة. وحمل الغلاف الخلفي كلمة للشاعرة العمانية فاطمة الشيدي التي اعتبرت ظبية خميس هي «الفارة من تخوم القبيلة إلى حواف الفكرة، ثمّ إلى منتهى الرفض اللغوي والشعري والثقافي والفكري. هي حالة جديرة بالتأمل أكثر منها بالكتابة. المرأة الذاهبة بكلها باتجاه اللغة والإبداع والثقافة والفكر. التي ضربت بأجنحتها كيمامة لتفرّ من قيد مسبق الصنع في مجتمعات قطيعية لا تؤمن بالمختلف. مجتمعات عمياء لا ترى من وظائف المرأة إلا الوظائف الجسدية».
تقول الشاعرة في سطور من قصيدة «أحرار نحن» وهي إحدى قصائد كتبت في مصر: «جئنا للأرض معا -لنزرعها ونحصدها- نعمرها ونبنيها. جئنا بقانون الحب والبقاء -لم نولد عبيدا- ولم تولدوا سادة… منذ قابيل وهابيل -والغراب يعلمنا كيف نهيل التراب- على ضحايانا ونصمت.. أنتم لستم أكثر، ونحن لسنا أقل».
أما القصائد المكتوبة في الإمارات فتميل إلى التفنن في رسم مشاهد لتفاصيل إنسانية صغيرة عن الأهل والأصدقاء والذكريات والبيوت والشجر والقطط والريح والصحراء. ولكن شيئا ما يفتقد كما في قصيدة «في بلادنا». وتنتهي القصائد المصرية لتبدأ أخرى أوروبية وأولها قصيدة «نحو أوروبا» الموقعة هكذا «السماء» في تموز 2012 وتبدو كأنها خلاص من عالم بأساطيره وعقده التاريخية.