الجهادية الأوروبية: السياسي يطغى على الأمني
عامر نعيم الياس
منذ أشهر وملف الجهاديين الأوروبيين يحتلّ صدارة اهتمامات الصحافة الغربية في ما يخص الملف السوري تحديداً، ويعد من أبرز الملفات الثابتة الحاضرة دوماً في سياق الخبر السوري في عيون القارئ والنخب الأوروبية على حد سواء، وقد فرضت التطورات الأخيرة المتلاحقة نفسها على مجمل الحراك الأوروبي الأمني والسياسي في ما يخص الشبكات الجهادية، في ضوء فشل واضح في معالجة هذا الملف سواء على مستوى القمة الأوروبية أو سواء على صعيد الاجتماعات الأمنية والسياسية لوزراء خارجية وداخلية وعدل الدول الأوروبية مع بعض من دول العالم والدول الإقليمية المعنية بالأزمة السورية.
اليوم وبالتوازي مع قمة الدول السبع الصناعية الكبرى والتي أعلن فيها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند «مقتل أكثر من ثلاثين فرنسياً في سورية»، من دون تحديد الزمان والكيفية، يعقد في لوكسمبورغ اجتماع لوزراء داخلية سبع دول أوروبية هي: فرنسا وبلجيكا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا والدنمارك وهولندا. وذلك لبحث ملف مسلمي القارة المنضوين تحت راية التنظيمات القاعدية في سورية، وذلك في ضوء تطور بارز يؤرخ بشكل محسوس لوضع أفكار الجهاديين الأوروبيين الآتين من سورية موضع التنفيذ، إنه مهدي نموش الفرنسي البالغ من العمر 29 سنة والذي عاد من سورية نهاية عام 2013، «يعتقد أنه قاتل في صفوف داعش» بحسب لوموند الفرنسية، والذي ذهب إلى بلجيكا وقتل أربعة أشخاص قرب «متحف يهودي» في بروكسيل. وبحسب مصدر دبلوماسي بريطاني فإن محادثات وزراء الداخلية الأوروبيين من شأنها أن «تساعد في عرض الخبرات والموارد، والنظر في إمكان التعاون مع الدول الحدودية لسورية، ومراقبة تمويل الإرهاب»، إجراءات تطرح بدورها تساؤلاً حول جدواها ومدى نجاعتها في ضوء الفشل الاستخباري والقانوني الأوروبي والدولي في ضبط شبكات تجنيد الجهاديين الأجانب إلى سورية، خصوصاً أن التقارير الأمنية الرسمية الأوروبية كافة تؤشر إلى ازدياد عدد الإرهابيين الأوروبيين الملتحقين بركب «الجهاد» في سورية، فهل يضغط الأمني على السياسي أم أن القرار لا يزال بيد الأخير عند الأطراف كلها؟
أحدث النتائج المباشرة للانتخابات الرئاسية السورية التي قطعت الطريق على الفراغ وحكم السفارات والميليشيات، كانت تجديد روح الشرعية السياسة الممنوحة للدولة السورية بشكلها الحالي، تجديد يفرض على الجميع قواعد لعبة جديدة لخصها وزير الخارجية السوري وليد المعلم في رده على سؤال لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، أثناء تصويته في الانتخابات، حول إمكان التعاون الأمني بين دمشق وباريس، فأجاب: «لا يمكن أن يكون هناك تعاون أمني ضد الجهاديين من دون تعاون سياسي. الحكومة الفرنسية عدونا الأول، وعندما تتوقف عن تقديم الدعم السياسي والمالي والتسليحي للمجموعات الإرهابية، وتقدم الدعم للشرعية السورية التي ستفرزها الانتخابات الرئاسية، عندئذٍ تفتح الأبواب من جديد». في المقابل وعلى المقلب الآخر يسود الارتباك في المواقف والاستنتاجات صورة المشهد الأوروبي وحتى الدولي الخاص بالجهاديين، «لوفيغارو» الفرنسية كانت قد نقلت منذ شهرين عن مصادر دبلوماسية تأكيدها «إجراء اتصالات أمنية وإرسال مبعوثين إلى دمشق، وقد اعترفت إسبانيا بذلك»، ويوم أمس تنقل عن مصادر دبلوماسية في الشرق الأوسط أنه وفي «إطار إعادة تقييم الوضع، وحتى قبل الانتخابات الرئاسية، فإن دولاً أوروبية عدة تحاول إعادة الاتصال مع دمشق»، معلومات تجد صداها في تصريحات رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس الذي قال «فرنسا لم تواجه أبداً مثل هذا التحدي الجهادي، وربما هو التهديد الأكثر أهمية»، لكن المواقف الرسمية والفورية الصادرة حول الانتخابات من جانب دول الاتحاد الأوروبي والبيت الأبيض ومجموعة الدول السبع الصناعية، إضافةً إلى الفشل المزدوج للاستخبارات الفرنسية في قضيتي مهدي نموش وسعاد مراح شقيقة محمد مراح المتهم بالهجمات الدموية في تولوز عام 2012، هذه الأمور تكشف عن عدم توافر الغطاء السياسي اللازم لتحرك أكثر فعالية على المستويات كافة لتطويق ظاهرة الجهاديين، فتركيا لا تزال المعبر الأساسي للجهادين الآتين من أوروبا إلى سورية والعائدين بالاتجاه المعاكس، وحجة عدم القدرة على ضبط الحدود تبدو حاضرة في ثنايا الرفض التركي للنداءات الأوروبية بالتعاون. والولايات المتحدة لا يزال رئيسها في طور البحث عن «طرف ثالث بديل من نظام الأسد والجهاديين المتطرفين». أما أوروبا فإنها تستمر في مفاجأة نفسها أولاً بإحصاءات حول «جهاديي حريتها» في سورية، وهنا تقول «لوموند» في تقرير بعنوان «بروكسيل عاصمة الجهادية الأوروبية» إن بلجيكا واحدة من أكثر الدول الأوروبية التي تجتاحها الظاهرة الجهادية، كما أن نسبة تجنيد الجهاديين فيها هي الأعلى في الاتحاد الأوروبي «27 لكل مليون نسمة و15 في الدنمارك و9 في هولندا و6 في فرنسا».
قواعد لعبة جديدة ترسيها الانتخابات الرئاسية في سورية فالسياسي قبل الأمني، قاعدة يحاول الأميركيون والأوروبيون الالتفاف عليها، لكن المبادرة لم تعد بأيديهم.
كاتب سوري