مسقط… برودة سياسية تلامس حوافي حارة
فاديا مطر
وحدها سلطنة عُمان التي لا تزال تعمل من موقع الوسط في معادلات الشرق الأوسط الشائكة والمتشابكة ضمن استراتيجية خليجية تُبقيها قناة اتصال مع الإقليم في أزماته، فهي على انتهاج خط يبدو مستقلاً في ما يتعلق بعلاقاتها الخارجية ولا يتطابق بكاملية مع موقف شركائها الخمسة في مجلس التعاون الخليجي، ويتناغم هذا الدور السياسي للسلطنة بين العلاقات الإيرانية الجيدة معها، وكونها تُشكل رافعة خليجية إقليمية مهمة لها علاقاتها المميزة خليجياً، فالدور العُماني من شأنه وضع معالجات جديدة لأزمات تعبر مياه الخليج وتُجاور مسقط في جغرافياتها الأقليمية وصولاً إلى المتوسط والبحر الأحمر والخليج اليمني، فما قدمته دول مجلس التعاون الخليجي لم يلقَ قبولاً نهائياً لجهة صوابيته أو خطأه من السلطنة، بل لم يجد فرصه الجيدة ضمن السياسة العُمانية ليحقق نجاحاً والعلاقات العُمانية المحيطية لم تُعطِ شرعية إقليمية للمتغيرات التي تفرضها السياسة والعسكرة الخليجية المهندسة أميركياً، بل هي ضمن دور للحفاظ على أمنها القومي ومنع تأزيم دور الصراع الطائفي في الإقليم العربي والمُعد خليجياً بامتياز، فهو ما جعلها تستقبل وزير الخارجية السوري وليد المعلم في 6 آب الجاري وهي التي لم تنقطع علاقاتها الديبلوماسية والسياسية مع دمشق كما فعلت بقية الزمرة الخليجية، وهي السلطنة المرشحة مستقبلاً لاستضافة حوارات تحسم الخلافات، فهي عبر علاقاتها المتوازنة تقف في طرف محايد يرأب الصدع في المياه الخليجية والجغرافيا المتصلة به محيطياً، وهي التي لم تشارك في ما قادته السعودية من عدوان «عواصف حزم وأمل»، بل كانت الوسيط المتوازن عبر علاقاتها الطبيعية التي تسير بها مع كل من السعودية وإيران، و«مسقط» هي العاصمة الخليجية التي تمتلك رؤية وسطية مغايرة للنسيج الخليجي خصوصاً في شأن الأزمة السورية التي جعلت من مسقط في مرحلة ما سبقت بوابة للتفاوض أو التوجيه، فالسلطنة هي طريق سالك باتجاهين نحو صياغة تفاهمات المنطقة ورسم التسويات بين المتنازعين وربما تترجم في موقع قريب الرغبة السعودية بالتقدم نحو سورية من أجل الحل، خصوصاً ان «مسقط» تعرف الكثير من اللقاءات السعودية ـ السورية الرفيعة المستوى والتي ساعدت يوماً في تركيب توزانات المنطقة، فعلى برغم تسميتها «المغردة خارج السرب الخليجي» إلا أن السلطنة لم تعمل يوماً على توتير أجواء الإقليم الخليجي وما يحيط به من جغرافية سياسية، بل على العكس فهي تربة خصبة لمزيد من التفاهمات والأدوار الاستراتيجة التوافقية التي ربما تعوض في أثمارها غياب دور عربي آخر، لذلك ربما كانت الدعوة العُمانية للخارجية السورية في هذا التوقيت هي لإعادة روابط يمكن أن تفتحها «مسقط» مع أطراف دولية وأقليمية تؤسس لتكون السلطة آلية جدية لصناعة حل جدّي يرضي الغالبية، فهي قادرة على رسم ملامح تسوية قادمة اختلفت فيها سياسات وغيرتها توازنات ومعادلات عالمية جديدة ارتبطت في أوتادها مع أدوار بدأت شمسها تغيب عن المشهد إما خلف الجبال او وراء مياه المحيطات، لتبرز سلطنة عُمان كساحة عربية ـ عربية تقود أدوار اقليمية لمن يرغب بالمُضي في هذا المسار، والذي يمكن له أن يفتح الباب أمام تغيير جذري في المنطقة ويستحضر آراء دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعةً في تنفيذ ميثاق دفاعي ضد ارهاب دعموه وأفلت رباطه من ايديهم، فهل حدود عُمان الجغرافية تتلامس في برودتها مع الإقليم الحار لإيجاد عوامل قُربى تمسح التداخل الجغرافي الشائك وتعوم المصالح المشتركة…؟ الانتظار خير اختيار.