ليبيا… ساحة الإرهاب الأخطر عالمياً
حميدي العبدالله
حتى وقت قريب كان الاعتقاد السائد أنّ سورية هي أكثر الدول التي تشكل تهديداً للاستقرار في المنطقة والعالم نظراً إلى تجمّع أكبر عدد من الإرهابيين على أراضيها جاؤوا من 83 دولة، وفقاً لإحصائيات تداولتها وسائل الإعلام الغربية، إذ ناهز عدد هؤلاء الإرهابيين أكثر من 11 ألف إرهابي، ما عدا الذين قتلوا على أيدي الجيش العربي السوري والذين بلغ عددهم وفقاً للإحصاءات الغربية أيضاً أكثر من 10 آلاف إرهابي تلقوا في سورية تعبئة إيديولوجية وحصلوا على تدريب عسكري على جميع أنواع الأسلحة، إضافة إلى القدرة على التخطيط لأعمال عسكرية واسعة تتجاوز الهجمات الإرهابية المنفردة، كما حصلوا على المزيد من الأموال، وتوافر لهم غطاء سياسي بوصفهم «مجاهدين» إذ لا تزال بعض وسائل الإعلام الغربية تصفهم بالثوار أو المجاهدين، ولم تطلق عليهم البتة لفظة إرهابيين.
بسبب ذلك كلّه كانت التوقعات تشير إلى أن تجمع الإرهابيين بهذه الأعداد التي فاقت أعدادهم في أفغانستان، وحصولهم على كل هذه المزايا، يحوّلانهم إلى خطر كبير على دول المنطقة وحتى على العالم، سواء انتصروا في سورية أو انتصر عليهم الجيش والدولة السورية، فبعد أن يفرغوا من سورية سوف يتجهون إلى دول أخرى.
لكن ثمة الكثير من المعطيات التي تشير إلى أن ليبيا بدأت تتحوّل إلى الساحة الأخطر التي تهدّد العالم بالأعمال الإرهابية:
أوّلاً، لأن سورية، وتحديداً الجيش العربي السوري يتكفل الآن احتواء هذه الظاهرة والقضاء عليها عبر عملياته الواسعة والنجاحات التي حققها ضد الإرهابيين وسقوط أعداد كبيرة منهم.
ثانياً، لأن ليبيا ليست لديها قوات مسلحة مثل الجيش العربي السوري قادرة على احتواء الإرهابيين الموجودين على أراضيها، والمحتشدين الآن بقوة هناك. فليبيا اليوم تحتضن آلاف الإرهابيين على أراضيها، واستطاعت تنظيمات «القاعدة» تجنيد مئات بل ألوف الشبّان الليبيين في ظل غياب وجود الدولة، كما أن حدودها من سائر الجهات سائبة ويسهل على الإرهابيين الآتين من الخارج التجمع داخل البلد. إضافة إلى ذلك، ليبيا دولة نفطية، ويمكن الحصول على عائدات من بيع النفط كافية لتمويل الجماعات الإرهابية دونما حاجة إلى الحصول على الدعم من دول خارجية والارتهان لقرارات الدول الممولة وتوجّهاتها. كما أن الجماعات الإرهابية استولت على مستودعات الأسلحة التابعة للجيش الليبي بعدها أسقط الناتو نظام معمر القذافي، ومعروف أن ترسانة القذافي من الأسلحة التي يحتاج إليها الإرهابيون كفيلة بتسليح عشرات الألوف. ولليبيا حدود مشتركة مع دول ينشط فيها الإرهاب منذ فترة طويلة مثل الجزائر وبعض هذه الدول لا ينشط فيها الإرهاب فحسب، بل تفتقر إلى وجود جيوش قوية مثل مالي والنيجر، أو دول انحسر فيها وجود الدولة المركزية لمصلحة جماعات مسلحة مثل السودان، أو دول لديها دولة وجيش قوي لكنّها تعيش اضطراباً سياسياً وأمنيّاً حاداً مثل مصر. وهذا الواقع الجيوسياسي يحول ليبيا إلى ساحة نموذجية لتجذّر الإرهاب، وتصاعد نشاطاته، وقابليته لتحقيق مكاسب استراتيجية وليس تكتيكية، كما كان يحدث في أماكن أخرى، فليبيا اليوم هي أخطر من الصومال للأسباب التي مرّ ذكرها.
هذا الوضع يشكّل معضلة حادة للدول التي تسببت بسقوط الدولة الليبية وأشاعت الفوضى فيها، وتحديداً الولايات المتحدة. وتكمن هذه المعضلة في معادلة مثلثة البعد:
البُعد الأول، لا وجود لجيش أو قوات مسلحة ليبية قادرة على احتواء ظاهرة الإرهاب وحصرها في حدود ليبيا والقضاء عليها لاحقاً.
البُعد الثاني، لا يمكن القضاء على ظاهرة الإرهاب بضربات جوية على غرار ما جرى في مواجهة الجيش الليبي ونظام القذافي، فالضربات الجوية تقوّي الإرهاب ولا تقضي عليه.
البُعد الثالث، ليست هناك دولة، خصوصاً الولايات المتحدة والدول الأوروبية، على استعداد لإرسال قوات برية لمحاربة الإرهاب والقضاء عليه في ليبيا.