إقفال ملف وسقوط مرحلة
يوسف المصري
يبقى أن يُساق فضل شاكر إلى القضاء اللبناني لكي يُقفل ملف حركة الشيخ أحمد الأسير نهائياً. وعلى رغم أن الأخير ليس له تصنيف الخطر جداً داخل ملف الأسير، إلا أن توقيفه يخدم بالشكل هدف ختم هذا الملف بالشمع الأحمر.
قبل عدة أشهر كان هناك سيناريو يعمل بالخفاء لجعل توقيف فضل شاكر مقدمة لتوقيف الأسير. حصل آنذاك بحسب معلومات لـ البناء»لقاء مع شاكر في محل تابع له في صيدا. وتم الاتفاق معه على تسليم نفسه، وأعرب كبادرة حسن نية عن أنه مستعد لأن يسلم الدولة اللبنانية كل أسلحته الموجودة في مخبأ في صيدا، وذلك قبل قيامه بتسليم نفسه. وفعلاً وفى بوعده، ولكنه في اليوم التالي توارى عن السمع. قيل آنذاك إن الأسير اكتشف أنه بصدد تسليم نفسه وأقنعه بالعدول عن ذلك والتحلي ببعض الصبر لأنه يخطط لهروبهما.
اليوم وبعد توقيف الأسير لم يبق أمام شاكر سوى العودة إلى مربع خياره الأول وهو تسليم نفسه، وهو أمر مرجّح.
وبإقفال ملف الأسير يكون لبنان تجاوز كلياً واحدة من المحطات الخطرة داخل ملف الخطر الإرهابي عليه، ولم يبق منها سوى ذكرى عن محاولة جرت لإنتاج «حركة سلفية جهادية»سورية ولبنانية وفلسطينية مختلطة في لبنان.
خطورة الأسير سواء حينما كان حراً في مسجد بلال بن رباح أو حتى بعد تواريه عن الأنظار، تمثلت في أنه يعبّر عن مشروع لبناء «جهادية مشرقية»تضمّ أجنحة لبنانية وسورية وفلسطينية. وكان هذا المشروع تغذى من عاملين انهارا بالتتالي: أولهما تمثل بمواصفات ديموغرافية استجدت على عين الحلوة إثر أحداث مخيم اليرموك في دمشق الذي تهجر منه نحو ثلاثين في المئة إلى عين الحلوة، وهؤلاء راهن الأسير على جذبهم لمشروعه. وثانيهما، تقاطع حركة الأسير مع دعم دول إقليمية كان لها في تلك المرحلة مشاريع لضرب محور المقاومة في سورية ولبنان على السواء.
وفيما لو قدر لمشروع السلفيات الثلاثة أن تتحد تحت زعامة الأسير، لكان لبنان دخل في مواجهة جيل جديد من «القاعدة»ينمو على أرضه، ولكانت مغامرات نادي «أصدقاء الشعب السوري»المنفرط عقده الآن تركت دماء كثيرة وخراباً كبيراً في لبنان.
سقط الأسير الآن في قبضة الأمن العام اللبناني، وعلى رغم التكتم على تفاصيل عملية القبض عليه، إلا أن تقنيات التزوير التي اتبعها الأسير لتغيير هويته خلال محاولته الفرار تؤشر إلى عدة أمور تتكلم نفسها: منها أن حزمة الأوراق الثبوتية المزورة التي كانت في حوزته تكاد تعترف عن نفسها لجهة أنها صنعت في عين الحلوة حيث هناك يقيم مزورون معروفون، على غرار «حكيم»وهو من آل نوفل وكان سابقاً في القيادة العامة ولكنه حالياً يعمل كمزوّر وثائق طبق الأصل مأجور لمن يريد الفرار أو الاستعانة بها لتنفيذ هجرات وسفريات جهادية.
ومنها أيضاً أن عين الحلوة كان ملجأ الأسير. وهذا يؤكد نظرية المخيم المخبأ الذي توجد فيه عدة مستويات لتأمين التواري عن الأنظار، ويظل أعمقها وأكثرها أماناً مخبأ أبو محمد توفيق طه.
ومنها أيضاً وأيضاً هو الأسير عينه الذي ظل مشروعه في كلّ مراحله يتأرجح بين جدية لم يطلها وتسعى لولادة سلفية مشرقية جهادية… وبين أنه قنبلة صوتية تفيد في إبقاء صوت الاعتراض السني المستمر منذ إقصاء الرئيس سعد الحريري عن رئاسة الحكومة مرتفعاً.
انتهت الآن كلّ معاني مشروع الأسير، وذلك في لحظة تتجه فيه المنطقة لتحميل لبنان معاني سياسية جديدة. أبرزها معنى مواكبة تغير المعادلة في سورية وانتهاء مرحلة معاندة الإقليميين والدوليين للواقع وانتقالهم إلى مرحلة التأقلم مع حقائقه، وأبرزها أن ما يحدث في سورية هو حرب إرهابية على الدولة ومرشحة للانتقال إلى كل المنطقة.