أردوغان يحرق تركيا من أجل عودة حزبه إلى الحكم
د. هدى رزق
سادت التفجيرات الأمنية في العاصمة اسطنبول وفي ولاية شرناق، في وقت تبدو صورة الانتخابات معقدة بفضل سعي حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية إلى انتخابات مبكرة. فأولوية أردوغان تكمن في عدم خسارة موقعه في السلطة فهو جهد 13 سنة من أجل الحفاظ عليها وهو يعلم أن أي ائتلاف مع أي حزب يعني تقاسم هذه السلطة. لذلك يريد الذهاب إلى انتخابات مبكرة على أمل أن يكسب حزبه في هذه الانتخابات ويستمر هو في إمساك السلطة، مع أن المعلومات تؤكد أن نتائج الاستطلاعات التي تمت بناء على رغبته، أفادت أن حزب الشعوب الديمقراطي سيتخطى سقف الـ10 في المئة، وحزبه أي العدالة والتنمية لن يستطيع الحصول على 276 مقعداً في البرلمان.
تأتي هذه التفجيرات بعد يوم واحد من التظاهرات في اسطنبول التي قامت بها منظمات المجتمع المدني الأحد الفائت برعاية كل من حزبي الشعوب الديمقراطي والشعب الجمهوري. مطالبَين الحكومة بالعودة إلى مسار السلام مع حزب العمال الكردستاني، ودرء خطر الموت والتفرقة عن الشعب التركي.
عوضاً عن قبول هذه الحقائق يذهب أردوغان إلى الأمام في حربه ضد العمال الكردستاني لكسب أصوات القوميين الأتراك. لذلك لا يُتوقع على رغم كل النداءات أن يوقف الحرب، وفي ظل هذه الظروف أكد رئيس حزب الحركة القومية أنه إذا فاز في الانتخابات المبكرة سيصوّت لداود اوغلو في رئاسة الوزراء ليؤكد دعمه لسياسة الحكومة. هذه المؤشرات تؤكد أن العودة إلى انتخابات مبكرة باتت أمراً محسوماً.
في ظل هذه الأوضاع التي افتعلها أردوغان والتي بدأت إرهاصاتها قبل تفجير «سوروش»، أي عندما صرح بأنه لا توجد مسألة كردية في إشارة إلى محادثات السلام مع أوجلان وعدم اعترافه باتفاق دولمابهشي سعى إلى تحضير الانقلاب على الأكراد. ما يطرح تساؤلات حول جدية إعلانه الانضمام إلى مقاتلة «داعش» والسماح للأميركيين بفتح قاعدة انجرليك. في هذا الوقت تهاجم الصحف الإسلامية المقربة من حزب العدالة والتنمية حزب العمال الكردستاني وتحرّض عليه. و«تحذر من ضرب جبهة النصرة» التي تنسحب من الحدود خدمة لتركيا وتترك مكانها للجيش الحر المدرب من قبل الأميركيين، وتطلب هذه الصحف من الحكومة عدم استفزاز النصرة التي أفتت شرعاً بوجوب عدم الانضمام إلى «داعش»، وذلك بتنسيق مع الاستخبارات التركية، على رغم وضعها على لائحة الإرهاب، تدعو هذه الصحف إلى تشجيع الهجمات على حزب الشعوب الديمقراطي، تبدو النصرة بنظر هذا الإعلام المقرب من الحكومة أقل خطر على تركيا.
تقف الحكومة التركية اليوم موقفاً سلبياً على رغم دعوات التهدئة وترفض جميع الدعوات لوقف إطلاق النار وإجراء أي حوار مع حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان، فهي باتت تعتبره فاقداً للشرعية الديمقراطية، وبغضّ النظر عن نداء أردوغان لاتخاذ إجراءات قضائية بحق هذا الحزب، تقوم السلطات باحتجاز عدد من أعضائه وتتهمهم بالعلاقة مع حزب العمال الكردستاني.
لا شك في أن الموضوع الأساسي للانتخابات المبكرة سيكون الحرب على «إرهاب حزب العمال الكردستاني» وليس الحرب على داعش، إذ يعلم الجميع أن ذنب حزب الشعوب الديمقراطي أنه انتصر في الانتخابات البرلمانية وأسقط مشروع اردوغان الرئاسي ديمقراطياً. لذلك لن يأتلف الرئيس وحكومته مع أي من الأحزاب بل سيسعى مجدداً إلى تغيير النظام البرلماني إلى رئاسي.
يرى المحللون الغربيون أن المعركة مع حزب العمال الكردستاني غير مناسبة، ويعتقدون أن أنقرة تخلط بين داعش وحزب العمال الكردستاني وهي حرب مصطنعة. اما الحكومات الغربية فهي في حيرة من هذا التحرك التكتيكي الخطير ضد حزب العمال الكردستاني، وقد حثت تركيا للحفاظ على عملية السلام مع الأكراد.
تضع هذه الحرب تركيا في مأزق وتضرب التماسك الاجتماعي الذي ساد الفترة الماضية وتقضي على الازدهار الاقتصادي، أما الصدقية الدولية فهي في خطر كبير. إذ يلعب أردوغان لعبة خطيرة، إذ هو يغطي «داعش» في وقت يدعي استعداده لمقاتلتها.