التشكيليّ عصام المأمون: الطبيعة أصل التعبيريّة الفنيّة
محمد سمير طحّان
يرى التشكيليّ عصام المأمون أن الطبيعة هي مصدر التعبير، ومنها يستمدّ عناصر لوحته، خصوصاً مع تجربته الأخيرة التي يدخل فيها الحجر في تكوين عمله الفنيّ كعنصر أساس، بتقنية فنية تستمد خصوصيتها من تنافر السطوح ومحاكاة الكتل والألوان بعضها، بتناغم كبير ومميّز.
وعن هذه التجربة الفنية الجديدة يقول المأمون: إن حواري الدائم مع الطبيعة جعلني أرى في الأحجار وجوهاً بشرية بطريقة تعبيرية أوحت لي إمكانية توظيفها في لوحتي بقليل من التحويرات، لإعطاء لغة تعبيرية جميلة وخاصة تحقّق رؤيتي إلى العمل الفنيّ، لتجسد هذه التكوينات البشرية معنى الإنسان، رجلاً كان أم امرأة.
ويتابع: أعتمد أسلوبية تنحو باتجاه القليل من التجريد مع التعبيرية، بشيء من التحوير للشكل، لأعبّر من خلال ذلك عن حالة الانتقال بين مرحلتين للتكوين البشري في العمل الفني، والتي يرى فيها البعض مرحلة البرزخ بين حياتين. وفي الوقت ذاته تعيد الإنسان إلى أصله في الطبيعة. مشيراً إلى أن هذه الأسلوبية مع التقنية التي يعتمدها تتيح له معالجة مواضيع إنسانية متعدّدة و متداخلة.
المأمون الذي عمل طويلاً في مجال الديكور، يعود مؤخراً إلى اللوحة بحبّ وشغف جديدين. وعن هذا الاندفاع الكبير نحو اللوحة حالياً، يوضح أنّ أيّ فنان يمارس العمل الفنّي لعشرات السنين في أي مجال من مجالات الفنون، يملك القدرة على تقديم رؤيته الفنية عبر شتى المجالات، على رغم أنه وجد في الديكور عملاً فنياً إبداعياً يحقق المردود المادي الجيد، في وقتٍ لم تكن اللوحة تجني مردوداً مادياً يؤمّن احتياجات الفنان.
يجد الفنان المأمون في الديكور فنّاً يمكن عبره أن يقدّم حلولاً بصرية وفنية وجمالية، ويضع لمسته الخاصة في المكان الذي يعمل فيه عبر توظيف المواد مع بعضها بطريقة عملية وفنية، توائم بين حاجة الإنسان الذي يستخدم هذا المكان وبين رؤيته الفنية الخاصة كفنان متخصّص.
وعلى رغم اشتغاله في الديكور، فإن اللوحة رافقت الفنان المأمون في حياته كصديقة مخلصة. فعبرها كان يفرغ ما في داخله من إحساس، ويرسم اللوحة ويعيد الرسم فوقها لأنه لم يملك الرغبة سابقاً في إقامة معرض فرديّ، فكانت مشاركاته تقتصر على المعارض الجماعية على حدّ تعبيره.
ولا يجد المأمون في عدم امتلاكه العدد الكبير من اللوحات خلال تجربته الفنية تقليلاً لهذه التجربة. معتبراً أن أعمالاً فنية قليلة وجيدة أفضل بكثير من عشرات الأعمال المستنسخة والمكرّرة.
ويلفت المأمون إلى أنّ العمل حالياً في مجال الديكور قليل نسبياً نظراً إلى ظروف الأزمة التي نعيشها. وكون الديكور حالة كمالية تتنحى جانباً في وقت الأزمات لمصلحة أساسيات الحياة، مع وجود طموح لازدهاره في المستقبل القريب مع مرحلة إعادة الإعمار وتوفير فرص عمل للفنانين الشباب المتخصّصين في فنّ الديكور.
ويؤكد المأمون أنه لا يمكن عزل الديكور عن باقي المجالات الفنية الأخرى، كونه فرعاً من فنون العمارة والنحت. مشيراً إلى أن الفنان المميز في مجال الديكور هو القادر على توظيف الشكل الجميل في المكان المناسب والطريقة الصحيحة. موضحاً أن عمل الديكور يختلف عن اللوحة التي تعدّ عملاً فنّياً ذاتياً يعبّر عن الفنان ولا يخضع لأهواء المُشاهد. بينما الديكور عملية توفيق بين حاجة المستخدم وذوقه وبين القالب الجمالي ورؤية الفنان وطريقته في توظيف الأشياء فنّياً وبصرياً.
ويشير المأمون إلى أهمية تأسيس جيل مثقف فنّياً، وقادر على قراءة العمل التشكيليّ من خلال تفعيل دور الفن في المجتمع، لتوعية الأجيال حول أهمية الفنّ وتدعيمهم بثقافة فنية قوية عبر إقامة المتاحف وتعزيز دورها في الحياة الاجتماعية، وإيلاء أهمية للمناهج الفنية في المدارس والاستفادة من إمكانات خرّيجي كلّيات الفنون الجميلة لنشر المعرفة والثقافة الفنية، وإتاحة المجال أمام الأطفال لاكتشاف عالم الخطّ واللون. فكلّ طفل فنان بفطرته ولكنه بحاجة إلى تنمية.
وعن تيارات الحداثة الفنية يقول المأمون إن الحداثة مرحلة فكرية تأتي بعد مراحل تراكمية من تجربة الفنان، حتى يصل إلى النضوج الفكري والفني اللازم للتعاطي مع الحداثة بحسّ التجديد والتعبير عن الذات، بطريقة تواكب الزمن من خلال ما تراكم لديه من معارف وتجارب فنية، بعيداً عن العبثية والغرابة المجانية اللاواعية.
ويقول: لا خطر من الحداثة على التشكيل السوري إذا ما كانت تعبّر عن وعي فكريّ وثقافيّ وبصريّ وفنيّ. فهي لا تقبل الحلول الوسط، فإما أن يقدّم عبّرها الفنان عملاً إبداعياً جمالياً، أو عبثاً لا يملك مقوّمات العمل الفني، وخالياً من أي قيمة.
المأمون الذي يحضّر حالياً لمعرضه الفردي الأول بعدما وجد نفسه قادراً على التفرّغ للّوحة، يعبّر عن تفاؤله بمستقبل التشكيل السوري بكل فروعه. ويختم حديثه قائلاً: الإنسان السوري مميّز في كلّ المجالات، ولدينا فنانون موهوبون وقادرون على الارتقاء بالتشكيل السوري والنهوض به إلى أعلى المراتب العالمية.
التشكيلي عصام المأمون من مواليد دمشق عام 1964، خرّيج كلّية الفنون الجميلة في دمشق ـ قسم التصوير عام 1986، وعضو اتحاد التشكيليين السوريين. عمل في مجال الديكور إلى جانب مشاركاته المستمرة في المعارض الجماعية داخل سورية وخارجها.