أبو مازن… والجهود المنقوصة
رامز مصطفى
عام ونصف العام قد مضى على ما كشفته إحدى الصحف عن دور الوساطة التي قام بها السيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، بين الدولة السورية وأطياف من المعارضة السورية. يومها وضع العنوان لتلك المقالة المثيرة، لما احتوته من معلومات موثقة عن هذا الدور «محمود عباس عراب جينف 2». اليوم تعود الأضواء لتُسلّط من جديد حول استئناف الوساطة بين الدولة السورية وقيادتها، وذات الأطراف التي شملتها الوساطة في المرة السابقة.
شيء يدعو إلى الارتياح عندما تلعب إحدى الأطراف أو الشخصيات الفلسطينية، دوراً إيجابياً يهدف إلى إنهاء محنة البلد العربي سورية، التي لطالما كانت السباقة في الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية، حيث فتح شعبها ودولتها ومؤسساتها أذرعتهم واحتضنوا شعبنا، وعاملوه ولا يزالون يعاملونه أسوة بهم، وشكلت من نفسها ومقدراتها عمقاً استراتيجياً لمقاومتنا، ووفرت كلّ ما يلزم من أجل جعلها المنيعة والقوية في مواجهة الجبروت الصهيوني وكيانه الغاصب، وآلة دماره وقتله واستيطانه. وهي التي دفعت ولا تزال تدفع حتى اليوم، الفاتورة الأعلى، بل والأغلى من دماء أبنائها وجيشها ومقدراتها في سبيل تلك القضية التي طالما اعتبرها الآخرون قضيتهم المركزية، وتخلت غالبيتهم عنها، إنْ لم نقل جميعهم ما عدا سورية، على الرغم من مصابها وما تتعرّض له من حرب كونية مموّلة بالبترو دولار. وهذه الأدوار الإيجابية جزء من فاتورة عربون الوفاء لهذا البلد العربي، في زمن قلّ فيه الوفاء، يوم غُلبت المصالح والايديولوجيات والانغماس في المحاور، على الخيارات والمبادئ.
كما نظرنا إلى الوساطة الأولى بعين الرضا والارتياح والثناء عليها، لما تضمّنته من نقاط، من أهمّها لعب دور لدى الرئيس الأميركي أوباما في ثنيه عن الاستمرار في القول «إن لا دور للرئيس الأسد في المرحلة المقبلة»، و«عدم السماح له في الترشح إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة»، إلى تسهيله وإنضاجه صفقة الكيماوي السوري، والتقريب بين سورية الدولة والمشير السيسي والحكم الجديد في مصر بعد نظام محمد مرسي، وفتحه قنوات الاتصال والتوسط بين الدولة السورية والمعارضة الداخلية من هيئة التنسيق وتيار بناء الدولة وشخصياتها المعروفة، وبغض النظر عن نجاحها جميعها أو كلها، ولكن سُجل لأبي مازن أنه بذل جهوداً في هذا السياق. واليوم ومع عودة الحديث عن وساطة مستأنفة من قبل رئيس السلطة وعدد من مساعديه، بين الدولة السورية وقيادتها من جهة، وعدد من المعارضات من جهة ثانية، بهدف المساهمة إلى جانب المبادرات لحلّ الأزمة في سورية، بالاستفادة من الأجواء الإيجابية التي أشاعها توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول 5 + 1 في المنطقة. ولأجل ذلك عُقدت العديد من الاجتماعات والاتصالات مع وفود من ائتلاف اسطنبول وهيئة التنسيق، حيث تحدثت المعلومات الصحافية أنّ اللقاءات قد جرت في العاصمة المصرية القاهرة، وقد ترأس وفد هيئة التنسيق حسن عبد العظيم ونائبه صالح مسلم وأحمد العسراوي ومحمد حجازي ومنير بيطار. وترأس الوفد الفلسطيني رئيس السلطة أبو مازن، وصائب عريقات ورياض المالكي وأنور عبد الهادي وجمال الشوبكي. وتمحورت اللقاءات حول النقاط الثمانية التي طرحها أبو مازن سابقاً قبيل مؤتمر جينف 2. وقد جرت هذه اللقاءات بعلم كلّ من روسيا وسورية وإيران التي أوفد إليها أبو مازن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الدكتور أحمد مجدلاني، الذي عاد من طهران بتوقيع اتفاق للتعاون معها، ووصف الزيارة بالناجحة.
من سمع أو قرأ هذه الأخبار من الفلسطينيين، لا يمكنه تجاهل أهمية هذا الدور الفلسطيني الرسمي، وبالتالي يشكل بالنسبة لنا مدعاة تفاؤل، أنّ هناك من تبصّر أننا كفلسطينيين يجب ألاّ نكون منعزلين عن واقعنا العربي والإسلامي، فنحن أبناء أمة واحدة لا يمكننا أن نتخلى وببساطة عن دورنا اتجاه أيّ بلد عربي، فكيف إذا كانت سورية هي هذا البلد؟
مهما كانت انشغالاتنا الواجب يفرض علينا هذا الدور، ولكن في المقابل ومن موقع الحرص، وبعيداً عن المواقف المسبقة على خلفية التعارض وحتى التناقض السياسي، بسبب التوجهات السياسية نحو مفاوضات ثبت عقمها وعبثيتها وفشلها، نتوجه للسيد رئيس السلطة، وكما كتبنا قبل عام ونصف العام حول ذات الموضوع، لنعيد ونكرّر وبلسان كلّ من أثنى أو استغرب أو استهجن هذا الدور الإيجابي الذي لعبه ويلعبه أبو مازن في سياق الحلول السياسية المطروحة للأزمة السورية، للقول: «إذا كانت هذه هي القدرات الخلاقة في العمل والدهاء والحكمة السياسية لديكم يا أخ أبو مازن، لماذا إذاً هذا التعثر الفلسطيني في كلّ شيء؟ خصوصاً في إنهاء الانقسام، الذي لا أمل يلوح في الأفق باتجاه إنهائه، وبالتالي إنجاز ملف المصالحة وتوحيد الصفوف. من أجل مواجهة التحديات التي تتعاظم في وجهنا جميعاً، حيث الاستيطان يلتهم كلّ أراضي الضفة الغربية التي أعيد احتلالها من جديد. وعصابات قطعان المستوطنين تعمل قتلاً وحرقاً بأبناء شعبنا من دون حسيب أو رقيب، وهي تسرح وتمرح ليل نهار، وليس آخر جرائمها حرق عائلة دوابشة واستشهاد الطفل الرضيع علي ووالده سعد، وقبلهم حرق الفتى المقدسي محمد أبو خضير وهو حي، حيث لا أحد يحمي شعبنا من إجرام حكومة نتنياهو وإرهاب مجتمع المستوطنين، بسبب أنّ وظيفة الأجهزة الأمنية الفلسطينية استبدلت لصالح تعزيز وتعميق التنسيق الأمني مع الاحتلال، وفي ذلك ضرب لقرارات المجلس المركزي الذي أقرّ بوقفه.
أما التهويد في القدس فلم يبق شيئاً في المدينة، ولا داخل الحرم المسجد الأقصى حيث الاستباحات اليومية للمستوطنين وقادة الكيان بمن فيهم وزير الدفاع يعالون. والاعتقالات حدّث ولا حرج، حيث عدد الأسرى قارب الستة آلاف أسير يعانون من شتى صنوف العنصرية والتعذيب الجسدي والنفسي. وهناك الحصار الجائر على قطاع غزة وشعبنا يُجوع من دون تحريك ساكن. ناهينا عما يواجهه ملف اللاجئين وحق العودة من استهداف مباشر من أجل إسقاطهما. والتي في مجموعها تهدف إلى تصفية القضية بعناوينها وثوابتها الوطنية على أرضنا الفلسطينية.
من هنا وإنْ كنا نبارك جهودك في البحث أو المساهمة في حلّ الأزمة السورية عبر الوساطة رقم 1 و 2 ، ولكن في المقابل هناك مهامّ وقضايا وطنية فلسطينية لا بد لها من إيجاد الحلول لها، لا أن يتمّ الهروب إلى الأمام، بعيداً عما يعانيه المشهد الفلسطيني من تأزم وانغلاق.
ونحن إذ نقرّ أنّ هناك أيضاً مسؤولية على الآخرين، ولكن تبقى المسؤولية الرئيسية والأساسية يتحمّلها رئيس السلطة، الذي وبأعلى الصوت نقول له مع إشراق الشمس ومغيبها: «هذا ليس كافياً والقضية الوطنية الفلسطينية، تواجه ما تواجهه من تحديات».