السيّد والعماد لا يؤثِران التسويات فهل تتشارك الأعلام الصفراء والبرتقالية في الشارع؟
هتاف دهّام
لم يحسم محور حزب الله – سورية إيران الحرب لمصلحته على صعيد المنطقة بجني انتصارات، لكنه لم يهزم أيضاً، وإزاء ذلك، لم يصل هذا المحور بعد الى مرحلة فرض رئيس للجمهورية في لبنان، وربما لن يصل الى ذلك، لقد أبلغت الجمهورية الاسلامية الايرانية كلّ من يعنيه الأمر في الخارج والداخل انها لن تتدخل في الانتخابات الرئاسية، ودعا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه لمناسبة السنوية التاسعة للانتصار على العدو الإسرائيلي عام 2006، إلى لبننة الحلّ وعدم انتظار المداخلات الخارجية. أعاد السيد تصويب الخلل الشائع محلياً وهو أنّ الحلّ في الخارج في حين أنّ الحلّ في الداخل، وإذا أراد الفريق الآخر أن يكابر ويستمرّ في رفضه التحاور مع رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال يكون يريد أن تبقى الأزمة إلى ما لا نهاية.
ارتفع سقف دعم الأمين العام لحزب الله للعماد عون الى سقف غير مسبوق في التعاطي مع أيّ من حلفائه في شكل مطلق، متجاوزاً مفاعيل عبارته الشهيرة في احتفال النصر في أيلول 2006 إنّ لحلفاء المقاومة، ديناً عليها ليوم الدين لمواقفهم المشرّفة بالوقوف معها والى جانبها إثر العدوان.
كان السيد نصر الله حاسماً في خطاب وادي الحجير بأنه لن يسمح باستفراد العماد عون أو كسره وهذا يشكل رداً سريعاً على بعض الأصوات في الداخل التي هدّدت رئيس التغيير والإصلاح بقائد الجيش العماد جان قهوجي. وعطف هذا الدعم على عبارة بالغة الخطورة تستعمل للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف الطائفة القائدة، وانّ عقلية الطائفة القائدة يجب أن تخرج من العقول. وكأنّ السيد يجهض مفاعيل اتفاق الطائف الذي جعل الطائفة السنية هي الطائفة القائدة ومن تيار المستقبل التيار القائد.
أراد السيد، كما تشير مصادر مطلعة لـ»البناء»، أن يقول إنّ المسألة من الآن وصاعداً لم تعد مسألة تعيينات عسكرية وأمنية أو مقاربة لآلية عمل في مجلس الوزراء، بل باتت مسألة نظام إما يقوم على الشراكة وإما إعادة النظر في كلّ شيء.
ربح العماد عون أكثر مما كان هو بذاته متوقعاً، أسمع السيد نصر الله الجميع أنه لن يتركه وحده في الشارع، وقد يأتي يوم ترفرف فيه الأعلام الصفراء الى جانب الأعلام البرتقالية، وهذا مرتبط بطبيعة التحديات التي سيواجهها الجنرال وكيفية التعاطي معه، فإذا كان الفريق الآخر يريد أن يحوّل حركة الجنرال الى مراوحة في مأزق أو صرخة في وادٍ، فإنّ الضاحية لن تسمح بإيصال المسار الى هنا وستؤازر الرابية بأشكال مختلفة.
ويرى المراقبون أنّ خطاب السيد نصر الله في الفقرة المتعلقة بالشأن الداخلي حسم انتصار التيار الوطني الحر في مواجهة تيار المستقبل بعد أن جعل العماد عون ممراً إلزامياً لكلّ قرار وطني كبيراً كان أو صغيراً. وهذا ما لم يكن رئيس التغيير والاصلاح نفسه ينتظره، ولم يكن تيار المستقبل يتوقعه، وشكّل مفاجأة لبعض أفرقاء 8 آذار، على رغم أنّ أوساطاً مطلعة رأت أنّ العقدة ليست عند الحلفاء، فالخلافات التكتيكية قابلة للتجاوز وعندما تحين لحظة الحقيقة لن يقف هؤلاء إلا في صف العماد عون.
ألزم السيد نفسه وجنرال الرابية في المصير نفسه في السراء والضراء، وبما انّ التيار الأزرق لا يملك القدرة على هزيمة العماد عون وحزب الله مجتمعين سيكون الجنرال حقق المرحلة الأولى من مرحلة الانتصار على عملية عزله، ويبقى أمامه المرحلة الثانية وهي حسم المواجهة لمصلحته وهذا يتطلب فعلاً مزدوجاً من فريق 8 آذار مجتمعاً من جهة ومن جماعة 14 آذار لتقبل الواقع من جهة أخرى. بيد أنّ الوقت لم يحن بعد عند تيار المستقبل الذي تبلّغ من السعودية، بحسب أوساط سياسية، إبعاد الملف السياسي عن أي حوار داخلي وإبقائه في «ثلاجة انتظار» لمعالجة الوضع اليمني ومعرفة اتجاه الحلّ في سورية.
ويؤكد وزير العمل السابق سليم جريصاتي لـ»البناء» أنّ السيد نصر الله هو قدر جميل للبنان، وأنّ كلامه الأخير بالإحاطة بالوضع اللبناني من جوانبه كافة يدلّ مرة أخرى أنّ سيد المقاومة عبَر ويعبُر إلى الدولة في كلّ حين، بينما يتخلف أهل السلطة أنفسهم عن الحفاظ على أدنى مقومات الدولة، فهو يدعو إلى الحوار والوحدة الوطنية والفريق الأكثري يبعثر روافد القوة وينقض على الشراكة الوطنية التي هي عنوان الطائف العريض، فيمدّد لأكثريته المتسلطة عنوة وتكرّراً، ويمنع على الشعب حق التعبير عن رأيه وهو صاحب السيادة ومصدر كلّ السلطات، ويستأثر بالقرار الإجرائي، إلى حدّ أنه يرضى بأن يختزل وزير صلاحيات مجلس الوزراء كما حدّدها دستور ما بعد الطائف، فيلتفّ على الأقلية في معرض ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء حال خلو سدة الرئاسة. لذلك ليس عجباً ان يكرّر السيد نصر الله ما يقوله عن العماد ميشال عون وما يبديه من موقف متكرّر بالتأييد الكامل لانتفاضة الجنرال على إنكار الحقوق الوطنية الميثاقية والدستورية للمكوّن المسيحي، وهذه هي حال المكوّن الشيعي المقاوم المحاصر في السياسة اللبنانية والمستهدف باللحم الحي في الميدان وبالاتهامات الزائفة خارج ولاية القضاء اللبناني.
لقد تلقف جنرال الرابية، بحسب جريصاتي كلام السيد وجدانياً، فأضفى عليه طابعاً أخلاقياً بامتياز يسمو كل طابع آخر، وبالتأكيد الطابع المصلحي كما أضفى عليه أيضاً طابعاً وطنياً جامعاً ينطوي من أن من حق كلّ مكون أن يشارك في مفاصل الحكم وسلطات الدولة وفقاً للحجم التمثيلي بحيث يعقد اللواء للممثل الأقوى لكلّ مكوّن في تبوّء المواقع الدستورية والقيادية، هذه مقاربة يستقيم معها النظام والحكم في لبنان لأنها ترسي، وفق جريصاتي، قواعد الصيغة اللبنانية الحقيقية، فلا يهيمن مكوّن من مكونات الوطن أو يفرض عليه ممثلون في مختلف السلطات الدستورية والمواقع القيادية لا يأتمنهم الممثل الأقوى لهذا المكون، فيتمّ إنتاجهم في كنف مكونات أخرى تتوسّلهم للقضاء على التشاركية ولضرب ميثاق العيش المشترك.
يلفت وزير التغيير والاصلاح السابق، إلى «أنّ كلام السيد نصر الله على ما قال العماد عون هو كلام رجال الرجال الذي يكفي أن يتفوّه به هؤلاء كي تنعقد الالتزامات والتحالفات والتفاهمات، حالنا مع السيد نصر الله حال واحدة وهدفنا واحد وهو إنقاذ لبنان من براثن الإرهاب وعدوّ لبنان والأمة والتبعية والاسترهان للإملاءات الإقليمية على أنواعها. قالها السيد وقالها العماد، نحن لا نؤثِر عبارة التسويات بل نعتمد كلمة الحلول وكلّ حلّ يبدأ بإعادة التشاركية الوطنية إلى وضعها الطبيعي بمفهوم وثيقة الوفاق الوطني بدءاً من مجلس النواب مروراً بالحكومة وانتهاء برئاسة الجمهورية، فنرسي معاً بعد طول مخاض سلام الشجعان والأقوياء في وطن الأرز.
صحيح أنّ المرحلة الانتقالية والطوائفية قد طاولت وتشعّبت سلبياتها في الوطن الهزيل الا انّ التشاركية الحقيقية كما يقول جريصاتي تحدّ من أضرارها، فينجو لبنان حتى يستقرّ على دولة مدنية قوية يطمئن فيها كلّ مكوّن على مصيره حاضراً ومستقبلاً، فتذوب المكونات وتنصهر في الوطن في ظلّ دولة عادلة، تلك العدالة التي أصرّ السيد نصر الله ان تكون سمة الدولة راهناً كي نخرج من أزمتنا الخانقة ونلتفّ معاً كتفاً إلى كتف شعباً وجيشاً ومقاومة، سياجاً حامياً لوطننا على أبواب الحلول الإقليمية والدولية الكبرى.