هل ينقلب التيار الوطني الحر على المؤسسات؟
هتاف دهّام
جرّب التيار الوطني الحر كلّ أساليب التعاطي السياسي مع المكونات الطائفية في لبنان، ولم تؤدّ الى النتيجة المرجوة. خاض حواراً مع تيار المستقبل، انقضّ رئيسه سعد الحريري سريعاً عليه، عندما وصل الى الاستحقاق الرئاسي، فالعراب السعودي للحريري رفض بلغة لا لبس فيها وصول رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، وعرقل الحريري تعيين قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز قائداً للجيش بسبب صلة القربى التي تربطه بالجنرال، باعتباره أنّ وصول روكز الى اليرزة يشكل انتصاراً للرابية.
لم تنفع زعامة عون المسيحية الأولى وترؤسه ثاني أكبر كتلة نيابية في المجلس في وصوله الى بعبدا والأخذ برأيه في تعيين قائد للجيش، فهناك شبه إجماع طائفي على رفض الرئيس الأقوى، وعلى الاستئثار بصلاحيات رئيس الجمهورية، وانتزاع حقوق المسيحيين التي نص عليها الدستور بتأكيده على العيش المشترك والشراكة الوطنية. فهل ينفع وجود العماد عون في الخط الذي ربح الحرب في الشرق الأوسط؟ يؤكد أمين سرّ تكتل التغيير والاصلاح النائب ابراهيم كنعان لـ»البناء» «أن الجنرال عون لا يعوّل ولم يعوّل يوماً على متغيّرات خارجية في الملف الرئاسي، ولا نزال كتيار وطني على موقفنا ان تكون المناخات الداخلية هي الدافع الأول والأخير للوصول الى انتخاب رئيس بحسب المواصفات الدستورية والميثاقية التي نعبّرعنها دائماً، وإذا ساهم المناخ الإقليمي في ذلك، فزيادة الخير خير».
دفع تيار المستقبل التيار البرتقالي إلى التطرف، فلو أراد العماد عون اعتماد البراغماتية الحيوانية لكان وافق على كلّ شيء. وأمام ذلك، يؤكد كنعان أنّ «الوطني الحر» لم يضع سقفاً زمنياً لتحرّكه، فهو مرتبط بتحقيق المطالب، وبتعاطي السلطة والفريق السياسي الذي امتهن خلال 25 عاماً ضرب الحقوق الوطنية والدستورية والميثاقية للمسيحيين. ليس تحرك العونيين موسمياً أو عابراً، فنحن نحدد الزمان ونختار المكان والأسلوب والهدف من كلّ ذلك التعاطي معنا كشريك ولن نتراجع قبل تحقيق مطالبنا».
كان التمديد لقائد الجيش برأي النائب المتني آخر نقاط الكوب الممتلئ بالمخالفات والتجاوزات التي بدأت بمنع إقرار قانون الانتخاب الذي يحقق صحة التمثيل، والتمديد للمجلس النيابي، فضرب المجلس الدستوري وتعطيله، إلى ضرب التمثيل على المستوى الرئاسي وتمثيل التيار الوطني الحر على المستوى المسيحي والوطني في المسار الذي سلكته الحكومة في الكثير من الملفات التي نادينا بها، فكل هذه الانتهاكات تستهدف الديمقراطية وتداول السلطة وأحكام الدستور والميثاق في هذه الدول منذ 25 عاماً.
يدرك القاصي والداني ما يمثله تيار العماد عون في المجلس النيابي، فهو لديه 27 نائباً في البرلمان، 16 منهم من الموارنة. لا يريد أحد من الفريق الآخر أن يعترف، كما يقول كنعان، بهذا التمثيل السياسي في النظام، لا يريدون إجراء انتخابات نيابية، قبل الانتخابات الرئاسية، على أساس قانون انتخاب جديد يؤمّن المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وفقاً للدستور ووثيقة الوفاق الوطني، لا يريدون استطلاعاً للرأي أو انتخابات مباشرة من الشعب، كل هذا ماذا يعني؟ يعني أنهم يضربون عرض الحائط الديمقراطية وتطبيق الدستور والميثاقية، وهذا الأمر هو الذي دفعنا الى النزول للشارع من أجل احترام المعاييرالديمقراطية، فاستطلاع الرأي الذي طرحناه وقبل به الجميع بداية، تحوّل فجأة الى جريمة بحق النظام السياسي والطائفي، فقط لأنّ النتائج أظهرت أنّ العماد عون هو الأقوى مسيحياً.
حق العماد عون أن يطالب كونه يترأس أكبر كتلة نيابية ويشارك في الحكومة بإعطاء رأيه في تسمية قائد الجيش، فالرأي الأول يجب ان يكون له بحسب كنعان، الذي يشير الى اقتراحات كثيرة طرحت لإيجاد حلّ لأزمة التعيينات من رفع سنّ التقاعد للضباط، إلى ترقية الضباط إلى رتبة لواء وفقاً لاقتراح يقضي بترقية نواب رئيس الأركان وقادة المناطق وقادة المعاهد العسكرية إلى رتبة لواء بالإضافة إلى أعضاء المجلس العسكري، لكن «مرتا مرتا مشغولة بأمور كثيرة والمطلوب واحد ، وهو احترام الدستور وقانون الدفاع الذي يحدّد سن التقاعد الذي لم يعدّل.
إنّ اقتراح رفع سن التقاعد للضباط طرح بحسب كنعان من قبل وزير الدفاع سمير مقبل منذ نحو عام، ونحن كنا رافضين له واليوم يُعاد طرحه بعد أن أُدخل لبنان في هذا المأزق لإيجاد مخارج. صحيح أننا لسنا معارضين في المطلق لأي طرح ولكن لدينا ملاحظات عدة، ما يهمّنا هو الحفاظ على المؤسسة العسكرية وعلى الهرمية الموجودة فيها وعلى سن التقاعد لا أكثر ولا أقل. ضمن هذا الإطار نحن مستعدون للنقاش، لكن هذا لا يعني أننا طالبنا بذلك، هناك من يريد من الفريق الآخر أن يستدرجنا الى مواقف مخطط لها مسبقاً من قبله بطرحه بعض الأفكار، ثم برفضه لها. ويسأل لماذا التجاوزات التي تحصل بتأجيل تسريح قائد الجيش؟ هل هذا يفيد المؤسسة العسكرية أو احترام القانون وتداول السلطات؟ فإذا كانت أكبر كتلة مسيحية في لبنان لا كلمة لها في التعيينات التي تخصّ الطائفة المسيحية، فلمن الكلمة إذاً؟ فهم يريدون أن يعيّنوا قائد الجيش وأن يأتوا بالنواب المسيحيين وبرئيس للجمهورية، فهل هذه الشراكة وهل هكذا تطبّق الديمقراطية؟
ليست العلاقة بين التيار الوطني الحر وحركة أمل أفضل من العلاقة مع تيار المستقبل على رغم انها حليفة الحزب الأصفر الحليف الاستراتيجي للتيار البرتقالي. التباين كما يرى كنعان واضح في العلاقة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والجنرال عون. لا يلتقي الرجلان على التمديد ولا على تشريع الضرورة. تحتلف رؤية الرئيس بري للأمور عن رؤية عون، وأداء عين التينة الذي يراعي ظروفاً سياسية معينة، لا نلتقي عليه، نحن نرى الأمور من منظار آخر، فالرئيس بري اعتبر أنّ بإمكانه وضع جدول أعمال الجلسة التشريعية، بينما وجهة نظرنا تقول بضرورة أن يتفاهم معنا على جدول الأعمال في هذا الظرف الاستثنائي في ظلّ الفراغ الرئاسي وتشعّب الأمور.
تصرّ الرابية على أنّ المجلس النيابي غير شرعي، لكنه تقونن من قبل المجلس الدستوري، ولا يزال النواب العونيون، بحسب رئيس لجنة المال والموازنة، ينزلون الى ساحة النجمة يمارسون عملهم ضمن الأطر الموجودة كلجان وغير ذلك. ويرى كنعان أنّ المجلس بعدم عودته إلى الشعب وعدم تجديد ولايته لم يكسب شرعية شعبية، ورجل قانون كالرئيس بري لا يستطيع أن يقول عكس ذلك، وبالطبع هو يوافقنا الرأي.
ويضيف كنعان نحن ضدّ قرار قوننة المجلس النيابي، لكن لا يمكن لنا إلا أن نحترم المؤسسات، وعندما نبدأ بعدم احترام المؤسسات التي نخالفها نكون قد بدأنا بالانقلاب، ونحن لم نصل بعد إلى الانقلاب على النظام في لبنان، والسؤال عن إمكانية الوصول إلى الانقلاب افتراضي، حركتنا كما يقول النائب المتني هي للمطالبة باحترام القانون والمؤسسات الدستورية، نحن سنذهب إلى أعلى سقف في المطالبة بحقوقنا، لكننا لا نزال في الإطار الدستوري الذي يجيزه النظام ولا نخلّ بالأمن.
ليس التيار الوطني الحر في صدد العمل على عقد مؤتمر تأسيسي، ولا يرى أصلاً أنّ هناك اتجاهاً لذلك، فكلّ ما في الأمر، يقول كنعان، إنّ الفريق الآخر يستخدم المؤتمر التأسيسي فزاعة، فكلما أراد هذا الفريق أن يحدّ من حركتنا وحريتنا في التعبير يطلّ علينا بنغمة المؤتمر التأسيسي، فنحن لا نطالب الا بتطبيق الدستور ونضغط باتجاه احترام الدستور من قبل تيار المستقبل.
يدعم حزب الله الرابية في تحركها، ويذهب معها الى النهاية، يؤيد مواقف وزيري التيار جبران باسيل والياس بو صعب في الحكومة، ويجري اتصالات ومشاورات ويوظف علاقته باتجاه دعم العماد عون، هذا ما يؤكده أمين سر التكتل، لكنه يشير إلى «أنّ أسلوب حلفائنا يختلف عن أسلوبنا، يدعموننا في تحركاتنا المحقة وفي الموقف السياسي، والجنرال لم يطلب من أيّ من الحلفاء النزول معنا بغض النظر عن التنسيق والتشاور، نحن معنيون بما نقوم به وسنستكمل هذه التحركات وهذا المسار سواء شارك اللبنانيون معنا أو لا.
تأخذ «القوات اللبنانية» بدورها كما يعلن كنعان موقفاً جيداً من مطالبة العماد عون بحقوق المسيحيين، ويغمز من إشارة رئيس جهاز الاتصال والإعلام في «القوات» ملحم رياشي، «أننا لن نترك من يدافع عن حقوق المسيحيين وحيداً على رغم الاختلاف في أسلوب الدفاع عن هذه الحقوق»، ويلفت النائب العوني إلى «أنّ إعلان النوايا نجح إلى حدّ ما، فهو أزال غريزة الحقد التي تراكمت على مدى 30 عاماً، فكلّ اختلاف اليوم لن يتحوّل الى خلاف وكلّ التقاء سيبنى عليه. ويشدّد على «أنّ التيار الوطني يلتقي مع «القوات» على ضرورة تغيير قانون الانتخاب، وعلى مواصفات الرئيس القوي للجمهورية وتشريع الضرورة واستعادة الجنسية، لكننا نختلف على التمديد وعلى القانون الارثوذكسي والصراع الدائر في المنطقة والنظرة الى سورية ومن المقاومة. يرى عراب إعلان النيات أنّ هذا المولود الجديد من الممكن أن ينمو ويكبر وأن تتشعّب منه أمور كثيرة تصبّ في مصلحة اللبنانيين.
في موازاة كلّ ذلك، تتواصل داخل أروقة مكاتب البرتقاليين التي تشهد حركة نشطة، التحضيرات لانتخابات رئاسة التيار الوطني الحر التي ستجري في 20 من ايلول المقبل. يحاول البعض أن يستهدف الجنرال عون من خلال هذه الانتخابات الداخلية مستغلاً الصراع الدائر بين صهره الوزير جبران باسيل من جهة والنائب آلان عون من جهة أخرى. وفي انتظار ان تفتح ابواب التقدم بالترشيحات الخميس المقبل، تجري داخل صالونات التيار وفي صالونات 8 آذار أحاديث حول أهمية أن يقدِم العماد عون على تأجيل الانتخابات إلى حين تقاعد العميد شامل روكز في 15 تشرين الأول وإسناد رئاسة التيار له كونه الوحيد الذي يتوحّد العونيون حوله، كونها خطوة تصبّ في مصلحة التيار الوطني الحر الذي يتعرّض لحرب إلغاء من قبل تيار المستقبل.
وفي السياق يؤكد كنعان «أنّ هذا الأمر غير مطروح حالياً، فالعميد روكز ضابط في الجيش حتى إشعار آخر». ويشير إلى «أنه يسعى الى حلّ توفيقي، بعلم العماد عون وتشجيعه، يقوم على التشارك في بعض المواقع القيادية واعتماد الشراكة في اتخاذ القرارات في المجلس السياسي، لأنّ المطلوب، كما يقول أمين سر التغيير والإصلاح، أن تكون انتخابات التيار ديمقراطية، ونحن نسعى الى أن تكون كذلك، فهذه أول تجربة للتيار، وهي تجربة رائدة في الأحزاب اللبنانية، ومن الصعب جداً أن نرى في تاريخ لبنان حزباً تنتخب قاعدته الشعبية التي تتجاوز 15 الفاً رئيساً لها. نضع جهداً كبيراً لتكون الانتخابات مستوفاة للشروط وللمواصفات، فهناك لقاءات متواصلة بين الماكينات الانتخابية، والتيار سيبقى متماسكاً ويداً واحدة عند انتهاء الانتخابات، اياً كان رئيسه المقبل.
يرفض كنعان مقولة «إن هناك من يريد أن يحرق العميد روكز من داخل التيار الوطني، ويشدّد على أنّ احداً لا يمكنه أن يحرق روكز الذي يتمتع بمناقبية عالية، فمعروف عنه في كلّ مسيرته العسكرية التزامه وولاؤه للمؤسسة العسكرية، ومشهود له بذلك من كل اللبنانيين من دون استثناء». يرى كنعان «أنّ تيار المستقبل يريد الاستئثار بالقرار ولا يريد أن يخضع للقانون، لديه حسابات خاصة، فهو لم يستهدف العميد روكز فقط بل أسقط المؤسسة العسكرية ورئاسة الجمهورية». ويعتبر «أنّ الغرق في الزواريب الصغيرة من قبل أي كان، حتى لو كان من التيار الوطني الحر، ليبني عليها أوهاماً، هو انعدام للمسؤولية».