السيد وكيري ـ اقتراح طائفي من علماني
ناصر قنديل
– جواب سماحة السيد حسن نصرالله على من يتهمون حزب الله بالسعي إلى إبقاء الشغور في رئاسة الجمهورية لأنه يريد المثالثة بين الشيعة والسنة والمسيحيين، تضمّن الشواهد والمعلومات عن الطرح الفرنسي للإيرانيين والجواب الإيراني ومعادلات منطقية إيحائية عمّن يريد المثالثة ويرميها علينا، لكن قمة الإبداع السجالي كانت في قوله وفق قواعد علم الكلام، إذا أردتم اختبار مصداقيتنا برفض المثالثة فنحن نعلن جاهزيتنا غداً للذهاب إلى انتخاب المرشح الرئاسي المسيحي القوي، وهو طبعاً العماد ميشال عون، وهذه فرصة لمن يتمسك بإسقاط المثالثة إذا كانت سبباً جدياً للقلق عنده، فيجب أن يتقدم سعيه لإسقاطها على التفاصيل الرئاسية، فتعالوا ننتخب العماد عون و»يا دار ما دخلك شر»، وكذلك في ردّه على نداء واستغاثة جون كيري الموجهة إلى حزب الله للمساعدة في الحلّ السياسي في سورية، فالسيد لم يتجاهل ولم يتناول الكلام بالتصريح، بل قدم الجواب اللازم بنضج ومسؤولية ووضوح من دون أن يدخل في التسمية، لكنه عملياً قال لكيري: نحن مستعدون للمساعدة في الحلّ السياسي لكن لا حلّ سياسياً بإنكار نتائج الانتخابات، ولا حلّ سياسياً إلا بالتسليم بهذه النتائج، وكلّ حلّ سياسي يبدأ وينتهي بالرئيس بشار الأسد، ووفقاً لهذه القواعد نحن مستعدون للمساهمة في أيّ مسعى للحلّ السياسي.
– الموضوع اليوم هو النقاش الدائر حول كيفية ممارسة الحكومة لصلاحيات رئيس الجمهورية في حال شغور كرسي الرئاسة لا يطاول سوى حق التوقيع على المراسيم، وهو الحق الذي يمثل إحدى أهمّ صلاحيات رئيس الجمهورية، وربما يتفاجأ الكثيرون إذا قلنا إنّ نص الدستور على اعتبار السلطة الإجرائية مناطة بمجلس الوزراء مجتمعاً لا تتطابق مع الممارسة التي يصدر فيها تقريباً ثلثا المراسيم من دون علم مجلس الوزراء، بتوقيع رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير المالية والوزير المختص باعتبارها لا تستدعي قراراً من مجلس الوزراء، وعلى رغم أنّ هذا صحيح لجهة أنّ المراسيم غالباً ما تكون تنفيذاً لمضامين قرارات صادرة عن مجلس الوزراء أو لتسيير العمل البديهي للمؤسسات، فإنّ الصلاحية هي بحجب التوقيع عن المراسيم المشابهة عن حالات مماثلة، وهو حق يعود استنساباً إلى توافق رئيسي الجمهورية والحكومة، لتنشأ عملياً في ظلّ الطائف ثنائية سلطوية رئاسية هي ثنائية المراسيم التي يوقعها الرئيسان من خارج مجلس الوزراء، ولذلك فالنقاش حول صلاحية التوقيع وكيفية ممارستها له وظيفة ميثاقية ووظيفة إجرائية، فمن الزاوية الميثاقية يجب تثبيت أعراف لممارسة صلاحيات مرحلة الفراغ الرئاسي بما لا يهونها ويقدم الممارسة التي تقول إنّ الدولة قادرة على السير بلا رئاسة جمهورية، ومن جهة مقابلة ميثاقية أيضاً لا يجوز أن يكون غياب المركز المسيحي الأول في الدولة قابلاً للتسيير بتوقيع رئيس الحكومة تحت شعار أنّ المراسيم الإجرائية التي كان يوقعها الرئيسان والوزير المختص يمكن توقيعها من رئيس الحكومة المسلم مرتين مع الوزير المختص بلا التوقيع المسيحي، آخذين في الاعتبار أنّ أحد شروط ممارسة الحكومة لصلاحيات الرئاسة في مرحلة الشغور هي اعتماد النطاق الضيق لإدارة شؤون الدولة، بما يعني تفادي القرارات الكبرى وهي طبيعياً القرارات التي تستدعي التصويت عليها في مجلس الوزراء، بل الاكتفاء بحدود الممكن بتسيير شؤون الدولة ريثما يُنتخب الرئيس، بما يعني ارتفاع نسبة المراسيم التي كان يوقعها الرئيسان والوزير المختص إلى أكثر من الثلثين بكثير، ولذلك يصبح البحث بمن يوقع هذه المراسيم هو عملياً من يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية في حال الشغور، والنقاش بين خياري التوقيع التقليدي لرئيس الحكومة وتوقيعه بدلاً من رئيس الجمهورية ومعه الوزير المختص يعني وضع رئاسة الحكومة يدها على صلاحيات رئيس الجمهورية، أما المفاضلة مع توقيع كلّ الوزراء على هذه المراسيم، فهي مفاضلة بين خيارين سيّئين ومسيئين، فتواقيع كلّ الوزراء مهزلة معيبة والتوقيع التقليدي لا ميثاقي، لذلك يجب البحث عن تثبيت عرف خاص بمرحلة الفراغ يأخذ كلّ العناصر الواجبة ميثاقياً في الاعتبار، ويمنع استسهال استصدار المراسيم التي كان يضبطها استنساب الرئيسين بهويتيهما الطائفية والسياسية، كما يمنع استسهال الفراغ نفسه والإيحاء أنّ البلاد تسيّر أمورها بشكل طبيعي بلا رئاسة جمهورية وضمناً بلا المكوّن المسيحي، وأحد الصيغ الواجب مناقشتها هو أن يوقع على المراسيم جميعاً بلا استثناء في مرحلة الشغور الرئاسي، سبعة هم رئيس الحكومة ونائبه وخمسة وزراء يمثلون الكتل الأكبر في الحكومة، من الشيعة والدروز والموارنة والكاثوليك والأرمن، وبينهم بالتأكيد سيكون وزير المالية والوزير المختص ممثلين لطائفتيهما، هذا الاقتراح مطروح للنقاش من علماني لا يؤمن بالطائفية، لكنه يمقت ويحتقر تذاكي بعض الطائفيين باسم الدستور واللاطائفية والعلمانية، عندما يخدم الخطاب اللاطائفي اعتداءهم على طوائف أخرى لحساب طائفيتهم، لكنهم لا يستحون من إعلان الحرب الطائفية عندما تستدعي منهم اللاطائفية التنازل عن حرف للدستور من حساب طائفيتهم المريضة.