لبنان آخر العنقود
روزانا رمّال
يتأرجح لبنان على رياح الأحداث والمتغيّرات التي تعصف بالشرق الأوسط اليوم، فهو جزء لا يتجزأ من المنطقة ومصيرها، ويلعب الفرقاء فيه دوراً محورياً في كون بعضهم ممثلين لحصص دول إقليمية كبرى داخل هذه الحالة اللبنانية الفريدة. يكتسب لبنان منذ الاحتلال «الاسرائيلي» أهمية كبرى لدى الغرب سببها نشوء حركات المقاومة المتعدّدة التوجهات والتي تصبّ كلها في خانة قتال العدو الواحد «إسرائيل»، حتى أدخل حزب الله بمقاومته التي استطاعت إحداث تغيير جذري، لبنان من الباب العريض الى مصاف صناعة الحدث، الى ان تضاعفت إنجازاته بتراكم السنوات، معلناً مرحلة قلب المعادلات وصناعة التسويات في الشرق الاوسط، بعد تجربته في سورية ودوره في مكافحة الإرهاب.
في المقابل، وبعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، برز في لبنان اهتمام سعودي بالغ الأهمية في الدخول على الاصطفافات وإظهار دور متطرف لتيار المستقبل لناحية الولاء لها ليؤكد نفوذها عليه وعلى لبنان بطبيعة الحال، خصوصاً أنها تدخل لعبة صناعة الحكومة ورؤسائها والجمهورية ايضاً منذ إقرار اتفاق الطائف على أرضها.
التجاذبات اللبنانية والكباش الداخلي على أشدّه، جولات حقيقية ونقاط تحتسب تارة لفريق 8 آذار وتارة أخرى لفريق 14 آذار، في محاولة لعدم الاستسلام الذي سيظهر على أحد الفريقين بفعل عامل الزمن الاتي لا محالة، والكفيل بالإعلان عن التسوية المقبلة في المنطقة، وهي التسوية التي تقبل بها الدول الإقليمية وتجيّرها لحساب وكلائها فيه.
في هذا الإطار يبدو أنّ أصدقاء ايران في لبنان هم الأكثر حظاً في حصد المكاسب لسبب مفهوم، وهو الاتفاق الايراني الأكبر مع الغرب، وانطلاقاً من هنا فإنّ اول الحلول بعد الملف الايراني في المنطقة ستبدأ عند آخر جرح فتح فيها، وهو اليمن، ثم تنتقل إلى سورية، ليكون لبنان آخر العنقود.
وفي الانتظار… هل نحن أمام محاولة لإمساك زمام المبادرة من قبل الفريق السعودي في لبنان لاستنزاف فريق المقاومة، بشكل يسمح عند الانخراط في التسويات تحقيق مكاسب في رئاسة الجمهورية؟ يبدو أنّ قائد الجيش جان قهوجي كما بات واضحاً هو مرشح 14 آذار لإخراج العماد ميشال عون؟
هل نحن أمام خطة بين حزب الله والتيار الوطني الحر للوصول إلى نتيجة معاكسة؟
فرصة انتخاب رئيس جمهورية في لبنان لا يمكن ان تتحقق بدون تسوية، أي لا يمكن ذلك بدون تيار المستقبل، لأنّ الأمر يتطلب حضور ثلثي أعضاء مجلس النواب. كذلك الامر بالنسبة إلى قهوجي، فهو يحتاج موافقة حزب الله وبري وعون طالما انه جيّر موضوع الانتخابات الرئاسية إلى التيار الوطني الحر، فلا رأي له فيها بدون رضاه.
واقعاً لبنان أمام كباش ليس مطروحاً فيه حتى الآن كسب الأمر لصالح احد الفريقين، وبالتالي الحديث عن مواجهة تحسم هو وهم، فما يعمل عليه اليوم هو فقط الحفاظ على نقاط التوازن في مراكز القوى ليحافظ كلّ من الطرفين على مكانته.
مكانة 8 آذار تحفظ بإبقاء عون مرشحاً مدعوماً من حزب الله وإثبات انه ليس عرضة للمساومة والذهاب إلى السقف العام تزامناً مع كلام السيد نصرالله وانتظاراً لتثبيت النصر السوري ومجيء السعودية وتركيا للاعتراف فيه، وقبلهما تسوية اليمن، وبعدها سورية، الى ان يصبح حزب الله على الطاولة الاقليمية فيأتي نصيب حزب الله… فما هو؟
يصرف رصيد حزب الله برئيس جمهورية مريح وهو العماد ميشال عون، ربما يكون الرئيس سعد الحريري فيها رئيسا للحكومة مع الرئيس نبيه بري لمجلس النواب في صيغة أمثل تريح ظهر حزب الله، وعليه يستدعي هذا السيناريو إبقاء العماد عون قوة حيوية تتطلب عدم السماح مطلقاً بإضعافها.
اما مكانة 14 آذار فتحفظ بإبقاء قهوجي قائداً للجيش لإبقائه تالياً مرشحاً رئاسياً، وفي الوقت نفسه إقصاء العميد شامل روكز من بين المرشحين لقيادة الجيش، بفعل التقاعد.
أنجزت 14 آذار المهمة الأولى، وهي مخطط التمديد لقهوجي، واليوم مقابلها العمل على إقصاء روكز جار وتدور المواجهة الآن بين الفريقين لأنّ خطة فريق المقاومة الإبقاء على التحرك لمواصلة الماراتون فيبقى روكز ضابطاً في الجيش إما بترقيته لرتبة لواء او رفع سن التقاعد.
في قلب هذا التجاذب لا سقوط للحكومة ولا انفراط لعقدها رغم اعتكاف الوزير بطرس حرب كطلقة صوتية ذهبت ادراج الرياح، فالقرار الاميركي اليوم هو بقاء الحكومة اللبنانية متماسكة وحاضرة لأنّ الاستقرار الامني مطلوب في لبنان مطلوب، كما أنه في لبنان لا يمكن تجذّر «القاعدة»، وحزب الله الممسك باللعبة الأصلية ما يرفع ايضاً من اسهمه إقليمياً.
المخاوف الواضحة في لبنان من انفجار الأوضاع تؤكد جزءاً من الوعي الواضح لأزمة موجودة من جهة وانتظار تسويات المنطقة من جهة أخرى، بات الأفرقاء يلعبون لعبة التمديد والتصعيد قبل الحسم تماماً كما تلعب الدول الاقليمية المشغلة والداعمة لهم قبل الاعلان عن الانخراط في التسويات بعد استنفاذها المراحل من دون ان تبدو أنها قد سلمت لإيران قولاً واحداً.