سورية انتخَبت وانتُخِبت
سعد الله الخليل
لم يكن يوم الثالث من حزيران يوماً عادياً في حياة السوريين بكافة انتماءاتهم الفكرية والسياسية من أيّد ومن عارض ومن شارك ومن قاطع الانتخابات.
بعيداً من ضجيح التصريحات الغربية رتبت دمشق أوراقها انتخبت واختارت رئيساً واجه حرباً كونية لإسقاطه ونزع الشرعية عنه.
كسبت سورية أصوات أبنائها بمشاركة كثيفة تجاوزت 73 في المئة، وهي نسبة فاقت نسبة المشاركة في انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية عام 2008، والتي يرى محللون أنها سجلت أعلى نسبة إقبال منذ الستينيات بنسبة نحو 66 في المئة من الناخبين المسجلين.
11 مليوناً و634 ألفاً و412 مواطناً سورياً قالوا نعم لمشروع الدولة، ربما لكل منهم نظرته ومشروعه الخاص بماهية الدولة وربما بينهم من يمتلك رؤية أخرى للدولة، إلا أنّ رؤية الوطن وحدتهم، وبين الدولة والوطن اختاروا سورية الوطن المنتصر المنتفض على ركام الإرهاب والدمار، انتخَبت سورية وانتُخِبت، فكلّ صوت حمل اسم سورية ليثبت هويتها العربية لتقول: هنا الجمهورية العربية السورية كانت وما زالت وستبقى عربية سورية.
وفي الخوض بلغة الأرقام فقد نال المرشح بشار الأسد 10 ملايين و319 ألفاً و723 صوتاً، بنسبة 88.7 في المئة من عدد الأصوات الصحيحة، وهي نسبة متوقعة بالنظر إلى ما يمتلكه الأسد من رصيد شعبي في الشارع السوري، بغض النظر عن المرشحيْن المنافسيْن اللذين أطلقا مرحلة تعدّد الأصوات السياسية في سورية، والتي تؤسّس لمشهد قادم أكثر وضوحاً تظهر فيه الثوابت الوطنية ركائز في الحياة السياسية، وتختلف الرؤى والأساليب في إدارة الملفات السورية.
قد ينظر البعض إلى مشاركة المرشحيْن الدكتور حسان النوري وماهر حجار بمشاركة رفع العتب أو المشاركة الشكلية، إلا أنها في واقع الحال مشاركة مفيدة قد تظهر مفاعيلها في الحياة السياسية القادمة، فلو عدنا إلى لغة الأرقام وما حصل عليه المرشحان من أصوات والبالغة 872 الفاً و580 صوتاً، وهو ما قد يفوق بأضعاف مجموع منتسبي أحزاب عريقة في سورية مرخصة وغير مرخصة عاملة على الأرض السورية.
نعم اختار الشعب السوري الرئيس بشار الأسد لقيادة المرحلة المقبلة بحِلوها ومرّها، وما تحمله من صعاب جمة لا تقف عند مواجهة الإرهاب وسحب السلاح من الشارع السوري بمسمّياته المختلفة، وإعادة الإعمار والاقلاع بعجلة الاقتصاد والحياة السياسية والدبلوماسية، إلا أنّ الثابت أنّ الإجماع على الخيار لم يكن فقط لاتفاق في الخط السياسي والرؤية، بل للإدراك بأهمية المرحلة المقبلة، وما يشكله الرئيس الأسد من صمام أمان وضمانة الوطن في قلوب وعقول السوريين.
ربما تغيّرت مفاهيم في عقول وقلوب السوريين خلال السنوات الثلاث الماضية، وربما تغيّر مزاج الشارع السوري، إلا أنّ الثابت أنها رسخت الأسد قائداً في حياة السوريين لأسباب عدة، أقلها تصديه لما واجهته سورية الوطن من محاولة التفتيت والتقسيم والتدمير بقوة وحنكة، اعترف له بها خصومه قبل محبّيه، وما واجهه على المستوى الشخصي من عمليات ممنهجة لتشويه صورته وتحميله مسؤولية ما يجري على الساحة السورية شاركت بها كبريات شركات العلاقات العامة العالمية، وسخرت الآلاف من وسائل الإعلام والدعاية من دون أن تنال من عزيمته وهدوئه وشخصيته.
بعد أكثر من ثلاث سنوات من الاستهداف نجحت المعارضة السورية بتثبيت صورة الرئيس الأسد في الشارع السوري، ولعلّ أكبر حملة انتخابية للرئيس الأسد قامت بها المعارضة السورية، التي دأبت عبر الفترة الماضية على محاولات تشويه صورته من دون أن تبذل أدنى جهد بإظهار جانب مشرق واحد لدى أيّ من شخصياتها، فلو بذلت المعارضة نصف ما أضاعته من وقت ومال في حربها ضدّ الأسد، على تلميع وتسويق شخصية معارضة تحاول مقارنتها بالأسد، لربما تفهّم الشارع السوري الخطوة باعتبارها حقاً مشروعاً لأي قوى سياسية تقدم شخصياتها، أما أن تنكفئ لمجرّد محاربة الأسد، فهذا ما أظهر هزالها السياسي وتعاملها مع الأزمة السياسية من منطلق المناكفات والمهاترات والسباب، من دون تقديم مشروع سياسي أو شخصية ترى فيها الكفاءة لإنقاذ الوطن والمواطن.
قاطعت المعارضة السورية الانتخابات كما قاطعت كلّ جهد يمكن أن يقدم لحلّ الأزمة السورية، فاكتفت بالوقوف على رصيف الأحداث تطالب الغرب بأن ينتزع السلطة من الأسد ليسلّمها إياها، من دون أن تبذل أي جهد يوصلها إلى قلوب السوريين وعقولهم، واختارت أقصر الطرق وأسهلها في السياسة المتمثل بالعمالة والانبطاح، فبقيت في حاضر السوريين صورة قياداتها القديمة كعملاء، واحتفظ السوريون بصورة قياداتهم المشرقة كأبطال، وهو ما عبّروا عنه في صندوق الانتخابات دعماً للرئيس بشار الأسد.