غزل قادة: ارتبطنا بكلمة شرف
روزانا رمّال
يقف أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أمام جمهوره في أكثر الأيام وجدانية وحضوراً في نفوسهم وهو 14 آب، ويطلّ عليهم من وادي الحجير المكان الذي كان كفيلاً بزرع الرعب والعار في صفوف جنود الاحتلال الاسرائيلي، هذا المكان الذي لن ينسوا انه قدم نموذجاً ركيكاً عن الجاهزية العسكرية والنفسية وحتى اللوجستية أمام رجال حزب الله، فوادي الحجير أكد للقيادات العسكرية الكبرى عدم جدوى اللجوء الى القصف الجوي لإحراز تقدم في ايّ حرب ممكن ان تنشأ، هو يوم مجيد مرّ على لبنان وتاريخه.
في لبنان يربط حزب الله مصير حلفه بموقف العماد عون ومشورته، هذا الحزب الذي استعان أوباما امام الكونغرس بصواريخه لتبرير حجته ودعم موقفه بالتوجه نحو ايران لحلّ الملف النووي أمام اعضائه يضع نفسه بتصرف العماد عون ويؤكد انه يعرف متى يردّ الجميل ولو رهن موقفه بإرادة شخص.
يتجسّد معنى القيادة الواثقة من الرصيد الذي بني شعبياً وسياسياً وعسكرياً بكلام السيد نصرالله والتوضيح الهام الذي وضعه بين يدي الخصوم بتذكيرهم انّ الرهان على الخلافات وترك العماد عون في الشارع لوحده هو رهان خاطئ جداً، فنحن جاهزون، قائلاً: «اننا في حزب الله لا نقبل أن يكسر او ان يعزل أي من حلفائنا، وخصوصاً الذين وقفوا معنا في حرب تموز ووضعوا رقابهم مع رقابنا ومصيرهم مع مصيرنا، أقول للجميع هذا الموضوع كما هو موضوع سياسي هو موضوع أخلاقي يستحق التضحيات، وباعتبار المستهدف في هذه الأيام هو العماد عون أنا أقول أنكم لن تستطيعوا عزل العماد عون وهو ممر إلزامي لانتخابات الرئاسة، ونحن ملتزمون بهذا الموقف وانه ولكي تكون الحكومة منتجة فإنّ ممرها الإلزامي هو ميشال عون، وإذا كان هناك من يظن انه يمكنه ان يدير البلد من دون مكونات أساسية في البلد هو واهم، وواهم من يظن أنّ إيران تضغط على حلفائها في ملف الرئاسة».
يعلن السيد نصرالله حلفاً سياسياً لا يعرف المصالح والرهانات لأول مرة تشهده الساحة السياسية اللبنانية يعترف بالأخلاق والجميل والعرفان وهو ما يبعد كلّ البعد عن لغة الساسة والسياسيين، يخاطب نصرالله جمهوره بهذه العقلية القادرة على زرع الرغبة بالتعاون والتعاضد مع شركاء الوطن تماماً كشركاء في العائلة يجمعهم نفس الأب والام والجميل المتبادل عند الملمات.
يؤكد السيد نصرالله انّ عون في أزمة وانّ حزبه لن يتركه، فهو «لم يتركنا ونحن في ازمتنا الكبرى، يوم كان العالم يشن حرباً لسحق حزب الله فوقف معنا قبل ان ننتصر فوقفته مبدأ ونحن ايضا نقف معه لانّ الامر مبدأ ولا نقبل بهزيمة حلفائنا».
يردّ العماد عون على كلام السيد نصرالله في مقابلة تلفزيونية والتأثر واضح على وجهه يعبّر عن عاطفة كبيرة نحو السيد نصرالله وعن شيء ما يجمعهما قائم على الصدق والأمان، فيقول: «مهما اقول بحقه دائماً أشعر اني مقصّر»، تلمع عينا ميشال عون تأثراً ويقول: «ارتبطنا بكلمة شرف»!
يقدّم نصرالله وعون نموذجاً جديداً يتخطى عالم السياسة المليء بالاسوداد والبعيد عن العاطفة كلياً، لكن هذا النموذج يؤكد اختصاصي في علم النفس انه لا يمكن ان يبدر او يخرج الا عن شخصية قوية ونافذة غير قلقة منسجمة مع نفسها وغير مقيّدة بخطوط حمراء تفرضها المصالح، والتي اذا تمّ تخطيها تؤثر سلباً عليها، ويقول: وحدهم القادة الحقيقيون قادرون على ذلك لثقتهم بالعلاقة المتينة بجمهورهم التي تخطت المصلحة هي الأخرى وتحوّلت وجداناً».
لا يبالي رئيس تكتل التغيير والاصلاح كثيراً إنْ أظهر هذا الكمّ من العاطفة على الهواء مباشرة لسيد المقاومة، والذي تأثر معه اللبنانيون بشكل كبير وبينهم بالتأكيد من تفاجأ بهذه الشفافية.
بالنسبة إلى عون فإنّ الحديث عن قائد بحجم السيد نصرالله حقق أكبر انتصارات العرب قليل، ولكن وبالرغم من هذا فهو لا يبالي أيضاً بأنّ هذا الكمّ من الانسجام والمحبة والوجدانيات الموجودة في هذه العلاقة بطريقة او بأخرى هي واحدة من أبرز العوامل التي تؤثر على مستقبله الرئاسي.
يعرف عون جيداً ان تحالفه مع حزب الله هو السبب الأساسي للفيتو الذي وضعته السعودية على اسمه، ومع ذلك فهو لا يبدو انه قد تراجع او بوارد التراجع امام رغبات الخارج، وكأنه يقول: «أنا لا اتخلى عن مبادئي وهذه المرة عن مشاعري ابداً من اجل الرئاسة، واذا كانت ضريبة الوصول الى الرئاسة فك التحالف مع حزب الله فانا لا اريدها».
ومهما كان الأمر، فإنّ الوسائل والغايات التي يجب ان تحكم قادة أحزاب جماهيرية وشعبية كحزب الله والتيار الوطني الحر تغيّرت وتبدّلت بفعل النموذج الإنساني والأخلاقي بين قادة رسموا منهجاً جديداً للعلاقات بين الأحزاب وأبناء الوطن الواحد والقلب الواحد.