أردوغان أدخل تركيا في الحريق
رضا حرب
في مقال سابق بعنوان «تركيا – تقييم لمرحلة ما بعد الانتخابات» قلت في خاتمة المقال «في كلّ الحالات، سيكون صيف تركيا ساخناً، وعلى الأرجح غير قابل للاحتواء». المؤشرات اليوم أقوى وأكثر وضوحاً.
تلقى أردوغان على رأسه ضربتين متتاليتين من الصعب تحديد أيهما اقوى، لكن من المؤكد انهما افقدتاه صوابه إلى درجة ان حزبه بدأ يروّج لفكرة عقيمة تقول انّ الحزب تعمّد الهزيمة في الانتخابات لإنجاح العملية الديمقراطية. الضربة الاولى على الجبهة الداخلية والثانية على الجبهة السورية والثالثة على الطريق.
في الانتخابات الماضية انخفضت نسبة المقترعين لحزب العدالة والتنمية من 49 في المئة الى 40 في المئة، اي ان الحزب خسر حوالي 9 في المئة من نسبة الاصوات، ذهب معظمها لصالح حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ونسبة أقلّ لصالح حزب الحركة القومية، فبات هذا الحزب الجديد العدو الاول لأردوغان.
خسر حزب العدالة والتنمية 69 مقعداً اي انه خسر الاكثرية التي تؤهله تأليف حكومة بلون واحد، وبما انّ الحزب الكردي يتحمّل مسؤولية هزيمة اردوغان، لن يمرّ هذا الامر بلا انتقام. التفجير الذي استهدف تجمعاً في منطقة «سروج/سوروتش» اثار مجموعة من التساؤلات حول علاقة المخابرات التركية، ولا سيما انّ الطيران التركي قام بقصف وحدات الحماية الكردية في شمال سورية رداً على الهجوم مع انّ تنظيم «داعش» اعلن مسؤوليته عنه.
توزيع الاصوات في الصورتين يبيّن بشكل واضح انّ الاكراد وراء هزيمة أردوغان.
تلقى أردوغان الضربة الثانية على الجبهة السورية، حيث أنّ سيطرة قوات الحماية الكردية على معظم الشريط الحدودي مع تركيا لا تقطع خطوط الإمداد عن تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» فقط، بل تضع «عاصمة دولة البغدادي» الرقة في دائرة الخطر أيضاً. كما انّ تقدم الجيش السوري ومعه رجال حزب الله ومقاتلو الحزب السوري القومي الاجتماعي وقوات الدفاع الشعبي على أكثر من جبهة، في الشرق والجنوب والوسط وبطء في الشمال، يعزز من إمكانية تراجع السعودية وقد بات الحريق الكبير يطرق أبوابها.
الضربة الثالثة آتية من العراق، لا محال. تقدّم القوات العراقية مدعومة بالحشد الشعبي والعشائر في الأنبار حتى الحدود السورية، ومن ثم التوجه شمالاً باتجاه نينوى لقطع الاتصال بين الموصل والرقة، وبالتالي يسقط الحلم التركي بضمّ الموصل، هذا الحلم عمره من عمر الانتداب.
استراتيجية أردوغان في التعاطي مع المتغيّرات على مستوى توزيع القواعد الشعبية التي شهدناها في الانتخابات الاخيرة هي بطبيعة الحال انعكاس للروح الانتقامية التي تتحكم بأردوغان وحزبه، ومن هذا المنطلق جاءت الحملة على الاكراد رداً على عجز اوغلو عن إقامة تحالف مع اي من الأحزاب الأخرى لتأليف حكومة جديدة، وبالتالي من الطبيعي ان يعلن أردوغان عن انتخابات مبكرة يقطع الطريق أمام احزاب المعارضة الثلاثة تأليف حكومة.
لذا، من المرجح ان يلعب أردوغان بورقته الأخيرة، وهي توجيه الاتهام إلى حزب الشعوب الديمقراطية بأنه الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني، وانه حزب انفصالي يهدّد وحدة الاراضي التركية والأمن القومي التركي، ومن المؤكد انّ اردوغان لن يجد صعوبة في الحصول على قرار قضائي بحلّ الحزب.
يعيش أردوغان أزمة سقوط الحلم التركي الكبير، وهذا سيرفع من منسوب الحالة الانتقامية، فالآتي أعظم، وكلّ الطرق تؤدّي الى الحريق التركي الكبير، ونيرون ليس الأخير في التاريخ.
المركز الدولي للدراسات الأمنية والجيوسياسية