«النصرة»: خدمة بقاء «القاعدة»

عامر نعيم الياس

يؤثر الصراع القائم بين تنظيمَي «داعش» و«القاعدة» في باكستان على هيبة الأخير، كما يؤثر على فاعليته في إدارة المعركة المفترضة مع الغرب أو مصطلحاً ما يسمى «الكفار»، فالوقائع الميدانية تثبت أنها الفيصل في الترويج لهذا التنظيم أو ذاك، دافعةً بالاهتمام الإعلامي إلى حدوده القصوى وهو ما يصب في خانة تعزيز نفوذ هذه التنظيمات من حيث تدري أو لا تدري، مع أنها تدرك تماماً أهمية هذه المعركة.

وهنا يقول أيمن الظواهري في أحد رسائله إلى أبو مصعب الزرقاوي الذي كان منضوياً تحت جناح تنظيم «القاعدة» بقيادة أسامة بن لادن «إننا في معركة، وأكثر من نصف هذه المعركة تجري على ساحات وسائل الإعلام. نحن في معركة إعلامية في سباق لاستمالة عقول أبناء الأمة وقلوبهم».

يواجه تنظيم «القاعدة» المركزي في باكستان الفشل على صعيد إدارة المعركة الإعلامية مع تنظيم «داعش». كما يواجه الفشل إذا ما نظرنا إلى حجم عمليات القتل الدموي للمنظمتين الجهاديتين الأولَيَين على مستوى العالم، فـ«داعش» يرتكب مجازر مروعة بشكل يفوق «القاعدة». لكن على رغم ذلك، فإن النظر إلى «القاعدة» باعتبارها تنظيماً مركزياً يحرك باقي أذرعه سواء في اليمن المسمى «تنظيم القاعدة في جزير العرب» بقيادة ناصر الوحيشي، أو سواء في سورية المسمى «جبهة النصرة» تحت قيادة أبي محمد الجولاني، يحرف الأمور عن نصابها، خصوصاً في الحالة السورية. فما يجري في منطقتنا ينقل بؤرة «القاعدة» وقوة تركيزها من أفغانستان وباكستان إلى اليمن وسورية على التوالي. فتنظيم «القاعدة» في اليمن استطاع حتى اللحظة تلافي تمدد «داعش»، ولا يزال يشكل صلة الوصل في المنطقة بين التنظيم الأم وحركة الشباب في الصومال ويدير نشاط «القاعدة» في مجمل منطقة الخليج، كما أنه لا يزال في بؤرة التركيز الإعلامي الغربي والعدو رقم واحد في هذه المنطقة. أما في سورية، فإن «جبهة النصرة» ومحاولات تلميعها تحت مسمى «جيش الفتح»، فضلاً عن الدينامية المرنة لقيادة المجموعات الإسلامية على الأرض السورية، وضعت «النصرة» في روح الرهان الميداني على التقدم على الأرض السورية، وتحت غطاء أميركي، وما مطالبة «النصرة» بفكّ التحالف عن «القاعدة» إلا لتبرير غضّ الطرف الأميركي عن التحالف الإقليمي لمواجهة الجيش السوري في شمال البلاد تحت مسمى «جيش الفتح».

إن دور «النصرة» في سورية ونجاحها في احتواء نفوذ «داعش» واندفاعتها في سورية السنة الماضية، نقل بؤرة التركيز من تنظيم «القاعدة» المركزي إلى الأذرع الفرعية للتنظيم، التي بدورها هي الأخرى لم تجرؤ على الانفصال عن «القاعدة» كما الحالة السورية إدراكاً منها خطورة هذا الأمر على قاعدتها الأساسية من المناصرين والمقاتلين الذين من المتوقع أن يتوجهوا للقتال تحت راية «داعش»، وبالتالي يجب رؤية الصراع بين «القاعدة» و«داعش» وأرجحية طرف على آخر من منظور تناول نشاط «القاعدة» كونها شبكة لها أذرعها الدولية التي تنقل مركزية القرار وتأثيره من منطقة إلى أخرى، لا باعتبارها تنظيماً مركزياً يملك وحده القدرة المباشرة على السيطرة والتحكم.

وفي هذا الإطار يقول هارون زيلين في دراسة له في المركز الدولي للتطرف: «تبقى الأسئلة مطروحة حول تأثير تنظيم داعش على قوة القاعدة ومستوى التعاون في شبكتها وهذا أمر لا مفر منه نظراً إلى تعقيد القضايا وصعوبة الحصول على معلومات موثوقة. والحقيقة هي أن الاستراتيجية الأنشط التي يتبعها تنظيم داعش في التجنيد والإنتاج الإعلامي تزيد بشكل ملحوظ على ما تقوم به فروع القاعدة، ومع ذلك فحتى لو كان الظواهري يلتزم الصمت فالشبكة لم تختفِ ولم تزل، وبينما تعاني القاعدة في باكستان من الضعف الشديد، تشهد نجاحات الشبكة الكبرى تنوعاً أكبر».

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى