واشنطن وأنقرة والرياض: ضبط الافتراق وتوحيد الخطاب

عامر نعيم الياس

نفت الخارجية الأميركية ما أعلنته أنقرة عن اتفاق مع واشنطن على إقامة منطقة آمنة شمال سورية. وقال نائب المتحدّث بِاسم الخارجية الأميركية مارك تونر إن «الاتفاق مع أنقرة يتعلق بمحاربة داعش ولا يشمل منطقة آمنة»، في وقتٍ صمتت واشنطن عن تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير خلال لقائه في موسكو نظيره الروسي سيرغي لافروف، الأمر الذي يؤكد وجود تطابق في الموقفين السعودي والأميركي من سورية، وافتراقٍ عن أنقرة في ملف الاتفاق الذي لا يزال غامضاً بين الدولتين، والذي يحاول كل طرف سحبه إلى جانبه في سياق التعقيد الذي يلف الحيثية الكردية في الاتفاق التركي ـ الأميركي.

لم يبتعد وزير الخارجية السعودي عن المفردات الأميركية الخاصة بالموقف من سورية، لا بل كان مثار الصدمة في تصريحاته الابتعاد عن تعهدات كان قد قطعها ولي ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان، أما «الالتزام بحل سياسي وفق مقررات جنيف1» وعدم وجود «دور للأسد في مستقبل سورية» والتركيز على «دور النظام السوري في ظهور داعش… وهو جزء من المشكلة لا من الحل»، جميعها أمور حرفية نقلها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وقرأها قراءةً لتتطابق حرفياً مع البيانات الرسمية التي ينشرها البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية عن الموقف من سورية والتسوية فيها. إذاً اقترب السعودي من الأميركي في سورية على خلفية وصول سلمان إلى الحكم وأيضاً على خلفية الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى، فخطاب الرياض القائم على مغازلة المحافظين الجدد والتركيز على أخطاء إدارة أوباما في سورية وعدم تدخله العسكري المباشر في أراضيها، لم تعد ترد على لسان وزير خارجية آل سعود، بل استعيض عنها بالانضباط الكامل في الخطاب الأميركي في سورية، وهو ما يمكن أن نقول عنه إنّه تغيّر ملموس في الخطاب السعودي يفسّره الرضا الأميركي عنه، وعدم توجيه اي انتقاد إليه. وبالتالي ما نطق به الجبير يشكّل سقف الموقف الأميركي الحالي من سورية في ما يخص دفق المبادرات السياسية حول حل الأزمة السورية.

في المقابل، لا يبدو الموقف الأميركي من حكومة «العدالة والتنمية» الإسلامية مفترقٌ بالمطلق عن أنقرة، لكن حيثية «المنطقة الآمنة» تشكّل أحد الخطوط الحمراء لسياسة الرئيس الأميركي الخاصة بملف التدخل العسكري الأميركي المباشر في الحروب التي تخوضها واشنطن في أكثر من منطقة في العالم. لذلك، فإنها تستوجب التذكير من فترةٍ إلى أخرى. لكن السياق العام للخطاب الأميركي والحديث عن ملء الفراغ في شمال سورية بعد طرد «داعش»، والمواقف الصادرة عن تنظيم «جبهة النصرة» وانسحاب المكوّن «القاعدي» الأكثر إحراجاً للغرب، كون التنظيم يعدّ الذراع الرسمية لـ«القاعدة» في سورية، من منطقة عمليات تركيا وواشنطن في شمال سورية، فضلاً عن الموقف الذي أعلنته حركة «أحرار الشام»، المؤيد للمشروع التركي في سورية، وتبييض «واشنطن بوست» قبل شهرٍ من الآن صفحة هذه الحركة، وحديث المتحدّث بِاسم الخارجية الأميركية عن توفير «ملاذ آمن للّاجئين السوريين» في شمال البلاد بعد طرد «داعش» منها، هذه الأمور تشير إلى أن الغموض المتّبع في إدارة ملف الاتفاق التركي ـ الأميركي هو هدف بحدّ ذاته، إذ تراهن الإدارة الأميركية على تطورات الأوضاع الميدانية في الشمال من أجل تمرير مشروع منطقة حظر طيران غير رسمية في سورية على قاعدة الأمر الواقع القائم والتغيّرات التي تقاد مباشرةً في شمال سورية والتي لا تتوقف على إعادة رسم الخريطة الميدانية فقط، لا بل تتعداها إلى الاقتصادية والتي تجلّت بإقرار تنظيم الإخوان المسلمين والتنظيمات القاعدية في حلب وريفها بما فيها «النصرة» مشروع استبدال الليرة السورية بالليرة التركية.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى