تفاؤل مشروط بالحذر ومطالبة بعدالة أكثر
القاهرة ـ فارس رياض الجيرودي
تضع السلطة المصرية المتشكلة بعد ثورتي 25 كانون الثاني و30 حزيران قضية الإصلاح الاقتصادي كأولوية تنطلق منها للعمل على تحقيق الاستقرار السياسي الداخلي، حيث تعتبر أن إيجاد حلول ناجعة للوضع الاقتصادي السيء بالنسبة الى الغالبية العظمى من المصريين وحل مشكلتي عجز الموازنة والبطالة، هما شرط تجنب المصير الذي آل إليه كل من نظام مبارك ونظام «الإخوان» اللذين أسقطتهما الثورتان المصريتان السابقتان، فما الذي حققته الحكومة المصرية على هذا الصعيد؟ وأين وصلت الجهود التي بذلتها؟ للإجابة عن هذين التساؤلين وغيرهما التقينا عدداً من خبراء الاقتصاد المصريين.
أشار الباحث الاقتصادي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية حسين سليمان، إلى أن غياب برنامج انتخابي للرئيس السيسي يجعل معايير تقييم الاقتصاد المصري قاصرة على المؤشرات الكلية للاقتصاد، من دون التقيد أثناء عملية التقييم بأهداف اقتصادية أو سياسات اقتصادية منشودة، ولذا تم التركيز على استعراض تطورات المؤشرات الاقتصادية خلال العام المالي 2014-2015.
في هذا السياق، أوضح سليمان أن نمو الاقتصاد المصري تسارع في النصف الأول من العام المالي 2014-2015، حسب آخر بيانات منشورة، ليصل إلى 5.6 في المئة مقارنة بـ1.2 في المئة في الفترة نفسها من العام المالي السابق، وأرجع هذا النمو الاستثنائي إلى تحسن في قطاعات الصناعات التحويلية، والتشييد، والسياحة، مؤكداً في الوقت نفسه أن التحسن المشهود في قطاع السياحة كان طفيفاً، ولم يسترد بعد مستوياته المعهودة قبل الثورة المصرية. في المقابل، ظل نمو قطاعات حيوية محدوداً على رأسها: الزراعة، والصناعات الاستخراجية، والخدمات.
وفي ما يخص بقية المؤشرات الاقتصادية، أشار سليمان إلى أن معدلات البطالة ظلت مرتفعة إلى حد كبير، وحتى الربع الأول من عام 2015، سجلت البطالة 12.9 في المئة، فيما ارتفعت معدلات التضخم من 9.6 في المئة عام 2013 إلى 10 في المئة عام 2014.
كما بلغ العجز في ميزان المدفوعات في غضون النصف الأول من العام المالي 2014-2015، كنسبة من الناتج الإجمالي نحو 0.3 في المئة، مقارنة بفائض 0.7 في المئة في الفترة ذاتها من العام المالي السابق له، وعجز بـ0.2 في المئة في النصف الأول من 2012-2013.
وأضاف سليمان أن البيانات المتوافرة عن العام الأول للسيسي، أو على الأقل إلى النصف الأول من العام، تشير بذلك إلى عدم حدوث تحسن مؤثر في أغلب المؤشرات الاقتصادية بصفة عامة، وهو أمر متوقع في إطار زمني محدود كهذا لا يسمح بالكثير من التغييرات.
وعلاوة على ذلك، أشار سليمان إلى أنه على رغم أهمية الاستثمار الأجنبي كأداة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية بمصر، ففي أغلب الأحوال تواجه مصر إشكالية تاريخية، وهي أن نوعية تدفقات الاستثمار الأجنبي دوماً ما لا تتسق مع أولويات وتفضيلات واحتياجات التنمية الاقتصادية بالبلاد.
فيما رأى رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمة السادات للعلوم الإدارية د. إيهاب دسوقي، أن السياسات الاقتصادية، لم تَنْحَزْ في شكل كافٍ لسياسات محاربة الفقر، وعدالة توزيع الدخل القومي، فاستمر الوضع القديم الذي كان قائماً في زمن ما قبل الثورة والمتمثل في استفادة طبقات معينة من المجتمع المصري من عوائد النمو، من دون أن تشعر بقية طبقات المجتمع بنتائج أرقام نمو الاقتصاد المصري.
ورأى الخبير الاقتصادي د. أحمد حلمي أن تغيرات إيجابية طرأت في الأوضاع الأمنية منذ تولي الرئيس السيسي سدة الرئاسة، وإن لم تصل بعد إلى المستوى المرجو، وعلاوة على ذلك، فقد ساهمت الزيارات الرئاسية إلى عدد من الدول الغربية والآسيوية، في تعزيز ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري.
وأضاف حلمي أن أطروحة التقسيم الإداري الجديد للمحافظات يمهد للتوسع العمراني شرق الوادي وغربه، مشيراً إلى أنه على رغم عدم شعور المواطن بتحسن في أوضاعه المعيشية بصفة عامة، فإن هناك شعوراً بالرضا في ما يخص خدمات الكهرباء، والتموين، ومنظومة الخبز.
وفي ما يتصل بتدابير الإصلاح الاقتصادية، أوضح أ. حسين سليمان أن خطى الإصلاح الاقتصادي للحكومة خلال الفترة الماضية، ركزت بالأساس على ضبط المالية العامة عبر هيكلة دعم المواد التموينية والبترولية، إلا أنها لم تنجح في تحقيق هدف تقليص عجز الموازنة، بل ارتفعت نسبة العجز الكلي للموازنة خلال الأشهر العشرة الأولى من العام المالي 2014-2015 إلى 9.2 في المئة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، في مقابل 8.2 في المئة عن الفترة نفسها من العام المالي الماضي.
أما على مستوى السياسة النقدية، فأكدت أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة د. عالية المهدي أن قرارات البنك المركزي الخاصة بسعر الصرف، أظهرت عدم تنسيق واضح بين مجمل السياسة النقدية والسياسة المالية.
وأكد رئيس مركز النيل للدراسات الاستراتيجية د. عبد الخالق فاروق من جانبه، أن مشروع قناة السويس الجديدة التي تم افتتاحها حديثاً، سيكون رافعة مهمة للتنمية الاقتصادية بمصر، لا سيما إذا كان الغرض من إنشائها الاندماج، وخلق بيئة ملائمة لمشروع تنمية محور قناة السويس الأساسية.