دمشق تحْيي ذكرى رحيل الشاعر سليمان العيسى

شذى حمّود

أقام «المنتدى الثقافي العراقي» حفلاً تأبينياً للشاعر الكبير سليمان العيسى، لمناسبة الذكرى السنوية الثانية لرحيله. وأكد المشاركون في الحفل أنّ الشاعر كان قامة ثقافية شامخة، إذ كتب للإنسانية والوطنية والأطفال.

الدكتورة ملكة أبيض، رفيقة درب الراحل الكبير، قالت في كلمتها: إنها الذكرى السنوية الثانية لرحيل الشاعر سليمان العيسى. وهي كما كانت الذكرى الأولى، وكما ستكون الذكرى العاشرة، استعادة لذكريات متصلة اتصال الحياة نفسها. فسليمان العيسى معنا في كفاحه ضدّ الواقع بكلّ مكوّناته، بدءاً من التخلف والتمزّق الداخليين، ومروراً بالجشع والإجرام الخارجيين، وصولاً إلى تمسكه بحلم بناء وطن مستقل ومتقدّم.

وأضافت: لقد أقبل الشباب بشغف كبير على أشعار سليمان العيسى. فقد كانت تحمل لهم أفقاً فكرياً وفنياً غنياً، وفعلاً إنسانياً يتّسم بالوحي والشفافية واللغة الجياشة بالأمل. وكان الشاعر يحمل سحراً خاصاً وقدرة كبيرة على التسلل إلى قلوب الشباب واكتساب حبّهم وتقديرهم في آن. وكان صادقاً مع نفسه. مشيرة إلى أن العيسى كان مؤمناً برسالته القومية، يحبّ الآخرين ويحترمهم. كثير التواصل مع المبدعين الشباب، يستمع إليهم ويعطيهم ملاحظاته شفوياً أو كتابياً، ولا يزال بعضهم يحتفظ بقصاصات أرسلها العيسى إليهم عقب استماعه أو قراءته لهم.

بدوره، كتب معن العيسى قصيدة شعرية رثى فيها والده الراحل في الذكرى الثانية لرحيله، وألقتها نيابة عنه الدكتورة ملكة أبيض. وتقول القصيدة:

إنها حمامة السلام التي تحبّها وتحبّك

سنتان مرّتا

وهي تهيم في فضاءات السواد ومتاهات الحيرة

صادفت الكثيرين ممن يحبّونك ويحفظون أشعارك

وسألها عددٌ كبيرٌ عنك

هُم مثلها

لا يفهمون ولا يصدّقون ما تراه أعينهم

وما يحصل حولهم

يحاولون الربط بين كلماتك وأبياتك وأحلامك التي تربّوا عليها

وبين ما تحمله لهم قذائف الحقد وانفجارات البغض والكراهية

من ناحيتها، قالت الإعلامية إلهام سلطان في مداخلة عنوانها «نبض الوطن»: إن الراحل الشاعر سليمان العيسى وهب حياته منذ طفولته لحلم عربي، وكان يشعر أنه من دون هوية عربية لا شيء، لأنها حقيقته وجوهر حياته. وكان يحلم حتى لحظات حياته الأخيرة، بأن يعود ويتنفس هواء قريته «النعيرية»، ويجلس هناك عند ضفاف نهر العاصي في تلك البساتين الخضراء الرائعة. وكان يشعر دائماً أنه ابن حضارة عربية عمرها أكثر من عشرة آلاف سنة.

وأضافت سلطان: كتب لدمشق التي عشقها حتى اللحظات الأخيرة في حياته، وكتب لأطفالها ولكل العالم العربي، وكتب للجنوب الذي أذهل العالم بصموده. فهو شاعر الإنسانية والخالد في قلوبنا وعقولنا ودفاتر أطفالنا. كان لديه إيمان كبير بأن سورية ستنتصر.

وأشار الدكتور نزار بني المرجة إلى أهمية الشاعر كواحد من روّاد الأدب والفكر العربي وتأثير أدبه وشخصيته في استنهاض الحالة العروبية في لوائنا السليب من جديد، لا سيما في هذه الفترة، إذ تتعرّض سورية لعدوان كبير وواسع. إضافة إلى ذكريات الراحل العيسى في قريته «النعيرية» ومدى التجاوب الشعبي الكبير لأشعاره وقصائده. مبيّناً أنه كتب ديوانه الأول في القرية، وتحدث فيه عن هموم الفلاحين وبؤسهم.

أما الباحث غسان كلاس، فرأى أنه مهما قمنا بفعاليات أدبية وثقافية فهو قليل مقارنة بالعطاء العظيم الذي قدّمه الشاعر الراحل على مدى تسعة عقود من الزمن، استطاع أن يغني من خلالها، لا الساحة السورية فقط، إنما الساحة العربية أيضاً. ولا في مجال الشعر فقط، إنما في مجال التربية والتأليف والنثر الجميل الذي كان يجري عبر يراعه ومن خلال روحه الجميلة.

وأوضح أن سليمان العيسى هو شاعر العروبة والقومية والوطنية وشاعر الأطفال بامتياز. وكل هذه المعطيات كانت تخرج من خلال نفس صادقة ومنطلقة نحو المجد والعنفوان والعلا، إضافة إلى تميّز شعره بالصدق الحقيقي.

في حين أوضح الباحث محمد مروان مراد أن الشاعر سليمان العيسى لم يرحل، وهو ما زال حيّاً في قلوبنا وضمائرنا وذاكرتنا وكتبنا. مستشهداً بنصّ له عنوانه «حمامة على نافذتي»، يتحدّث من خلاله عن كل آلام الأمة وأوجاعها، وكأنما هي اختصار لمشاعره ولأعماله الأدبية سواء النثرية أو الشعرية أو المسرحية أو تلك التي كتبها للأطفال.

يذكر أن الشاعر سليمان العيسى من مواليد قرية «النعيرية» ـ أنطاكية في لواء اسكندرون عام 1921. وافته المنية في دمشق عن عمر 92 سنة، وذلك في 9 آب 2013. وكان من مؤسسي اتحاد الكتّاب العرب في سورية وعضواً في مجمع اللغة العربية في دمشق. كرّمه الرئيس بشار الأسد بمنحه وسام الاستحقاق السوري الممتاز عام 2005.

له العشرات من المؤلفات الشعرية للكبار والصغار، منها: «أراجيح تغنّي للأطفال»، «ديوان الأطفال»، «الأعمال الشعرية» من أربعة أجزاء، ومسرحيات شعرية منها: «ميسون وقصائد أخرى»، و«المستقبل»، وغيرها من الأعمال الشعرية. والمسرحيات منها «رمال عطشى»، و«أمواج بلا شاطئ»، و«رسائل مؤرقة». الشاعر الراحل كان يحسن الفرنسية والإنكليزية إلى جانب لغته العربية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى