الاتفاق النووي الإيراني… لمَ تراجعت الإمبراطورية أوّلاً؟
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
تطرّقنا في تقارير مترجمة سابقة، إلى الاتفاق بين إيران والدول الستّ الكبرى، حول ملفّ طهران النووي. متناولين مواقف بعض الدول إزاء هذا الاتفاق، بدءاً بدولة العدو الصهيونيّ، وليس انتهاءً بمملكة الرمال الوهابية. إذ وصل رفض الصهاينة لهذا الاتفاق، إلى حدّ تحريض الكونغرس الأميركي ضدّ الرئيس باراك أوباما، ما حدا بالأخير إلى إلقاء خطابٍ محاولاً عبره طمأنة «إسرائيل» والسعودية حيال النووي الإيراني، لكن التقارير اليومية تثبت أن لا طمأنينة لدى الصهاينة ولا الوهابيين.
أما في هذا التقرير الذي كتبته شارمن نارواني لـ«Russia Today»، فنبحث في الأسباب «الخفيّة» التي دفعت الولايات المتحدة الأميركية إلى السعي لتوقيع الاتفاق مع إيران. فكما هو معروف لدى القاصي والداني، أنّ قياديي الولايات المتحدة استمرّوا في خطاباتهم بالتركيز على أن الإيرانيين انتخبوا الرئيس روحاني في محاولة للوصول إلى مواقف معتدلة في السياسة الخارجية. لكن استطلاعاً للرأي أجري بعد الانتخابات الإيرانية، يفيد بغير ذلك، إذ وافق 69 في المئة من الإيرانيين الذين شملهم الاستطلاع على أن «الحفاظ على حق تطوير البرنامج النووي يستحق الثمن الذي يدفع نتيجة العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية». ورأى 5 في المئة فقط من المشاركين في الاستطلاع، أن تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب يُفترض أن يكون من الأولويات. إذاً، لا، لم تنجح العقوبات ولم تحقق أيّ هدف كانت تنشده.
ولمزيد من التأكيد، أثبت تموز 2012، وجود محادثات سرّية بين الولايات المتحدة وإيران في عُمان، كانت قد انطلقت ـ وفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية ـ من قبل وجود نمط من الإغراءات التي تقدّمها واشنطن لإغراء إيران بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. مع الأخذ بالاعتبار أن الأميركيين هم الذين بادروا إلى انتهاج هذا المسار، لا الإيرانيين المرهقين من ثقل العقوبات. والحقيقة أن كلّ هذا كان قد بدأ أثناء تولّي الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد السلطة في إيران، لا خَلَفه روحاني.
كتبت شارمن نارواني لـ«Russia Today»:
أمضينا ثلاثة أسابيع نراقب السياسيين الأميركيين وهم يتجادلون في شأن الاتفاق النووي الإيراني. يبدو أن الجميع قد فوّتوا نقطة بارزة واحدة: ألا وهي حاجة الولايات المتحدة إلى وضع حدّ لهذه المواجهة مع إيران ـ لا العكس. إن مقالي الجديد في«RT» يشرح الأسباب التي اضطُرّت الغرب إلى الجلوس على طاولة المفاوضات في فيينا، ومدى تأثير هذا الاتفاق في توجهات الشرق الأوسط الجديد في سورية، العراق، اليمن، لبنان وحتى أبعد من ذلك في المنطقة.
منذ سنوات، ونحن نسمع عن تأثير العقوبات الأميركية التي تقضم وتعضّ بأسنانها. فقد قيل أن هذه العقوبات ستغيّر من التصرفات الإيرانية، سواء في ما يتعلق بـ«دعم الإرهاب» من قبل الجمهورية الإسلامية، فضلاً عن «حساباتها» حول برنامجها النووي، أو عن طريق تحويل مشاعر الشعب الإيراني ضدّ حكومته.
وها هو الرئيس الأميركي باراك أوباما ينسج خيوط الرواية الكاملة كما يلي:
«وضعنا في هذا المكان نظاماً غير مسبوق للعقوبات التي قوّضت الاقتصاد الإيراني… وهذا يعود بالضبط إلى العقوبات الدولية وإلى التحالف الذي كنّا قادرين على بنائه دولياً، بحيث يستجيب الشعب الإيراني بالقول: نحتاج إلى مسار جديد للتوجه نحو التفاعل مع المجتمع الدولي وكيفية التعامل مع نظام العقوبات هذا… هذا تحديداً ما أوصل الرئيس روحاني إلى السلطة».
وهناك، بطبيعة الحال، أدلّة كافية على أن ما سبق ذكره صحيح تماماً.
لو أردنا إسقاط ما نقيسه على الصعيد الاقتصادي، فسنرى أن الأثر الصافي لفرض العقوبات على حشد الإيرانيين وراء الإنتاج المحلي والادّخار، يكمن في تطوير الانضباط والتركيز على السياسة الضرورية للحفاظ على البلاد إلى أجل غير مسمى.
إن تقريراً صادراً عن أبحاث الكونغرس CRS لعام 2013 يشرح النتيجة غير المقصودة للعقوبات:
«تشير الآراء والتأكيدات الإيرانية إلى أن إيران، ومن خلال الإجراءات التي اتخذتها الحكومة والقطاع الخاص، للتخفيف من الأثر الاقتصادي للعقوبات. ويرى البعض أن إيران قد تستفيد من العقوبات على المدى الطويل من خلال إجبارها على تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على عائدات النفط… وتعتمد الموازنة الإيرانية لعامَي 2013 و2014 على صادرات النفط أقلّ بكثير من اعتمادها على صادرات المعادن، الإسمنت، السماد، والسلع الزراعية والصناعية الأساسية الأخرى المتزايدة بشكل ملحوظ».
لم تنجح العقوبات على الصعيد السياسي أيضاً. فغالبية الإيرانيين لم يحمّلوا قيادتهم مسؤولية العقوبات وتبعاتها الاقتصادية عليهم، كما لم يسعوا إلى التقرّب من الغرب كوسيلة للخروج. إنما استمرّ قياديو الولايات المتحدة في خطاباتهم بالتركيز على أن الإيرانيين انتخبوا الرئيس روحاني في محاولة للوصول إلى مواقف معتدلة في السياسة الخارجية. لكن، ومن خلال قراءتنا مسحاً شاملاً أجرته مؤسسة «زغبي للبحوث واستطلاعات الرأي» في أعقاب الانتخابات الإيرانية، نجد أن النتائج تقلب هذا الافتراض رأساً على عقب:
يوافق 69 في المئة من الإيرانيين الذين شملهم الاستطلاع على أن «الحفاظ على حق تطوير البرنامج النووي يستحق الثمن الذي يدفع نتيجة العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية». ويرى فقط 5 في المئة من المشاركين في الاستطلاع، أن تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب يُفترض أن يكون من الأولويات.
إذاً، لا، لم تنجح العقوبات ولم تحقق أيّ هدف كانت تنشده.
لذا، فشل الغرب في «جرّ» الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات، ثم، ما كان الحافز وراء هذا الجهد المفاجئ والمتعدّد الأطراف للتوصل إلى اتفاقية عام 2015، وذلك بعد 36 سنة من فرض الولايات المتحدة العقوبات الأولى غير النووية ضدّ الجمهورية الإسلامية، وبعد تسع سنوات من العقوبات النووية التي صدرت للمرة الأولى عن مجلس الأمن في الأمم المتحدة؟
وينبغي أن نبقي في أذهاننا أن كلاً من الإيرانيين والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، قد قدّمت عروضاً لإنهاء هذه الأزمة النووية منذ عام 2003. إذاً، لمَ توقيع هذه الاتفاقية الآن؟ وهل من الممكن أن يتراجع الأميركيون بهذه البساطة، أم لا؟
وتحوّل العالم
يجب أن يكون مفهوماً أن الكثير من هذه الضجة التي أُثيرت، لا علاقة له بإيران طموحة أو ساعية إلى امتلاك برنامج أسلحة نووية. فالجمهورية الإسلامية لا تملك أسلحة نووية ولا هي تريد الإفصاح عمّا تريده. وقد اعترفت وكالة الاستخبارات الأميركية على مرّ السنين، أن إيران لم تقم حتى باتخاذ «قرار» متابعة التسليح، وكانت الوكالة قد ذكرت مراراً وتكراراً في 52 تقييماً دوريّاً، أن لا نيّة لـ«تحويل» المواد النووية إلى برنامج للأسلحة.
وباختصار، فإن كل هذا العناء الذي أُثير الآن وأكثر من أيّ وقت مضى، لاحتواء دولة نامية وعزلها وترويضها، دولة تملك تطلعات تهدف إلى تحدّي الهيمنة الإمبراطورية. ولن تكون إيران قادرة على تغيير قواعد اللعبة بمفردها. وسيبقى الحال كذلك، إلى أن تتحوّل اتجاهات اللعبة من تلقاء ذاتها.
في عام 2012، أخذت التشققات في الاقتصاد العالمي وهياكل القوى السياسية بالتحول دراماتيكياً. بدأنا نرى ظهور دول «البريكس»، وتحديداً روسيا والصين، كمحركَين مؤثرَين في الأحداث العالمية. وسواء كان هذا تحول في المتاجرة بالعملات التقليدية كالدولار واليورو إلى الروبية واليوان والروبل، أو ظهور المؤسسات الاقتصادية/الدفاع العالمية الجديدة التي بدأتها الدول الأعضاء في «البريكس»، بدأت القوى المتوسطة في العالم بإثبات ذاتها كقوى مشروعة في العالم على الساحة الدولية.
ولكن، حدث أن اصطدمت السلطة القديمة في الشرق الأوسط بالسلطة الجديدة بطريقة شرسة وعنيفة.
ففي تشرين الثاني 2011، أي عام انبثاق الانتفاضات العربية، أعلنت دول «البريكس» البيان الجماعي الأول لسياستها الخارجية، وحثّت على رفض التدخل الأجنبي في الشؤون السورية الداخلية. وبحلول عام 2012، بدأت الأمور تنجلي أكثر فأكثر في سورية التي أُثيرت أحداث حربها بشكل فاضح من قبل اللاعبين الخارجيين، بمن فيهم الدول الغربية الدائمة العضوية في مجلس الأمن، الولايات المتحدة، بريطانيا، وفرنسا وحلفائهم في المنطقة، أي السعودية، قطر وتركيا عضو حلف شمالي الأطلسي.
وبدا واضحاً أيضاً منذ عام 2012، أن «القاعدة» وغيرها من الجماعات الإسلامية الإرهابية، تمكّنت من الهيمنة على «المعارضة» داخل المسرح العسكري السوري، وعناصرها المدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها. وقد سمحت حسابات التفاضل والتكامل الأميركيين في هذه الحالة، وشجعت على انتشار المقاتلين المستعدين تماماً لإسقاط نظام الرئيس الأسد، متوقعين أنهم سيستطيعون في وقت لاحق من الزمن، إحكام سيطرة المتطرفين على البلاد.
لم يسقط الأسد، إنما رسّخ التطرّف المموّل والمسلّح والمدرّب من الولايات المتحدة أقدامه مرة أخرى في سورية.
غير أن هذا لم يمرّ مرور الكرام في واشنطن، التي لطالما كافحت في سبيل تقديم قضية متماسكة لاستراتيجياتها في سورية، فصعود «داعش»، وتدفق الآلاف من المجاهدين إلى المسرح السوري، غيّرا كثيراً في الحسابات الأميركية. بدأت الولايات المتحدة تعمل على الانتباه لرهاناتها. أي تحديداً عندما بدأت إيران تدخل في حسابات الخطة «ب» الأميركية.
تمّ التحضير للخطة «ب» منذ عام 2012، عندما شرع رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان بالاستعداد إلى تصعيد العنف في سورية، ما أدّى إلى ازدياد حدّة التشدّد الإسلامي في بلاد الشام أضعافاً مضاعفة.
وأثبت شهر تموز من السنة نفسها، وجود محادثات سرّية بين الولايات المتحدة وإيران في عُمان، كانت قد انطلقت ـ وفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية ـ من قبل وجود نمط من الإغراءات التي تقدّمها واشنطن لإغراء إيران بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. مع الأخذ بالاعتبار أن الأميركيين هم الذين بادروا إلى انتهاج هذا المسار، لا الإيرانيين المرهقين من ثقل العقوبات. والحقيقة أن كلّ هذا كان قد بدأ أثناء تولّي الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد السلطة في إيران، لا خَلَفه روحاني.
إيران أو تمثال نصفيّ
صرّح قائد «فيلق القدس» النخبوي في إيران قاسم سليماني قبل بضعة أشهر قائلاً: «لا أحد اليوم في مواجهة داعش سوى الجمهورية الإسلامية في إيران، وكذلك الشعوب التي تناصر إيران أو تلك المدعومة من إيران».
وإذا ما ألقينا نظرة على مجموعة القوات البرية التي جُمعت ضدّ المتطرّفين الإسلاميين من لبنان إلى العراق، فهي تتألف ـ في الغالب ـ من عناصر متحالفة مع الجمهورية الإسلامية، أو تتلقى السلاح منها، وأحياناً كثيرة تدريبات عسكرية مقدمة من قبل الإيرانيين في وقتٍ لا نرى قوات مقاتلة من الدول الغربية ولا من أي دولة عربية حليفة في المنطقة أو حتى من تركيا.
«الأحذية على الأرض أمرٌ ضروريّ للغاية في أيّ حرب غير متكافئة، لكن الجيش الأميركي يستمرّ في معارضة إدخال قواته في مواجهة قتالية مباشرة سواء في سورية أو في العراق».
هذا ما كتبه يكتب السفير السابق لبريطانيا في واشنطن، كريستوفر ماير في افتتاحية صحيفة «تلغراف» البريطانية الصادرة عشية الاتفاق النووي، ويضيف: «سواء أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا، نحن في تحالف ضدّ داعش فرض نفسه علينا مع الرئيس بشار الأسد ومع إيران، العدوّ اللدود لحليفنا السني في المنطقة المملكة العربية السعودية… وإذا ما نجح داعش في التمدّد أكثر في الشرق الأوسط، ألا يؤدي هذا إلى حتمية الاستنتاج، أن حليفنا الاستراتيجي في المنطقة في القرن الحادي والعشرين سيكون إيران؟».
هذا هو اللغز الذي بدأت واشنطن بمواجهته عام 2012. ولذلك، شرعت في اتباع استراتيجية تمكنها من حفظ ماء وجهها، وذلك عبر عقد «الصفقة» مباشرة مع إيران.
اتفاق فيينا
والآن، إليكم ما سيفعله الاتفاق النووي الإيراني: سيطرح جانباً جميع «الأمتعة» الإيرانية القديمة التي كانت موضوعة على طاولة الإدارة الأميركية، متيحاً الفرصة لأجواء أكثر حرية لتحقيق أهداف سياسية مشتركة أكثر إلحاحاً مع إيران.
وفي فيينا، فهم الإيرانيون جيداً، أنهم كانوا يعملون من منطلق إقليمي قوي، وأن الولايات المتحدة هي التي تحتاج إلى هذه الاتفاقية بشدّة. وقد دفع الأميركيون إيران مرات عدّة إلى توسيع رقعة مناقشاتها بهدف معالجة القضايا الإقليمية على مسارات متوازية، غير أن هذه المحاولات قد جوبهت بالرفض المطلق. وهم لم يكونوا مستعدّين أبداً للسماح للولايات المتحدة في الحصول على أيّ نفوذ في مختلف ساحات المعارك الإقليمية، لإضعاف موقع إيران وجرّها إلى محادثات أوسع نطاقاً.
وعلى رغم حرص الإيرانيين على الإشارة إلى أن مضمون اتفاق فيينا، جيدٌ كـ«نوايا» شركائها فيه، فإن هذه الصفقة هي في جوهرها مُرضية فقط لطهران فهي تضمن التحقق في عدم نيّة إيران أو سعيها لامتلاك برنامج للأسلحة النووية، وهذا يُعدّ ـ بحدّ ذاته ـ إنجازاً لبلد لا يسعى أصلاً إلى امتلاك مثل هذا البرنامج.
كما توفر هذه الاتفاقية لإيران حماية ضدّ «الإفراط في التفتيش»، فضلاً عن الاتهامات التي لا أساس لها، ورفض جميع قرارات مجلس الأمن الدولي ضدّ الجمهورية الإسلامية، وتقرّ حقها بتخصيب برنامجها، وتلزم الدول الأعضاء في مجلس الأمن بمن فيهم «إسرائيل» ، بهذا الاتفاق، وتضع موعداً ثابتاً لإنهاء هذه الملحمة النووية برمتها.
وتحرّر هذه الاتفاقية أيضاً إيران من موانع مواصلة تنفيذ خططها الإقليمية. وكنتُ قد قرأتُ في مطالعة حول اتفاق فيينا في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية ما يفيد أن الرئيس أوباما ومساعديه، لا يتطرقون في أحاديثهم هذه الأيام ـ خوفاً من مزيد من استعداء الكابيتول هيل الذي يعتبر إيران العدو النهائي للولايات المتحدة ـ إلى طموحاتهم التوصل إلى اتفاق يأملون من خلاله فتح صفحة جديدة من العلاقات مع إيران وجعلها جزءاً من التحولات التي يمرّ بها الشرق الأوسط.
وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد علّق بعد توقيع هذه الصفقة بالقول: «أدرك أن الشرق الأوسط المشتعل سيكون مكاناً أكثر سهولة لإدارته بعد عقد الاتفاق، وسيفتح احتمالات التعامل مع الحرائق المشتعلة، سواء مع الحوثيين في اليمن، أو داعش في سورية والعراق، مما لو لم تكن هذه الصفقة موجودة، واحتمال التعرّض لمواجهة أخرى مع إيران في المنطقة».
«إن الاتفاق النووي الإيراني كارثي بالنسبة إلى داعش»، تكتب فريديريكا موغيريني مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي. وتشرح قائلةً: «ينشر داعش إيديولوجيته المخيفة والمروّعة في الشرق الأوسط وخارجه… نحن بحاجة إلى إعادة تشغيل العمليات السياسية لإنهاء الحروب، وبحاجة إلى دعوة جميع القوى الإقليمية السياسية للعودة إلى طاولة المفاوضات ووقف المذبحة. إن التعاون مع إيران وجيرانها والمجتمع الدولي قد يفتح احتمالات إحلال أسس السلام في المنطقة، بدءاً من سورية، اليمن فالعراق».
ومن الواضح، أن إيران هي لاعب أساس بالنسبة إلى القادة الغربيين في أيّ معركة ضدّ «داعش» وغيره من الجماعات الإرهابية التكفيرية. ومن الواضح أيضاً، أنهم أدركوا أن أيّ استبعاد أو إقصاء لإيران في حلّ النزاعات الإقليمية المختلفة لن يكون أمراً جيداً.
لقد تحوّل ميزان القوى بشكل حاسم في الشرق الأوسط. تسعى واشنطن إلى الخروج من هذه الفوضى التي ساهمت في خلقها، وتدرك أنها لن تستطيع ذلك من دون مساعدة إيران. لذا، توصلت إلى توقيع اتفاق فيينا لتسهيل هذا الاحتمال. وفي الوقت عينه، لا تميل إيران إلى مكافأة الولايات المتحدة على سلوكها السيئ، بل ترغب في مقاومة الجهود الموصلة إلى تسويات سياسية إقليمية ذات معنى.
لم تكن إيران في موقع ضعيف في المفاوضات النهائية في فيينا، ولم تترك الطاولة منهكة أو مشلولة القوى.
ويؤكد رأيي هذا، كاتب العمود في «نيويورك تايمز» توماس فريدمان بالقول: «لقد أذهلني حقاً كيفية جلوس الإيرانيين إلى الطاولة، ومدّهم اليد الضعيفة ضدّ الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا في مقابلهم على الطاولة نفسها. وعندما يحين الوقت، أعتقد أنني سأكلّف قائد الثورة الإسلامية علي خامنئي بيع منزلي».
لقد خرجت إيران للتوّ من الفصل السابع للعقوبات المفروضة ضدّها من قبل مجلس الأمن عن طريق الدبلوماسية بدلاً من الحرب، وهي تركز الآن على مجموعة مهاراتها في فكّ عُقَد الشرق الأوسط ومشكلاته. وإذا ما رغب أحد في تحدّي الإمبراطورية في وقت قريب، فلن يكون أمامه سوى الحرص على الحصول على نسخة من قواعد اللعبة التي تمارسها إيران.
لا أحد يستطيع خوض غمار هذه اللعبة أفضل من إيران، ولن نعثر يوماً على لاعبٍ أكثر صبراً.