جنون حرب اللامعقول وتحالف اللامنطق!

محمد ح. الحاج

يدرك الجميع، كلّ أطراف الصراع العسكري في منطقة المشرق أنّ ما يحصل هو ضرب من جنون، وأنّ هذه الحرب تندرج تحت يافطة اللامعقول، وقد تأكد لهم أنّ المستفيد الوحيد هو العدو، وأنّ من خطط لها وأشعلها، وقام بتمويلها إنما فعل ذلك، ويستمرّ بفعله عن سابق تصوّر وتصميم رغم معرفته نتائجها مسبقاً ومن هو المستفيد، ورغم كلّ اليافطات الزائفة المرفوعة كعناوين لما أسموه ثورة شعب، لا علم له بها، وأنهم أصدقاؤه ومناصروه وهم يقتلونه ويحاصرونه بشكل مكشوف، والقول بأنّ الدافع هو تحقيق العدالة ورفع الظلم، وحقوق الإنسان إلى آخر المعزوفة تدحضه الوقائع والحقائق على أرض الواقع.

السعوديون بحزبيهم الرئيسين العوام وشعارهم البعير، والخاصة وشعارهم النغل وهذا تقليد للديمقراطية الأميركانية الحليفة، البعير بديلاً للفيل فهو أكثر صبراً، والنغل بديلاً للحمار لأنه أكثر قدرة على التحمّل، الخاصة هم الندّ للمتنوّرين أو المحافظين الجدد ومطيّتهم النغل رمز الشعب الصامت، الفارق أنهم بلا ثقافة ولا تراث ولا إرث مستقبلي، كما أنهم على هامش حركة الحياة، التقليد مسموح، نراقب الأفلام الهندية ومجاراة القرود لحركة البشر يمكن إدراك المغزى.

السعوديون مع الشرعية في البحرين ولو كانت الشرعية أقلية، وهم مع التدخل العسكري درع الجزيرة وهنا الدرع من متمّمات السيف والرمح تراث – ولو كان المحتجّون مسالمين منزوعي السلاح.

وهم مع الشرعية في اليمن! لكن قيادة حزب النغل مع «الشعب» ضدّ الديكتاتورية في العراق، وفي الشام أيضاً، ولو أنّ من تسمّيهم شعباً بضع مئات أو آلاف، فإنّ للسعوديين الحق في الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في هاتين الدولتين مع أنهم لا يعرفون المعنى الحقيقي للديمقراطية ولا لحقوق الإنسان إلا مواراته الثرى بعد قطع رأسه بضربة واحدة، الانفصام الشخصي والازدواجية أمر ثابت بشهادة دولية، هي الثنائية، ليل ونهار، أسود وأبيض، حامض حلو في آن معاً، في البداوة… المنطق مفقود، واللامعقول… جائز!

السعوديون على أرض العربة، واسمهم الأعراب أو العرب، هكذا يفهمون العروبة، من هنا يتحدّثون باسم العرب فيرفضون تدخل الأعاجم في الشأن الداخلي لمنطقتهم، وباسم الربّ سمحوا لأنفسهم التدخل في شأن الجوار دون أن يبرزوا وكالة رسمية عنه، تماماً كما اليهود، هؤلاء جعلوا من الربّ جلاداً وهم أدوات التنفيذ يستعجلون الحساب رغم قوله إنّ الحساب بعد القيامة، وما سمعنا النفخة في الصور! وجعل اليهود من الربّ صاحب مكتب عقاري دون أن يبرزوا وثيقة مصدّقة تؤكد شراءهم الأرض وتسديدهم الثمن، هل هي المصادفة؟ مع ذلك يسمح السعوديون بتدخل أعاجم… لغتهم العثملية، دون أن يبرّروا لأحد السبب، بل أذهلوا الدنيا بتخبّطهم… ويُقال خبط عشواء، هل هو بعير أصابه الهيجان أم ناقة طار صوابها… ومن سمات البعير أنه يُقرن بجلالة حمار فيتبعه، هكذا هم لحقوا بمسيرة قارورة الغاز القطرية!

بدا أنّ محادثات ولي ولي العهد بن سلمان مع الرئيس الروسي تضمّنت وعداً أو اقتراحاً كمخرج في قيام حلف لمحاربة الإرهاب التكفيري «داعش» و»النصرة» وأخواتهما – دعوة الرئيس بوتين أوحت بذلك ولو أنّ وزير الخارجية السوري استغربها وقال إنها بحاجة إلى معجزة، فالذي أوجد الإرهاب ودعمه وموّله كيف يمكن أن ينقلب ضدّه…! إذاً، الحلف أو الدعوة إلى هذا التحالف تدخل في باب اللامنطق، منطق الأمور أن يمتنع هؤلاء عن الدعم، أو يخفضونه، أو على الأقلّ يوقفون الدعم الإعلامي، ومستغرب أن يتحوّلوا إلى حليف للدولة التي يستهدفها إرهابهم، الوزير المعلم كان يدرك الحقيقة ويراها، ويبدو أنّ الرئيس بوتين لم يطلع على تاريخ الدمقرطة السعودية ولا يعرف معنى الشعار لأيّ من الحزبين على ساحة الرياض والطائف، وهكذا التبست الأمور، أو أنّ قطبة مخفية في كواليس العائلة الحاكمة، هل يمكن القول إنّ الوزير الجبير هو صاحب القرار باعتباره وكيل الوكيل وقد يكون الوكيل أقوى من ولي الولي…! قالوا: الجبير انقلب على تفاهمات بن سلمان، وأعتقد من وجهة نظر شخصية أنه توزيع أدوار وعملية جسّ نبض واكتساب فسحة التقاط نفس قصير قبل الاستمرار بالغوص في رمال اليمن المتحركة… الروسي ترك الباب موارباً، لكن ثوابته لا تتغيّر.

تركيا، تحاول الظهور بمظهر صاحب القرار، الخارج من تحت عباءة «الناتو»، ترفض الدخول في تحالف اللامنطق، بل تتجه إلى التصعيد وفرض وقائع لا تتشارك فيها مع الناتو… حتى، لكن التداعيات المتوالية خلال زمن قصير تبعث برسائل مفتوحة في كلّ الاتجاهات، روسيا تقدّم لدمشق دعماً عسكرياً لم يكن في الحسبان… الرسالة الروسية للأتراك… لن تستطيعوا حماية منطقة تفرضونها، وستكون محاولتكم محفوفة بالمخاطر، الضوء الأخضر الأوروبي ينتقل إلى الأصفر، تمهيداً للأحمر، الغطاء الحديدي جدار الباتريوت ينسحب فهل يصبح الأتراك مكشوفين… حربهم ضدّ الأكراد ليست موضع موافقة «الناتو»، والمنطقة الآمنة لا يطالب بها إلا ال… خوجا، هل يعبّر عن صوت سيده؟ وأيضاً يرفض الحلّ السياسي… إذاً هو ينتظر الحلّ العسكري…! فأبشر بطول إقامة يا… مربع!

تحالف سوري سعودي قطري تركي… الخ لمحاربة «داعش»! أين المنطق في هذا؟ ألأنّ «داعش» ضربت في الخليج، وبلاد الأعراب… قد تكون تفجيرات مفتعلة لإيجاد مبرّر التكويع… من فعلها وأين هي الاستخبارات الدولية وما دورها في تغيير قواعد اللعبة؟ المنطق قيام حلف سوري عراقي فلسطيني لبناني وقد ينضمّ المصري المتضرّر فعلاً من «داعش ولاية سيناء»، بدلاً من استمرار موقفه المخزي الداعم للعدوان على شعب اليمن تحت شعار نصرة الشرعية…! وهي شرعية ساقطة بالعرف والدستور الاستقالة إلا أن يكون قبول الاستقالة رهناً بموافقةً رأس «حزب النغل» أو وكيل الوكيل.

الحرب المجنونة تحت ستار «الربيع العربي» جسّدت اللامعقول، إذ اتفق التخلف بكلّ قيمه ومظاهره وتراثه، مع التطوّر التقني والعلمي، التخلف العربي الخليجي العثملي، مع تطوّر أميركا والغرب الناتو ، المال وحقد الفتنة أدوات التخلف، ومخططات العمليات وتوفير المرتزقة والسلاح أدوات الغرب، أما لماذا حصل الاتفاق فلأسباب كثيرة وعديدة، أهمّها خدمة المشروع غير المسموح لأميركا والغرب التخلي عنه وهو استمرارية الكيان الصهيوني وسيطرته على منطقة التخلف بما تملك من موقع وثروات… أمر يتجاهله كلّ من ارتبط بالمشروع ورفع راية «الخريف العربي العاصف» الذي أعاد البلاد عقوداً إلى الوراء، ومزق الشعب شرّ تمزيق، وشرّد الملايين في كلّ بقاع الدنيا…

ما حصل، وما يحصل، وما سيحصل هو ذاته اللامعقول الخارج عن المنطق والأخلاق وهو أعظم إساءة يسجلها التاريخ بحق البشرية، أما المنطق الفعلي فهو أنّ كلّ تسوية على قاعدة أنصاف الحلول… ساقطة، وأنّ الحسم العسكري وتدمير أدوات المؤامرة حتى لا يبقى منها أثر هو الحلّ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى