الجبير ينقلب على تفاهمات بن سلمان في موسكو… ولافروف يردّ «نحن مختلفون» سجال علني أميركي تركي حول المنطقة العازلة: أنقرة تؤكد وواشنطن تنفي

كتب المحرر السياسي:

تقاسمت موسكو وواشنطن مهمة الترويض، فمن جهة هناك الإبل السعودية المشهورة بعادة سلوكية يصفها الخبراء بـ«الحرن» وهو امتناع الإبل عن التحرك والطعام ورفض كلّ ما يعرض عليها، فتولت موسكو مهمة ترويضها، بينما من جهة مقابلة تولت واشنطن ترويض الحمار الوحشي التركي الذي شكل طوال سنوات السلطنة العثمانية الهدية المميّزة التي يرسلها السلطان إلى الملوك وقادة الجيوش لتزيّن مزارعهم وحدائقهم، واتخذت لها الآستانة من قبرص مزرعة للتكاثر، حتى ورثت الجزيرة شهرتها، وما تتصف به الحمير الوحشية التركية عدا عن لون جلدتها المخطط الذي يسبّب زوغان النظر، هو طبعها المتعالي بحيث يبقى أنفها المفتوح سبباً بتنفسها للطعام بدلاً من تناوله بفتح الفم، ويتولى المروّض إجبارها على تناول الطعام بفتح فمها عنوة كي لا تنفق عندما تمتلئ رئتاها بالغبار.

تولت واشنطن ترويض التركي المخطط بالألوان وأنفه المفتوح، وعجزه عن تناول المفيد من الطعام، واضطرت للدخول في سجال بين وزارتي الخارجية الأميركية والتركية، للقول إن لا وجود لشيء اسمه المنطقة العازلة، بعدما بالغ وكيل وزارة الخارجية التركية وصرّح أنّ التفاهم أنجز أخيراً مع واشنطن على قيام منطقة عازلة شمال سورية.

مثلها كانت السعودية تحرن في موسكو، ويخرج وزير خارجيتها مصدّقاً ما قاله مصدره الرسمي من انه نجح في تعرية القيادة السورية أمام موسكو، وقد حان وقت القطاف ليربح الجولة، والخروج من موسكو رافعاً شارة النصر لإعلان أنّ روسيا تخلت عن حليفها الرئيس السوري بشار الأسد، فقد صدّق الوزير السعودي ما يرسله للنشر يومياً من تسريبات للصحف والقنوات التي تموّلها خزينته، من أنّ هناك تغييراً في الموقف الروسي، ومن أنّ ولي ولي عهد ملكه قد التقى بالمسؤول الأمني الأول في سورية لمحاججة يتوهّم أنه يربح فيها بالنقاط أمام الحكم الروسي، فتحدث معجزة غير مسبوقة في السياسة الدولية منذ أيام أباطرة الصين، أن تحسم الصراعات الكبرى بلعبة نرد أو مباراة شطرنج أو رهان في سباق ماعز.

انقلاب الجبير على تفاهمات ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التي تمّت مع الرئيس بوتين وتضمّنت التحضير لترجمة الانخراط مع سورية ورئيسها في حوار مصالح تمهيداً للتعاون، قوبلت بردّ روسي صارم أثار جنون الإعلام السعودي ضدّ روسيا والجبير لم يغادر موسكو بعد.

الحرن والتعالي مستمران والترويض مسار لا يتوقف، لكن تبدو جولات التصعيد الميدانية في كلّ جبهات الاشتباك نتيجة طبيعية متوقعة لهذا الانسداد، بعدما ترجم «الإسرائيليون» تهديدهم للسعودية بسلخ جبهة جنوب سورية من تحت سيطرتهم فقاموا بإشعالها على محاور درعا خلال وجود رجلهم السعودي عادل الجبير في موسكو، بينما كان الأتراك يصعّدون في جبهة الغاب ومحاور الشمال ويتلقون استعداداً «إسرائيلياً» للتعاون.

في لبنان، تتزامن الرسائل الساخنة تحت سقف الحفاظ على المناخات الأمنية الهادئة، ومن دون المساس بالخطوط الحمر المتفق عليها، فيبدأ اليوم التيار الوطني الحرّ تسيير تظاهرات في عدة مناطق استباقاً لجلسة الحكومة غداً، فيما تحدثت مصادر متابعة عن انعقاد لقاء ضمّ وزيري المال والخارجية علي حسن خليل وجبران باسيل ولقاء ثان سيتمّ اليوم، لترطيب المناخات بعد السجالات والتمهيد لفتح الدورة الاستثنائية التي يُفترض أن يبصر مرسوم فتحها النور قريباً ويكون اقتراح قانون رفع سن تقاعد الضباط على جدول أعمالها.

لا تغيير في الملف الرئاسي بعد انتهاء جولة ظريف

حرص وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، على أن يكون لبنان في أجندة جولته الخارجية، على رغم ازدحام المواعيد في مفكرته. ووصل ظريف أمس إلى بيروت في زيارة ستعكس الحضور الإيراني الكبير في لبنان نتيجة المتغيّرات الدولية، واستهلّ زيارته من السراي الكبيرة بلقاء رئيس الحكومة تمام سلام، وأكد «أنّ على الجميع أن يعترف أنّ لبنان هو نموذج للتعايش وللمقاومة، وإيران تؤدّي دورها في مختلف هذه المجالات وستكون إلى جانب الشعب اللبناني وتدعم مطالبه».

وقال: «إننا نعتبر أنّ اليوم ليس للمنافسة في لبنان، والتنافس يجب أن يكون لإعماره». وإذ أشار من مطار بيروت الدولي إلى «أنّ الكيان الصهيوني ينظر إلى الاتفاق النووي التاريخي على أنه تهديد له»، أمل ظريف بـ«أن يفتح هذا الاتفاق صفحة جديدة في علاقات دول المنطقة.»

ويلتقي ظريف عند التاسعة من صباح اليوم وزير الدفاع الوطني سمير مقبل في فندق فينيسيا، ورئيس مجلس النواب نبيه بري عند 11:30 من قبل ظهر اليوم في عين التينة، ووزير الخارجية جبران باسيل عند 12:30 ظهراً، ويعقد مؤتمراً صحافياً عقب اللقاء في قصر بسترس سيجدّد فيه مواقف بلاده الداعمة للمقاومة وللحلّ السياسي في سورية، وضرورة الحفاظ على الاستقرار في لبنان». ولم تتوقع مصادر مطلعة لـ«البناء» «أيّ تغيير في مسار الملف الرئاسي بعد انتهاء جولة ظريف، لا سيما أنّ الوزير الإيراني سيجدّد موقف بلاده من عدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، وتأكيده أنّ الملف الرئاسي شأن داخلي».

وأكد نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم «أنّ لبنان متأخر جداً في سلم أولويات المنطقة، وإذا لم نبادر داخلياً في لبنان لنحلّ مشاكلنا فالأزمة طويلة». وأشار إلى «أنّ الأصلح أن نختار رئيساً يمثل شرائح كبرى في هذا المجتمع بحيث يقدر أن يعقد اتفاقات وأن يلتزم بمواقفه، وخيرٌ لنا أن نختار رئيساً نعرفه ونتفق معه على كلّ شيء من أن يأتي شخصٌ يميل يمنة ويُسرة بحسب الريح.

بري يستمزج الرأي السوري

وسبقت زيارة ظريف اللبنانية، زيارة سورية قام بها وزير المال علي حسن خليل والنائب قاسم هاشم بتكليف من الرئيس نبيه بري حيث اجتمعا إلى عدد من المسؤولين السوريين ناقلين رسالة من الرئيس بري إلى الرئيس بشار الأسد. وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أنّ «هذه الزيارة أتت بعد المتغيّرات الدولية، وفي معرض سعي الرئيس بري لاستمزاج الرأي السوري حول مسار الأمور الإقليمية في شكل عام واللبنانية في شكل خاص».

المواكب السيارة تنتظر توجيهات الجنرال

في غضون ذلك، أنهى التيار الوطني الحرّ تحضيراته للتحركات العونية اليوم، وحدّد نقاطاً للتجمّع في سنتر ميرنا الشالوحي عند الخامسة من بعد الظهر، وجبيل الحديقة العامة خلف مطعم كبار عند 4:30 بعد الظهر، وجونية – لا سيتيه عند 4:30 بعد الظهر، ومكتب قضاء بعبدا عند 5:00 بعد الظهر، وساحة ساسين عند 5:30 بعد الظهر، ومجمع بترونيات عند 4:30 بعد الظهر، ومكتب المتن الشمالي – نهر الموت عند 5:00 بعد الظهر، على أن تنطلق المواكب السيارة بحسب توجيهات رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الذي دعا عقب اجتماع التكتل أمس إلى «التظاهر غداً اليوم ». وقال: «أطلب منكم يا لبنانيين أن تنزلوا إلى الشارع، فنحن نحلم بوطن فيه قانون، فيه دستور وشعب، لا نفايات وسرقة وفساد، فجميعكم مدعوّون إلى التظاهر». ولفت إلى أنه «إذا كانت فكرة وضع الجيش في وجهنا لا تزال واردة لديكم، فالتحذير ما زال سارياً، شبابنا تربّوا على المقاومة، وهناك أمور كثيرة يمكن أن نقولها لكننا تجاوزناها، وهناك أمور لا نريد أن نقولها كي لا نؤثر على معنويات أحد». وقال: «إنّ قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز ليس نقطة ضعفي، لقد دعونا إلى اختيار أفضل الضباط لقيادة الجيش، ولكن الحديث عن روكز بدأ عندما اتفقنا أن يتعيّن، وليس قبل».

التحرك محكوم بالحرص على الأمن

وأكدت مصادر مراقبة لـ«البناء» أنّ العماد عون بات مضطراً للنزول إلى الشارع ليسجل اعتراضه الجماهيري ولتأكيد الدعم الشعبي، ولإعلام الفريق الآخر بأنه ليس طليق اليدين من تصرفاته الكيدية». ولفتت المصادر إلى «أنّ الجنرال عون لا يستطيع أن يتقبّل أن فريقه السياسي ربح الحرب في الشرق الأوسط، وهو يخسر في لبنان، فكان لا بدّ من تسجيل موقف جماهيري لتحقيق الأهداف المرجوّة».

وشدّدت المصادر على «أنّ التحرك محكوم بالحرص على الأمن والسلم الأهلي إلى الحدّ الأقصى، وإرسال رسالة قوية للطرف الآخر تؤكد حجمه التمثيلي، لكن يبدو أنّ هناك نوعاً من الكيدية بدأت دوائر تيار المستقبل وبعض الأطراف المسيحيين المعارضين يعدونها لدفع العماد عون للانزلاق إلى مواجهة الجيش، الأمر الذي يحرص رئيس التيار الوطني الحر وحلفاؤه على تجنّبه في شكل مطلق».

وأكدت مصادر «الوطني الحر» لـ«البناء» أنّ «محاولات جرت منذ عام 2005، لاستئصال ظاهرة العماد عون لأنه يمثل وجهة نظر المسيحيين، ولذلك سيحاصر حتماً من قبل تيار المستقبل».

ولفتت المصادر إلى «أنّ العماد عون لن يتراجع عن خوض المعركة ضدّ التمديد للقادة العسكريين والأمنيين وضدّ استباحة المؤسسات، وهذا شعار رفعه في اليوم الأول من عودته إلى لبنان ولن يتراجع عنه». وأضافت المصادر إلى «أنّ الجنرال لا يريد من حلفائه لا سيما حزب الله النزول معه إلى الشارع، فهناك تنسيق بينهما في هذا الشأن».

وفيما تردّد أنّ لقاء سيجمع وزيري المال علي حسن خليل والخارجية والمغتربين جبران باسيل قبيل جلسة مجلس الوزراء غداً بهدف ترطيب الأجواء المتوترة بين الرابية وعين التينة، نُقل عن أوساط التيار الوطني الحر «أنّ من غطى التمديد للعماد جان قهوجي هو الرئيس بري الذي لو كان ضدّه لما حصل». وأشارت الأوساط لـ«البناء» إلى «أنّ العماد عون لديه معلومات منذ أربعة أشهر أنّ الرئيس بري أبلغ قائد الجيش جان قهوجي بأنه سيستمرّ في قيادة الجيش حتى عام 2017.

وسألت مصادر عين التينة عبر «البناء»: «بماذا يختلف حزب الله ورئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية عن الرئيس بري، ولماذا لم نسمع تصريحاً من عون يبدي انزعاجاً من موافقة رئيس تيار المرده على التمديد».

وسألت المصادر أيضاً: «كيف يمكن للجنرال الذي يطعن بشرعية مجلس النواب أن يطلب انتخابه من المجلس نفسه»؟

وفي سياق متصل، نقل زوار الرئيس بري عنه قوله لـ«البناء» إنّ «الأجواء الإقليمية تفاؤلية ويجب على اللبنانيين أن يستغلوا هذه المعطيات الإيجابية لإعادة استنهاض الدولة وانتخاب رئيس». وإذ أشار بري إلى «أنّ العماد عون حليف استراتيجي وأهلاً وسهلاً به ساعة يشاء في عين التينة»، كرّر بري بحسب ما نقل عنه زواره «أنه يرفض التصويت لمن يعتبر البرلمان غير شرعي».

سلام على استعداد لتلقف أيّ مبادرة للتصالح

في سياق آخر، لم يجر أمس فضّ للعروض في ملف النفايات ولا إعلان لأسماء الشركات الفائزة بنفايات بيروت وضاحيتيها بسبب الحاجة إلى مزيد من الدراسة التقنية والإدارية.

وأكدت مصادر وزارية لـ«البناء» «أنّ ثلاث شركات توافرت فيها المواصفات والشروط للفوز بالمناقصة في ملف النفايات، وتعمل لجنة فض العروض على دراسة الإمكانات لهذه الشركات وسيكون هذا الملف موضع بحث ونقاش في جلسة مجلس الوزراء الخميس».

وأشارت إلى «أنّ هناك مساعي تبذل لإيجاد مطامر ولكن الفريق السياسي الذي شنّ حملة كبرى ضدّ نقل النفايات إلى مكبّ ضهر البيدر هو نفسه الذي رفض نقل قسم من نفايات بيروت إلى مكبات في كسروان والمتن، على رغم أنّ 17 مليون طن التي تنقل إلى مطمر الناعمة تحوي 7 ملايين طن نفايات من كسروان والمتن وجبيل».

وأكد رئيس الحكومة تمام سلام بحسب ما نقل عنه زواره لـ«البناء» أنه «على استعداد لتلقف أي رغبة ومبادرة للتصالح والتفاهم». وأشار إلى أنه «إذا كان دور البعض يقتصر على التعطيل من أجل التعطيل، فنحن لن نكون شهود زور على تعطيل البلد».

وأكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«البناء» أنّ «جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء مجمّد منذ أسابيع عدة بسبب تمسك البعض بشروطه».

ولفت إلى «أنّ مجلس الوزراء سيتجه في جلسة الخميس نحو اتخاذ قرارات ملحة، فملف النفايات لا يمكن أن ينتظر بعض الأطراف للإفراج عن العمل الحكومي، كما أنّ قبول مجلس الوزراء مبلغ مليار دولار هبات وقروضاً لا يحتمل مزاجية بعض المكونات داخل الحكومة للبت به». وأشار درباس إلى «أنه سيقف بكلّ حزم في وجه أيّ قانون لرفع سنّ التقاعد للعمداء في الجيش اللبناني».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى