حزب الله: فائض القوة والقيمة المضافة
ناصر قنديل
– يعرف حزب الله رسم قواعد لعبته الاستراتيجية جيداً، فهو يدرك أنه خرج من حرب تموز بفائض قوة أثبتت تسوية الدوحة، على رغم عملية السابع من أيار، أنّ المساحة الشيعية لا تتسع للمزيد فيها، وأنّ التركيب الطائفي للنظام اللبناني يفرض عليه البحث عن كيفية صرف فائض القوة في قلب نظام هو تركيب هشّ داخلياً لمعادلات الخارج عبر تجيير هذا الفائض لحساب مكون طائفي يوضع تقليدياً في رصيد خصوم خيار المقاومة التي يمثل حزب الله طليعتها وعمودها الفقري، فيتحوّل فائض القوة إلى قيمة مضافة مرتين، مرة بتعديل ميزان القوى السياسي الحاضن للمقاومة باكتساب مواقع حاسمة في الدولة تحسب على هذه الطائفة، ومرة بتظهير مصداقية التحالفات التي يخوضها فيتراكم معنى الوفاء السياسي بشعور بالرضى لدى جمهور هذا المكوّن الطائفي بدلاً من الإحباط الذي يجلبه الشعور بالتهميش.
– خاض حزب الله تجربته الأولى في الطائفة الدرزية بتجيير فائض قوة السابع من أيار لحساب حليفه النائب طلال إرسلان، ثم في الطائفة السنية من خلال فتح الطريق لرئاسة الحكومة أمام القيادات التي همّشها تيار المستقبل في طائفته، وكانت تجربة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وإذا كانت التجربة الأولى قد نجحت في خلق نسبة ما من ثنائية درزية، إلا أن مكانة وحجم الطائفة ونوعية المناصب والمواقع التي تحسب لها في الدولة لا تتيح الرهان على إحداث تغيير كبير عبر هـذه الثنائيـة، بينما كانت النتيجة في التجربة الثانية فشـلاً ذريعـاً، فقـد ثبـت أن القيادة الضعيفة في طائفتها تستجدي القوة من الزعامة القوية فيها، حتى صار ما يمنـح من تنازلات للرئيس نجيب ميقاتي أكبر مما يمكن أن يطلبـه سعد الحـريـري لـو كـان هـو رئيس الحكـومة.
– تقول تجربة العماد ميشال عون مع حزب الله شيئاً شبيهاً بالذي تقوله التجربة مع سورية مع حفظ فوارق الأحجام والأدوار والخصوصيات، لكن في الحالتين زعامة حقيقية مستهدفة لخيار المقاوم الواقف مع حزب الله، وبنية شعبية صلبة تقف وراء الزعامة، وفي التجربتين مع العماد ميشال عون والرئيس بشار الأسد يشكل الاستثمار الذي تقدمه المقاومة من موقف وتضحيات تعظيماً لمكانة المقاومة ومصادر قوتها، ويشكل انتصار الاستثمار فائض قوة جديداً، بينما يشكل النصر بذاته قيمة مضافة بتحويل قوة المقاومة المتراكمة إلى حالة سياسية، اسمها في سورية دولة قوية في خط المقاومة واسمها في لبنان رئاسة جمهورية ذات غطاء شعبي وازن تساند المقاومة.
– رسم حزب الله استراتيجيته بتوظيف فائض قوته الناتج والمتعاظم من حروبه مع «إسرائيل» والإرهاب في حساب كلّ من حليفيه الرئيسيين الرئيس الأسد والعماد عون، وهو واثق من صوابية الخيار، فزمان القول للمقاومة كوني جميلة واصمتي قد ولى مع زمن الهزائم، وفي زمن الانتصارات تخوض المقاومة استعداداتها وجاهزيتها لأيّ حماقة «إسرائيلية» وهي لا تتأثر بأن تقف إلى جانب سورية ورئيسها تقاتل في الميدان ضدّ الإرهاب، لكنها تؤكد أنّ ذلك لا يصرفها عن الجبهة الثالثة التي يجسّدها الداخل اللبناني بالاستعداد للوقوف حتى آخر الطريق مع العماد ميشال عون.