الخليج ما بعد القمة: ما أحلى الرجوع إليه!!!

محمـد ح. الحاج

غابت سورية الرسمية عن قمة الكويت، لكنها كانت الحاضر الأكبر بمقعدها الفارغ وعلمها المرفوع… سورية حضرت بقوة خبطة أقدام جيشها على كلّ الأرض السورية، بإنجازات هذا الجيش البطل وهو يقف صامداً، مدعوماً بشعبه على مدى سنوات ثلاث ليقول كلمته الفصل في وجه أكبر عدوان دولي عبر التاريخ وعلى كل الجبهات.


تركيا الرسمية كانت الغائب الأكبر باعتبارها كادت تصبح العضو الدائم عضو شرف يشارك في اجتماعات جامعة العربان، وربما حتى في القرارات إن اعتبرها البعض قرارات وهي لم تكن أكثر من كلمات على الورق فارغة من أي مضمون… القمم السابقة… قدمت أدلة لا يمكن لأحد التغطية عليها.

لا قرارات… كالنعامة

القمة التي لم تتوصل إلى قرارات واكتفت «بإعلان هزيل»، ربما نجحت في تجاهل حقيقة الخلافات الخليجية الأكثر تعقيداً وتأثيراً على منطقة خليج العربان، وكانت النعامة هي القدوة، دفن القادة رؤوسهم في رمال الخلافات والتفتوا إلى قضايا شكلية – هامشية، لم يشأ أي منهم مناقشة هزيمتهم النكراء ولا السياسات الرعناء التي انتهجوها تجاه سورية، ولا حتى مصر أو العراق ولبنان، إن لم نقل اليمن والسودان، أيضاً، القمم السابقة على هزالها عبر سنوات ثلاث أنتجت من التداعيات ما تكفل بهدم بنيان الدولة السودانية وتفتيتها، وإضعاف المواقف العربية تجاه القضية المركزية فلسطين – سمح للكيان الصهيوني أن «يستأسد» على أبناء فلسطين تحت ستارة من دخان النيران التي أشعلوها في الساحات، السورية، والمصرية، والفتن التي غرّروا بها شرائح واسعة من الشعوب العربية، مذهبياً، واستدرجوا للمشاركة بها فصائل فلسطينية لحرف بوصلتها، وتسعير نيرانهم في وجه الحليف الإيراني الذي يقف بصلابة إلى جانب الحق الفلسطيني وحقوق الدول العربية المقاومة المستهدفة عالمياً، خدمة للصهيو ماسونية لاستكمال المشروع الذي تمّ التخطيط له منذ أكثر من قرن ويحقق نجاحات تحت حمايتهم على أنهم حراس هذا المشروع.

ما تسرّب عن توجه كويتي، وبعض دول الخليج نحو تحقيق مصالحة عربية واستعادة سورية تحت ضغوط شعبية في تلك الدول، والإشارات الخجولة كرفع العلم السوري وعدم السماح لصبي آل سعود أن يتبوأ المقعد… وتحت الحاجة لفتح أبواب أغلقوها بأيديهم، وقف دونه موقف سعودي وآخر قطري، مع أنهما على خلاف تام في كلّ شيء عدا العداء التام للشعب السوري وحقه في أن يكون صاحب الكلمة، ومع أنّ بعض ما تسرّب عن محاولة قطرية للعودة إلى الشام قبل القمة وطلب السماح، إلا أنّ الموقف الحكومي السوري لم يكن متجاوباً، بل لم يقبل البحث في الأمر من منطلق أخذه بالاعتبار المزاج الشعبي السوري العام، وما ترسّخ في نفوس السوريين من أنّ جراحهم الدامية سببها الأساس قطر والسعودية وتركيا بشكل أساسي، حكومات هذه الدول لم تكتم مواقفها، ولم تتستّر على دعمها ومدّها الإرهاب بكلّ الإمكانيات والأدوات التي تتيح للعصابات الاستمرار في عمليات التخريب والقتل وإشغال الجيش السوري عن مهماته الأساسية في الوقوف بوجه العدوان الصهيوني على المقدسات وأنّ المرحلة الأخيرة من المشروع الصهيوني ستكون الأخطر.

نظرية المؤامرة والحقيقة الماثلة

إنّ نظرية المؤامرة المرفوضة على صعيد إعلام هؤلاء، والتي يسخر منها البعض هي حقيقة واقعة وماثلة، وأهمّ الأمثلة عليها هو الموقف التركي التمثيلي الخلاف بين حزب التنمية والعدالة بزعامة أردوغان وطاقمه من جانب، وقيادة الصهيونية من جانب آخر في عملية استدراج العرب إلى منحه ثقة ما كان ليحصل عليها بوجود علاقات وثيقة مع الكيان الصهيوني اقتصادياً وعسكرياً… مسرحية كانت عدة العمل التي توسّلها الثعلب العثماني باتفاق مع المحفل الذي يدين له بالولاء.

من المؤكد أنّ ارتفاع وتيرة الهجوم على أكثر من محور في الجنوب والشمال وبعض المواقع في الوسط تندرّج ضمن محاولات الردّ اليائس على انتصارات الجيش السوري وما حققه في القلمون والحصن وجزئياً في حلب، وقد قضى باعتراف أميركي على عشرات الآلاف من المرتزقة الأدوات، وهروب أكثر من ذلك، وبقاء كثيرين محاصرين في مواقعهم ليلاقوا المصير المحتوم تحت أقدام الجيش السوري، الهجوم الجديد عبر الحدود الشمالية تحت الحماية والدعم العسكري التركي والتدخل المباشر نفهمه حاجة تركية داخلية للعثماني المأزوم، الغارق في فضائحه، كما هو حاجة قطرية يتكفل شيوخ قطر بدفع ثمنها كما ورد على لسان مسؤول تركي في تسجيل تناقلته المواقع العالمية والتركية على وجه الخصوص، واعتُبر فضيحة لأردوغان اللاهث وراء انتخاباته، ربما تأمل قطر أن الضغوط الجديدة ستدفع بالحكومة السورية لتوجيه رسالة مفادها: أوقفوا دعمكم للعصابات الإرهابية وستعودون إلى سورية كما كنتم في الماضي… مثل هكذا رسالة سيطول انتظارها وقد لا تصدر أبداً… الشعب السوري اتخذ قراره بأن لا مكان لكل من تآمر عليه على الأرض السورية، وأن شعار المرحلة القادمة… معاملة بالمثل، وربما كوتا محدودة وليس حدود مفتوحة بوجه الأعراب.

بشائر النهاية

اليوم تصدر بشائر نهاية الإرهاب في القلمون… سيطرة للجيش وعودة الأمن إلى قرى رأس المعرة والمشرفة وفليطا… ما الذي بقي؟ وخلال أيام تبدأ عمليات جمع الجثث المتفسّخة من حراج جبال كسب ومحيطها وقد نهشتها الوحوش الجائعة، أما من تمكن من الانسحاب، أو سحبوه فسيكون مصدر تجارة رائجة بالأعضاء للعصابات التركية، الرسمية وغير الرسمية، الحصار مطبق، وأردوغان تحت المجهر لا يستطيع ولا حكومته حمايتهم من المصير المحتوم وقد تم توريطهم وتقطعت بهم السبل، فلا طريق للانسحاب ولا ممرات آمنه للخروج… لقد خبروا مثل هذا الحال في كلّ من يبرود والقصير من قبل، والحصن من بعد، سبيلان لا ثالث لهما، رفع الراية البيضاء والاستسلام إلى قوات الجيش السوري البطل ليحيلهم إلى العدالة، أو الموت حرقاً أو دهساً بنيرانه أو تحت سلاسل عرباته، ولا شك، نحن ندفع ثمن الحرية والسيادة، وهم يدفعون ثمن العدوان وشتان ما بين هذا وذاك.

الجامعة التي لم يبق لها من اسمها شيء، أصبحت بنظر السوريين، وحسب أقوال كثير من المحللين والكتاب في عالمنا العربي جثة هامدة، وكما يُقال في الأمثال: إكرام الميت.. دفنه، لهذا نرى أنّ على العربان إعلان موعد هذا الدفن، فجامعة دون سورية هي جسد بلا روح، أما الخيار الآخر فهو الدعوة إلى مؤتمر حقيقي شعاره: ما أحلى الرجوع إليه، لاستعادة روح الجامعة وإسقاط عضوية الشرف عن الأتراك والصهاينة ورفض الإملاءات الأميركية، ودون ذلك دحرجة رؤوس كثيرة تعتبر نفسها زعامات كبيرة وإن هم إلا أشباه رجال كما وصفهم الرئيس الشاب الدكتور بشار الأسد الذي عوّدنا أنه لا يجامل في الشأن المصيري وأنه لا يتنازل عن حق قومي مهما غلت التضحيات، وأنه يستمد قوته من شعبه الذي أثبت وعيه عبر تاريخ طويل يعود إلى ما قبل الزمن التاريخي الجلي، وإن هي إلا وقفة عز… فقط.

لن أعالج زيارة أوباما لمملكة آل سعود، وهو القادم لشدّ أزرهم هو الأكثر حاجة لمن يشدّ أزره، الأرجح أنّ زيارته تندرج في نقل مقرّرات المحفل الأعظم لإعادة ترتيب بيت العمالة الأكثر أهمية في المنطقة، عبد الله وسلمان وسعود وآخرين هياكل شاخت وانتهى دورها، وما المبادرة في الخروج على المألوف وتعيين ولياً لولي العهد مقرن إلا استباقاً لأي إجراء منتظر على هذا الصعيد، زيارة أوباما لن تغيّر في وضع المنطقة على الأرجح إلا أن تكون الولايات المتحدة على أبواب انعطافة مفاجئة في سياساتها الخارجية تجاه المنطقة وهو الأمر المستبعد تبعاً لاستقراء سياساتها الحالية تجاه روسيا وأوكرانيا، وضمّ شبه جزيرة القرم، وقد يكون لنا قراءة مختلفة في القريب بما تحمله الأيام الحبالى القادمة من تداعيات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى