لماذا طهران الآن؟
راسم عبيدات
لم يقم الرئيس الفلسطيني محمود عباس منذ توليه الرئاسة في كانون الثاني 2005 بأية زيارة لطهران، باستثناء حضوره قمة عدم الانحياز فيها عام 2012. وكانت علاقة السلطة الفلسطينية مع طهران فاترة على خلفية دعم إيران للفصائل المعارضة لعباس حماس والجهاد الإسلامي ، ووقوفها ضد النهج والخيار السياسي للرئيس الفلسطيني، والسلطة الفلسطينية هي جزء من محور مصر السعودية، ووثقت علاقاتها مع النظام المصري الجديد السيسي بعد سقوط حكم «الإخوان»، وكذلك مع السعودية في عهد الملك الراحل عبدالله، ولكن ثمة عدد من المتغيّرات جعلت السلطة الفلسطينية تتجه إلى تعزيز علاقاتها في هذه الفترة بالذات مع طهران، فالسلطة الفلسطينية تعيش أزمة اقتصادية ودورها ونفوذها في أوساط الشعب الفلسطيني يتراجع، حيث انسداد الأفق السياسي و«تغوّل» و«توحش» الاحتلال وعربدة وبلطجة مستوطنيه وما قاموا به من عمليات حرق متعمدة بحق عائلة الدوابشة في دوما، وما سبقها من خطف وتعذيب وحرق للشهيد الفتى أبو خضير، ناهيك عن جرائمهم المتواصلة من دون أي رادع، وما يمر به الشعب الفلسطيني من أزمة اقتصادية خانقة، والمتغير الأبرز الذي دفع بعباس للتوجه إلى طهران وإرسال أحد أعضاء لجنته التنفيذية أحمد مجدلاني لهناك من أجل استكشاف آفاق التعاون والحصول على دعم ليس سياسياً من طهران، بل الحصول على مساعدات اقتصادية بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، وما يتوقع من تحرير لأكثر من 150 مليار دولار أميركي محتجزة لطهران في البنوك الأميركية والأوروبية الغربية، وإرسال رسائل سياسية للسعودية ومشيخات النفط الخليجية الأخرى وبالذات السعودية بأن سعيها إلى توثيق علاقاتها مع خصمه السياسي حركة حماس، من خلال اللقاءات التي تمت بين قيادة حركة حماس وعلى رأسها خالد مشعل والقيادة السعودية في الرياض، وما يجرى من حديث عن لقاء آخر ما بين مشعل والقيادة السعودية، سيجعل الرئيس الفلسطيني يتجه إلى طهران التي كانت الداعم الرئيسي لحماس، قبل أن تفتر علاقتها بها بشكل كبير، ليس فقط على خلفية الموقف من الأزمة السورية، بل تأييد حماس لـ«عاصفة الحزم» السعودية ضد فقراء اليمن، وما تبع ذلك من لقاءات سعودية – حمساوية، أي البديل السياسي والمالي من الحاضنة السعودية جاهز، فالسعودية بتوثيقها لعلاقاتها مع حماس قد تسيطر على قطاع غزة، وتستبدل اللافتات التي كانت ترفع في كل ساحات ومداخل القطاع مرحبة بالأمير القطري والخليفة العثماني أردوغان باللافتات واليافطات المثمنة للمواقف «القومية» و«الوطنية» للسعودية ودورها «العروبي و«الوطني» في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته. ولكن ستدفع السعودية ثمن ذلك خسران نفوذها ودورها في الضفة الغربية.
وليس هذا فحسب من يدفع الرئيس الفلسطيني للتوجه نحو تدعيم علاقاته بطهران، فطهران بعد توقيعها على الاتفاق النووي مع المجموعة الدولية 5 + 1 ، باتت قوة إقليمية كبرى في المنطقة، لها دورها وفعلها ومصالحها في المنطقة، المعترف بها من قبل أميركا والغرب الاستعماري، وربما تشارك أميركا وروسيا في فكفكة وحلحة العديد من أزمات المنطقة من الأزمة السورية، والتي تقوم إيران مع روسيا بدور نشط وفعال من أجل حلها، فطهران طرحت مبادرة لحل الأزمة السورية من أربع نقاط تشاورت بشأنها مع مصر وتركيا وقطر، وعقدت لقاءات مع القيادتين السورية والروسية، وهي تأمل التصديق على مبادرتها من قبل مجلس الأمن الدولي، وهي كذلك لاعب فعال في الأزمات العراقية واللبنانية واليمنية ونفوذها وتأثيرها يطاول أفغانستان وفلسطين.
الرئيس عباس قد يستفيد من إيران في القضية الفلسطينية، من خلال تشكيلها موقفاً داعماً صلباً للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وإيران يمكن لها أن تستثمر الورقة الفلسطينية في طرحها لشرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية، وكذلك الورقة الفلسطينية مهمة جداً في قضايا الصراع العربي «الإسرائيلي»، وخصوصاً أن «اسرائيل» تنظر لطهران على أنها عدوها المركزي في هذه المرحلة، بعد تفكك وانهيار الحاضنة العربية والقومية للقضية الفلسطينية على ضوء حروب التدمير الذاتي.
نحن مع تصحيح السلطة الفلسطينية لعلاقاتها مع طهران، فطهران دائماً كانت لجانب شعبنا وقضيتنا، كيف وهي الآن أصبحت قوة إقليمية كبرى مؤثرة وفاعلة في كل قضايا المنطقة؟ ولكن نحن لا نريد أن تكون تلك العلاقات قائمة على أساس المصالح والصراعات والمناكفات الداخلية بين طرفي الانقسام فتح وحماس ، فالعلاقات مع الدول المحيطة عربية وإسلامية، يجب أن تستثمر وتوثق وتدعم خدمة للمشروع الوطني والفلسطيني والمصالح العليا لشعبنا، وليس نكاية أو لممارسة الضغط على هذا الطرف العربي أو ذاك، فطهران الآن هي محطة من المحطات الإقليمية التي يجب أن نستثمرها بما يمكننا من الصمود في وجه المبادرات والحلول السياسية المشبوهة المدعومة عربياً وإقليمياً ودولياً لتصفية القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني، وخصوصاً أن ما هو مطروح الآن من مشاريع تقوم على إيجاد حالة كيانية محدودة الاستقلال في قطاع غزة، وتقاسم مدني وظيفي في الضفة الغربية وابتلاع القدس.
وتصحيح العلاقة ليس مطلوباً مع طهران لوحدها، فعلينا أن نلتقط المتغيرات الجيواستراتيجية المتبلورة في المنطقة بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، فمسيرة التدحرج نحو الحلول السياسية في المنطقة يبدو أنها بدأت، ونحن جزء من هذه المنطقة، ولكي لا تكون تلك الحلول على حساب قضيتنا ومشروعنا الوطني، فلا بدّ من استكمال تصحيح العلاقة مع سوريا وحزب الله، فهذا الحلف طهران- دمشق والضاحية الجنوبية، سيمتلك الكثير من أوراق القوة والتأثير في المنطقة، وقضيتنا بحاجة إلى حلفاء وأصدقاء موثوقين، وليس كمن هم يستخدمون قضيتنا للمتاجرة وخدمة لأجنداتهم ومصالحهم.
Quds.45 gmail.com