ضربات موجعة للمشروع الأميركيّ

نور الدين الجمال

تتلقّى الخطة الأميركية التي انطلقت في إطار ما سمي بـ«الربيع العربي» ضربات موجعة ومتلاحقة، رغم مكابرة إدارة الرئيس باراك أوباما ومحاولتها الظهور بغير مظهر الخاسر والمهزوم أمام التحولات الكبرى الحاصلة في أهم ثلاثة بلدان عربية وهي مصر وسورية والعراق، وتشير إلى اتجاه جديد في الوضع العربي يرسّخ مفهوم الدولة الوطنية ويعزز الاتجاه المناهض للإرهاب والتكفير ولحركة «الإخوان المسلمين»، ما يسدِّد بالتالي صفعة كبيرة لفكرة الشرق الأوسط الجديد ومحاولات «العثمنة» والتفتيت الكياني للدول المركزية الوطنية في هذه الدول الثلاث الكبرى والمقررة.

يقرّ جميع المؤرخين بمحورية الموقع الجغرافي والدور التاريخي لسورية ومصر والعراق، وهم يستعيدون وقائع دامغة في التاريخين القديم والمعاصر تمحورت فيها موجات التغيير والاستقطاب حول دمشق وبغداد والقاهرة. فالمشروع الأميركي للشرق الأوسط الجديد كانت ولا تزال غايته المركزية تعويض سقوط هيبة الردع «الإسرائيلية»، ثم جدّدت حرب تموز هذه الحقيقة الاستراتيجية باعتراف لجنة «فينوغراد» كانت إقراراً رسمياً صهيونياً بالهزيمة أمام حزب الله ومحور المقاومة الذي تشكّل سورية مركزه وقلبه النابض، على ما أكد السيد حسن نصرالله. وفي أعقاب الفشل الأميركي في العراق واضطرار القوات الأميركية إلى الانسحاب من هذا البلد وُضعت الخطة الأميركية الهادفة إلى تعويم تنظيم «الإخوان المسلمين» واعتماده في إنتاج نخب حاكمة جديدة برعاية تركيا وقطر. وفي هذا السياق، استثمرت ظاهرة «انتفاضات الربيع» في شن العدوان الكوني على الدولة الوطنية السورية، مع ما رافقه من دعم عسكري ومالي كبير لجماعات التكفير الإرهابي التي يشكل «الإخوان» الحاضن السياسي والعقائدي لنشاطها في المنطقة، خاصة في العراق ومصر وسورية.

مركزية الحرب على سورية في هذا المخطط تنطلق من حقيقة ما تمثّله الدولة الوطنية السورية ورئيسها الدكتور بشار الأسد من موقع صلب ومتماسك في وجه الغطرسة الاستعمارية الصهيونية في المنطقة، مذاك ما اختبره الأميركيون وفشلوا في مجابهته وصده أو احتوائه والنيل منه، عبر المساومات الفاشلة منذ غزو العراق حتى العدوان على سورية، وفي السياق كانت محطة حكم «الإخوان» في مصر.

تزامنت الانتخابات العراقية مع الانتخابات الرئاسية السورية والمصرية، والحصيلة تبدو متقاربة لناحية بروز إرادة شعبية كاسحة في الدول الثلاث داعمة للدولة الوطنية في مواجهة الإرهاب ومشاريع التفتيت الطائفية والمذهبية، وبالتالي في خطة الشرق الأوسط الجديد التي نفذتها الولايات المتحدة الأميركية ودول «الناتو» وبدعم الحلف السعودي ـ القطري ـ التركي.

في العراق، كانت النتائج لمصلحة الدولة المركزية، ويبدو أن نوري المالكي وما يمثّله من خيارات داخلياً وإقليمياً هو المهيأ لقيادة ائتلاف حكومي جديد يكرّس موقع العراق ودوره في المنطقة، خاصة على جبهة القتال ضد الإرهاب ومشاريع التفتيت، وبالتالي تثبيت التحالف والعلاقات المتقدمة بين العراق وكل من سورية ومصر.

أما في مصر، فإن الرئيس السيسي الفائز في الانتخابات يبدو أنه قادر على شد عصب الدولة المركزية في مصر في وجه الإرهاب، رغم الابتزاز المالي لبعض الدول، فإن مؤشرات التوجهات المصرية تبدو ذاهبة إلى التفلّت من قبضة الهيمنة الأميركية وذاك ما تدل عليه العلاقات المصرية ـ الروسية الماضية نحو مزيد من التطور، والمبادرة إلى دعوة الرئيس الشيخ حسن روحاني لحضور حفل تنصيب الرئيس السيسي، بينما يرى المتابع بوادر جديدة تحرر الرئيس المصري الجديد من مراعاة الموقف السعودي في صوغ موقف مصري متقدم حيال سورية ينسجم مع مبادئ وحدة المعركة ضد الإرهاب والروابط التاريخية والاستراتيجية بين مصر وسورية التي حرصت المؤسسة الأمنية المصرية، السنة الماضية خاصة، على تأكيدها باستمرار التواصل والتعاون مع الدولة الوطنية السورية التي لا تزال تراعي الحساسيات والخصوصيات المصرية في المرحلة الانتقالية وتبدي تقديراً للظروف التي تضطر مصر إلى اعتماد طرائق الاتصال السرية والإحجام عن اتخاذ موقف سياسي واضح وعلني إلى جانب سورية.

أما الرئيس بشار الأسد الذي تسبّب بـ«تسونامي» سوري في الانتخابات فإنّه كرّس زعامته التاريخية ودشّن مرحلة جديدة في تاريخ سورية بالانتقال إلى الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية عبر الانتخابات، فهو يمثل اليوم زعامة محورية وأساسية في معادلات المنطقة وعلاقاتها، وسيكون قادراً في وقت قريب على التقاط زمام المبادرة، مع تمسكه بالخيار القومي والتحرري الذي يرمز إليه كقائد مقاوم يخوض مسيرة الدفاع عن بلاده وعن هوية الشرق في وجه المشروع الاستعماري ـ الصهيوني. وما بعد الانتخابات الرئاسية السورية سيكون غير ما قبلها بخطوات كثيرة في الداخل وفي الإقليم تعبِّر عن طبيعة التوازنات الجديدة لمصلحة الشعب السوري.

إن صمود سورية فرض تغييرات كبيرة في خرائط العالم الاستراتيجية، وهو يغيِّر وجه المنطقة ويقدم فرصة لتبلور مثلث عربي جديد مركزه في دمشق وامتداده بين القاهرة وبغداد وتلاقي العواصم الثلاث في الأشهر المقبلة عندما يتحقق قد يدشن مرحلة جديدة في الواقع العربي تنعكس نتائجه على جميع الساحات رغم استمرار الدول المتورطة في المشروع والخطة الأميركية باختبار أوهامها بلا جدوى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى