مهرجان «المنار» للتفوّق… صورة حقيقية للوطن
عبير حمدان
أضاءت «المنار» شمعة التفوّق العاشرة، عبر تكريمها المتفوقين في الامتحانات الرسمية مساء أول من أمس على مسرح الأونيسكو في بيروت. أطياف الوطن كافة كانت حاضرة في الأمسية الإعلامية التربوية والتكريمية، ضمن إطار قناة المقاومة والانتصار. لا فرق بين لبناني وآخر إلا بمدى اجتهاده، ليحجز مكانه ضمن الأوائل.
رمزية الحدث تتخطّى الجوائز التقديرية والإقرار بأسماء من حصد المراتب الأولى في الامتحانات الرسمية إلى مشهد أكثر عمقاً. هو حدث يترجم الصورة الحقيقية لهذا الشعب القادر على إثبات حضوره المقاوم علمياً وثقافياً وإعلامياً واجتماعياً، على رغم مشاكله الكثيرة، وعَظَمة التحدّيات التي تحاصره في الداخل وتتربص به في الخارج.
يجهد فريق العمل المنظّم لـ«مهرجان المنار للتفوّق»، في مراجعة أبسط التفاصيل كي يحقق الإطلالة الأمثل. قبيل العرض المباشر، كل شيء في مكانه الصحيح، حتى الأزهار تفتحت لاستقبال الجيل الجديد الذي سيحمل شعلة الأمل بالغد المشرق. يمكن للناظر إلى بريق العيون أن يعبر الوطن من شماله إلى جنوبه وبقاعه، فيدرك عَظَمة المكان والزمان. التلاميذ المتمسكون بأبجدية التحدّي لم يخفوا فرحتهم بالحدث، منهم من يقول إن وجه لبنان يشبه سعيهم، ومنهم من يصرّ على التفوّق كي ينال شرف الوقوف على المسرح.
أعلنت الذاكرة الإعلامية لـ«المنار» الوفاء للإعلاميّ الراحل عرفات حجازي، إذ حمل المهرجان بدورته العاشرة اسمه في إطار التقدير لمسيرته والبصمة التي تركها راسخة في وجدان أبناء جيله ومن حفظه من الناس.
لعلّ أبرز ما ميّز المهرجان، الالتفاتة التكريمية لحالات خاصة من التلاميذ، الذين تفوّقوا على ما في داخلهم من ألم لفقدان أعزاء، وكان إصرارهم أقوى من ظرفهم القاسي، فحصدوا النجاح.
يونس… وإلغاء الحواجز
يتحدّث يوسف يونس مدير المهرجان بحماسة عن الحدث الذي صار محطة ثابتة ينتظرها كل من يسعى إلى التفوق فيقول: استلمت إدارة المهرجان في سنته الثانية، أي عام 2006، وكانت الظروف حينذاك خاصة، كون توقيت المهرجان أتى بُعيد عدوان تموز والانتصار الذي تحقق في 14 آب، وحمل اسم «المنار والانتصار»، وأصبح محطة سنوية ثابتة منتظَرة، وحافزاً للتفوّق بما يمنحه للتلاميذ المكرّمين من دفعٍ معنويّ.
أما ما الذي تغيّر بعد تسع سنوات من اقتران اسمه بالمهرجان يقول يونس: ما تغيّر منسوب الحماسة لدى هذا الجيل الذي صار ينتظر الاتصال المتوقّع من «قناة المنار» لدعوته إلى المسرح كي ينال التكريم اللائق بما بذله من جهد. كما حصل مع الطالبة سارة السوقي من مدرسة «أمجاد»، التي حصدت المرتبة الأولى في لبنان هذه السنة في الاجتماع والاقتصاد، والتي قالت في لقاء تلفزيونيّ إنّها حزنت كثيراً حين احتلت المرتبة العاشرة في الشهادة المتوسّطة، لأنها لن تكون ضمن المجموعة المتفوّقة التي سيكرّمها المهرجان. ولكي تعوّض غيابها القسري، اجتهدت بشكل واضح فكانت معنا هذه السنة كما تمنّت. هذا المهرجان يعكس واقع الشعب اللبناني بما يضمّ من تناقضات واختلاف في الرؤى السياسية، ما يؤكد أن هذا الشعب قادر على إلغاء الحواجز التي يفرضها الانقسام السياسي إذا ما توفر له المكان والزمان.
وعن تزامن الحدث مع ذكرى الانتصار يقول يونس: يمكن القول إنها رمية من غير رامٍ، لكنها أتت موفقة وفي مرماها المناسب. والسبب يتمثل في الجدل الذي حصل حول طريقة الإعلان عن العلامات التفصيلية للناجحين وإصرار الوزارة على إعطائها للطالب بشكل مباشر. لكن، وبكل الأحوال، أرى أن التوقيت جيد ويشرّفنا أنه تزامن مع ذكرى الانتصار التاسعة. وفي النهاية، النجاح والتفوّق شكلان من أشكال الانتصار، ومن الطبيعي أن يكون لدينا هذا العدد من المتفوّقين وأن تكون نِسَبَ النجاح مرتفعة.
شمس الدين
تتعامل الزميلة ليلى شمس الدين معدّة ومسؤولة العلاقات الإعلامية للمهرجان مع التلاميذ كأنهم جزء من عائلتها الكبيرة. فنراها تحتويهم كمربية وتخفّف من توتّرهم، وهي التي رافقت المهرجان منذ انطلاقته.
تتحدث شمس الدين عن المهرجان بعفوية فتقول: هذا الحدث صار جزءاً لا يتجزّأ من ذاتي الإنسانية ـ المهنية، لقد واكبت حتى الآن أكثر من 700 متخرّج من الأوائل، وما يقارب 12 حالة من الحالات الخاصة، إضافة الى التواصل الدائم بيننا وبين أهالي المتفوّقين. لكن ما يهمنا كفريق منظّم للمهرجان، فعل التفوق في الحياة الاجتماعية ـ المهنية، لا في جمع العلامات المدرسية فحسب.
وتتحدث عن الدور الإعلامي الذي تلعبه «المنار» في هذا الإطار فتقول: نحن نقيّم هذا المهرجان لكي نخبر الناس عن أهمية التفوق، ولنضيء على المتفوّقين، ونساعدهم في قنوات التواصل مع الجامعات. وأحياناً نوجّههم إذا ما احتاجوا إلى ذلك من خلال التنسيق مع الجمعيات المختصة، وقد نساعد بعضهم في الإطار المادي ضمن القدرات المتاحة.
تشير شمس الدين إلى حالات كثيرة رسخت في ذاكرتها خلال السنوات الماضية فتقول: ثمة حالات كثيرة تركت أثرها في ذاكرتي. من المكرّمين سابقاً مَن تمسّك بطموحه حتى اللحظة الأخيرة، وهناك مَن تفوّق بعصاميته وأخلاقه. وقد أجرينا إحصاء عن المتفوّقين الذين اعتلوا هذا المسرح بين عامَي 2006 و2009، وبحثنا عن طلاب المرحلة الثانوية في حينه كونهم اليوم تقدّموا في مسيرتهم التعليمية، ومنهم من تخرّج. وقد تمكنّا من التواصل مع 205 من الطلاب ليظهر معنا أن 27 في المئة منهم توجّهوا نحو الطبّ بمختلف فروعه، و23 في المئة نحو الهندسة بفروعها كافة، و17 في المئة اختاروا اختصاص إدارة الأعمال، والآخرون توزّعوا بين الأدب والفيزياء النووية والحقوق والإعلام.
وتشير شمس الدين إلى دور وزارة التربية في تنظيم هذا المهرجان لناحية التنسيق مع فريق العمل المختصّ لدى القناة لتحديد الأوائل.
أما عن عدد المكرّمين فتقول شمس الدين: لدينا 50 متفوّقاً ومتفوقة. ومساحة المهرجان لا تسمح بعدد أكبر. لكننا نقدّر جهود كلّ تلاميذ لبنان، ونحن نتواصل مع الجميع ونتمنّى تكريم كلّ متفوّق إذا أحب أن يكون معنا وبيننا، وإن لم يرد ذلك فنحن نحترم قراره.
وعن المعيار المعتمد في اختيار الضيوف تقول: لدينا معيار محدّد في اختيار الضيوف. لدينا خمسة فروع، ونختار الضيوف ضمن دائرة الاختصاصات المفترضة، لنقول للطالب إنّ هناك مَن طَبع بصمته في مجالات عدّة، وعليك الاقتداء به كنموذج. أما في ما يتصل بالشهادة المتوسطة، فنسعى ليكون الضيف شخصية فنية أو أدبية أو ثقافية. وهذه السنة اخترنا الممثل عمّار شلق الذي ترك أثراً كبيراً في نفوس الناس من خلال مسيرته الفنية المتميزة. وفي مرّة سابقة اخترنا الأديبة إميلي نصر الله التي يعرفها كلّ طلاب «البروفيه» من خلال قراءتهم نصوصها.
وعن الاسم الذي حمله المهرجان لهذه السنة تقول: اخترنا شخصية إعلامية بارزة غيّبها الموت هذه السنة، وهو الإعلامي الراحل عرفات حجازي الذي نرى فيه رمزاً وطنياً جامعاً. ووددنا أن نكرّمه ولو بعد الغياب، تقديراً لمسيرته المهنية الراسخة في وجدان كثيرين.
للشهادة حالتها الخاصة في مهرجان التفوق هذه السنة، إذ اختار منظّمو المهرجان حالتين من التفوّق على الذات، فكانتا النموذج والصورة البارزين. إذ تقول شمس الدين بخشوع: لدينا هذه السنة صورة لا تشبه ما سبقها، ولا أجد كلمات تصف حالة التفوّق التي جسّدها كل من كاظم عرفات طالب، وكوثر أحمد حرب، اللذان تقدّما إلى الامتحانات في اليوم الثاني الذي تلا تستشهاد أبويهما… وحصدا النجاح. أمام عَظَمة الإرادة، لا يسعنا إلا الانحناء لهما، فقد نالا الشهادة الأولى وسام العطاء والذود عن الوطن، والشهادة المدرسية استحقّاها بجدارة.
فرحة التفوّق
تشعر فرح الحجار من إقليم الخروب بالحماسة وتقول: سعيت إلى لتميّز في الشهادة المتوسطة كي أقف على هذا المسرح. وهذا المهرجان يحفّزني للأفضل وأثق أنني سأقف هنا مرة ثانية حين أتفوّق في الشهادة الثانوية. هذا المهرجان أضحى محطّة مضيئة ومهمة في مسيرة أيّ طالب.
من ناحيته، يفخر إيلي فارس بتفوّقه ويقول: التفوّق شعور جميل أتمناه للجميع، والوقوف على هذا المسرح يعني لي الكثير. هذا التكريم يفيد الطلاب ويحثّهم على العطاء والمثابرة كي يكونوا على قدر المسؤولية. من جهتي، أفتخر بوجودي هنا وسأسعى لأحصد المزيد من التميّز.
غادة شكر الله يوسف من عكار حازت على المرتبة الثانية في فرع الآداب والإنسانيات، وتقول: وقوفي هنا مكافأة لي على تعبي وتقدير لنجاحي، وهذا النوع من المهرجانات ليس إلا صورة لبنان الثقافية والجميلة بتفوقها في المجالات كافة، وسأدرس الإخراج وأكمل مسيرتي المهنية كما يجب أن تكون.
بالعلم نقاوم
فعل المقاومة يتخطّى صوت الرصاص الرادع أيّ عدوان. والوطن الذي ينجب المتفوّقين لا يعرف الهزيمة. ولعل رمزية الحدث تكفي ليدرك القاصي والداني أن هذا الشعب قادر على الصمود، وأنّه محبّ للعلم والتحدّي والتصدّي والمواجهة.