مقصلة القرار الدوليّ 2235 حول سورية…!!
سومر صالح
حمى مبادرات سياسية لحلّ الأزمة السورية، هكذا وصفها الإعلام، ولعله تعبير أصاب مبتغاه عن غير قصد، فالحمى ليست مرضاً، بل مؤشر على وجود التهاب ما في الجسم، وهو حال التمدّد الإرهابي في دول الشرق الأوسط وخصوصاً سورية والعراق، هذا التمدد بدأ يستشري في الجسد الإقليمي برمّته، ويهدّد جغرافيات كانت تظن نفسها بعيدة عما صنعته أجهزة مخابراتها أو غضّت الطرف عن حقيقته، فبات الجميع يدرك خطورة بقاء تلك التنظيمات الإرهابية وعالمية انتشارها، وأصبح المطلوب القضاء عليها قبل وصولها إليهم، هذه الحقيقة دفعت بأطراف إقليمية وأخرى دولية لطرح رؤيتها الخاصة لحلّ الأزمة السورية، ومن جانب آخر شجع المناخ الايجابي الذي أنتجه اتفاق فيينا النووي المصدّق في الأمم المتحدة بعض الأطراف الإقليمية على طرح مبادرتها أيضاً، فمبدأ الحوار أولاً والتفاوض ثانياً هو من قاد إلى حلّ إشكالية البرنامج النووي الإيراني.
هذان العاملان المتقاطعان والمتزامنان هما من قادا إلى زحمة المبادرات السياسية لحلّ الأزمة السورية، بدءاً من مبادرة الرئيس بوتين لتشكيل تحالف إقليمي للحرب على الإرهاب إلى مبادرة دي ميستورا اليوتوبية بصيغتها «الأمن للجميع»، وصولاً إلى مبادرة إيران القاضية «بوقف إطلاق النار وإجراء إصلاحات دستورية وانتخابات رئاسية بإشراف دولي»، وطرح سعودي «شبه رسمي» عبر جريدة «الحياة» يمثل مزيجاً بين الشروط والحاجة إلى التقارب مع سورية، لكنه يمثل أيضاً بداية استدارة كبرى في الموقف الخليجي، جسّدته دعوة سلطنة عُمان لوزير الخارجية السوري لزيارتها، ومن المؤكد أنّ قناة الاتصال العُمانية أوصلت رسائل محدّدة إلى القيادة السورية من المجتمعين في الدوحة بتاريخ 4/8/2015، الأمر الذي يمكن اعتباره خرقاً كبيراً وتحوّلاً استراتيجياً في التعاطي الخليجي مع الأزمة السورية، ومع هذا المسار المتسارع لمجريات الأمور في الشرق الأوسط وما رافقه من تهديدات تركية لإقامة منطقة حظر جوي أو منطقة آمنة للمسلحين على الحدود الشمالية السورية، وخروقات «إسرائيلية» استفزازية في الجنوب السوري فتح الباب على مصراعيه أمام جميع الاحتمالات الممكنة في الشرق الأوسط، الحلّ من جهة واندلاع حرب إقليمية واسعة من جهة أخرى في حال فشل المسعى الديبلوماسي لحلّ الأزمة السورية الناتج عن عدوان عسكري على الأراضي السورية، وخصوصاً في جبهة الشمال المشتعلة.
هنا أضحى الشرق الأوسط أكثر قلقاً وأقلّ أماناً رغم مناخات الحلول وزحمة المبادرات الإقليمية، بقراءة أولية لجملة المبادرات المطروحة لحلّ الأزمة السورية يمكن الاستنتاج أنّ تلك المبادرات أغفلت عاملين رئيسين في حلّ الأزمة السورية، أولها أولوية مكافحة الإرهاب باعتباره مقدّمة لحلّ الأزمة السورية وليس نتيجة لحصول التسويات السياسية، الأمر الثاني وهو أنّ تلك المبادرات في طرحها لمفرادات الحلّ لم تلحظ مركزية الأزمة السورية في الصراع الدائر على شكل النسق الدولي بين القوتين الروسية والأميركية، خصوصاً أنّ الأزمة السورية اتخذت طابعاً جيوبولتيكاً ابتداء من منتصف العام 2013، وتجسّد ذلك بالحلّ الوسط في أزمة الكيميائي السوري وصدور القرار 2118، وتجاهل تلك المبادرات لتفاهمات سوتشي في 13/5/2015 واجتماعات كوالالمبور ولقاء الدوحة بين وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة…
هنا سنقدّم مقاربة لما حدث قد تساهم جزئياً في بلورة الصورة حول ما حصل، بداية المبادرات الإقليمية وأخصّ منها السعودية والإيرانية أتت في إطار الفعل وردّ الفعل، فالمبادرة السعودية إن صحّت تسميتها «مبادرة» وهي رؤية أكثر منها مبادرة، أظهرت رغبة في حلّ الأزمة السورية ولكن على مقاس المملكة وليس في إطار الحلّ العقلاني المتوازن، وأتت على خلفية التهديد الإرهابي الجدّي الذي يهدّد أمن المملكة والذي عرضه الروس عليهم في اجتماع ولي ولي العهد مع الرئيس بوتين في سان بطرسبورغ بتاريخ 18/6/2015، هذه المبادرة السعودية كان لها أجوبة محدّدة في خطاب الرئيس بشار الأسد بتاريخ 26/7/2015، ولا سيما في ما يخصّ العلاقة مع «الشقيقة» إيران على حدّ تعبير الرئيس الأسد، والتي لم تتواجد عسكرياً على الأرض السورية، والعلاقة مع حزب الله حيث الترابط العضوي، هنا كانت المبادرة الإيرانية وأهمّيتها، فهي من جهة أتت لتعزيز مناخات الحلّ السياسي في سورية باعتبارها أيّ إيران كانت حاضرة في الشروط السعودية للحلّ، وبالتالي ردّت الكرة إلى الملعب السعودي مجدداً، ومن جهة أخرى شكلت رداً ديبلوماسياً على إخراجها من التحالف الإقليمي لمحاربة «داعش» وفق المبادرة الروسية بتاريخ 29/6/2015، وبالتالي مثلت ردّ فعل على مبادرتين هما السعودية والروسية. ثانياً على ما يبدو أنّ السعودية طرحت رؤيتها للحلّ في غياب التنسيق المباشر مع الولايات المتحدة والتي اتخذت سياساتها منحى أكثر تصعيداً في الأزمة السورية، أقله إعلاميّاً، بالتهديد بضرب متدرّبيها من الميليشيات السورية، وخصوصاً بعد حصول مؤشرات واضحة على التقارب الروسي السعودي، الأمر الذي يقلق واشنطن في أعقاب توقيع الاتفاق النووي الذي لم يرض حكام السعودية، ثالثاً وهو الأهمّ أنّ حصول تفاهمات إقليمية كبرى لا تراعي المصالح الدولية ستضع تلك القوى الدولية في مواجهة حلفائها الإقليميين، هنا كان القرار المزدوج الروسي الأميركي بالتوافق على صدور القرار 2235، والذي أشار بوضوح إلى محاسبة منفذي الهجمات بالأسلحة الكيميائية، وخصوصاً غاز الكلور…
هذا حدث بالغ الأهمية في الأزمة السورية ومبادرات حلها في آن معاً، لأنه أولاً: سيعيد التوازن المفقود في المبادرات الإقليمية، من جانبيين: الجانب الأول لا أحد يجرؤ على الخروج من عباءة التفاهم الأميركي الروسي في المحتوى والزمان، بمعنى أنّ التسويات الكبرى تسير بشكل متواز على امتداد ساحات الاشتباك الروسية الأميركية، خصوصاً الأزمتين السورية والأوكرانية، أيّ أنّ التفاهم الروسي الأميركي هو من يضبط إيقاع الحلّ في الأزمة السورية، الجانب الثاني، لا أحد يجرؤ على التعطيل بمعنى اتخاذ خطوات منفردة في الأزمة السورية، وهنا إشارة واضحة إلى رئيس تركيا ومشروعه العدواني بإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري، الأمر الذي ستترتب عليه تداعيات إقليمية لها نقطة بداية ومجهول نهايتها، طبعاً الكلّ يتذكر هجوم خان العسل الإرهابي بالسلاح الكيميائي «غاز الكلور» بتاريخ 19/3/2013، وتورّط عصابات أردوغان في الشمال السوري بتنفيذه عمداً ضدّ تجمعات الجيش السوري والمدنيين هناك…
ثانياً، يشكل القرار 2235 بشأن هجمات الكلور في سورية، مع القرار 2170 القاضي بتحديد تنظيمات «داعش والنصرة» وملحقاتها وداعميها منظمات إرهابية… والقرار 2178 الذي يمنع ويحظر تسهيل عبور الإرهاب وتدفق المقاتلين إلى ساحات القتال عبر ضبط الحدود… والقرار 2118 حول حظر استخدام الأسلحة الكيميائية… قواعد أساسية للحلّ في الأزمة السورية لا يمكن تجاهلها، هذه القرارات لم تأت صدفة أو بالمجان، بل ترتب على كلّ قرار فيها جملة من التفاهمات والالتزامات الروسية الأميركية… ولكن أهمية القرار 2235 أنه يضع كلّ من يخالف القرارات السابقة تلك باعتبارها قواعد الحلّ للأزمة السورية على مقصلة محكمة الجنايات الدولية وتجارب لجان الخبراء ومفتشي الأمم المتحدة وتسييس تقاريرها لا تبقي للشك مكان…
إذاً هو إنذار روسي أميركي للقوى الإقليمية الفاعلة بالأزمة السورية لضبط عقارب التفاهمات الإقليمية بما يخصّ الأزمة السورية على توقيت نيويورك حيث مقر الأمم المتحدة ومطبخ الحلول لموائد التفاهمات والتسويات للملفات الأزموية ذات الطابع الجيوبوليتكي، حيث لا مكان للأحقاد والأهواء والمشاكسات، بل المصالح وحدود القوة هي من تحدّد طبيعة الحلّ، دون أن يعني ذلك عدم وجود رغبة روسية أميركية في حلّ الأزمة السورية، بل على العكس أصبح «الحلّ ضرورة»، واضحى تفاهماً مشتركاً، ولكن على الجميع السير ضمن الطريق الذي يشقه ذلك التفاهم والقرارات الدولية ذات الصلة تمثل شاخصات لمن يريد أن يبقى على المسار المحدّد دولياً.