من قتل أمين تدمر؟

عامر نعيم الياس

قد يستغرب البعض أن يكون العنوان عن أمينٍ لتدمر، مدينة في ريف محافظة حمص وسط البلاد، سيطر عليها تنظيم «داعش» الإرهابي قبل أشهر.

خالد الأسعد، أبو وليد، الذي لم يمهله قدره أن يعيش أربعة أشهر إضافية ليبلغ 83 سنة من العمر قضاها بمعظمها في خدمة مدينته وأهلها وصون إرث تاريخيّ وحضاريّ لا يقدّر بثمن.

نبدأ بعائلة الأسعد التي تعدّ من أعرق العائلات في مدينة تدمر، والتي اختارت منذ بدء الحراك السياسي الحزبي في سورية أن تنتمي إلى حزب البعث. هي عائلة بعثية بامتياز لها تاريخها وثقلها المعنوي والمادي في أوساط أهالي مدينة تدمر. فالعائلة تملك فندق «زنوبيا» الذي يعدّ هو الآخر من الفنادق الأولى إن لم يكن الأول في المدينة الأثرية، وكان مقصداً لزوار المدينة كونه الوحيد الذي كان مؤهلاً لاستقبال من يريد أن يرى الآثار المدرجة على لائحة التراث العالمي، والتي أضحت اليوم تحت رحمة الخارجين من السجون الأميركية في العراق.

أبو وليد، كما يحلو لغالبية من عرفه أن يناديه، مستعيضاً عن ألقاب الأستاذ والدكتور والعالِم، كان مقصد من يريد زيارة تدمر. فلا مسؤول مدنياً أو عسكرياً أو وفداً نقابياً داخلياً أو بعثة خارجية سواء مختصة بالآثار أو غير الآثار إلا ويجب أن تلتقي مدير المتحف الذي يعتبر الوجه الأبرز في المدينة الذي لا يمكن لأحد تجاوزه حتى لو كان مسؤولاً أمنياً. هو مدير للمتحف ومن أصحاب فندق «زنوبيا» ومن عائلة الأسعد، هو بمثابة محافظ لتدمر لا أحد يستطيع تجاوزه أو تجاهله. فما إن تطأ قدماك تدمر حتى تتوجه لزيارة الرجل الطيّب الكريم الذي يمزج في محيّاه وسلوكه بين المدنية وكرم الريف، وبين العلم والنخوة الجامعة مبادئ الوطنية والدين المعتدل. هنا لا يمكن أن توصف العائلة التي ينتمي إليها الرجل سوى بالعائلة المسلمة السورية التي ترى في مكارم الأخلاق والمعاملة الحسنة والتمسك بالأرض ثالوثاً لا يُمسّ.

مدير المتحف بين عامَي 1963 و2003، والمستشار الأبرز في ما يتعلق بآثار مدينة تدمر، والمؤتمن على أسرار أبرز معالم الهوية الوطنية السورية، صُلب وذبح بعد شهر من استجوابه على أيدي من احتل مدينة تدمر. صُلب الرجل الذي نفّذ فيه حكم الإعدام من يدّعون الجهاد ويغيرون على الدين. لكن الذين قتلوا الأستاذ خالد الأسعد، هم من أهل مدينته أولاً وأخيراً الذين وشوا بالرجل الذي خدمهم من موقع المسؤولية. هم بعض أفراد عائلته الذين هم في موقع المسؤولية قدر ما استطاعوا، ولم يبخلوا يوماً على من دق بابهم. الرجل الذي حاول البعض تجاوز تاريخه وتاريخ عائلته حتى قبل احتلال مدينة تدمر من قبل «داعش» حافظ على الأمانة ولم يشِ بالسرّ. صمت الرجل ولم ينبس ببنت شفة. لم يرد أن يقال عنه أنّه خان الأمانة. تحمل من عاش ثمانين حولاً تعذيب وحوش العصر ولم يتكلم. واختار الله موته على باب المتحف الذي حماه وعلى أعمدة لؤلؤة الصحراء التي لم يخرج منها حتى اللحظات الأخيرة من عمره.

البيئة الحاضنة هي التي قتلت خالد الأسعد وزادت من تمسكه بصمته ووسطيته خلال الأحداث التي شهدتها المدينة وعلى مدى أربع سنوات من عمر الحرب على سورية حتى اللحظة الأخيرة. ومن سلّم مدينة تدمر للبرابرة واحتفل بهم وبجهادهم المزعوم وسلطتهم القائمة على إحقاق الدين بالذبح، هو من قتل خالد الأسعد ووشى به أملاً بأن يبيع آثار تدمر وكنوزها لمموله التركي أو القطري أو السعودي. قَتَل خالد الأسعد من يقف اليوم مؤذناً في المدينة يرشي أهلها ببعض من السكر والخبز، بينما يسرق هويتهم ليجعلهم بضع عائلات تقطن مدينة لا قيمة لها على كتف الصحراء بغياب أعمدة رومانية تشربت من هوية صحراء سورية حتى أصبحت إحدى أهم محطات طريق الحرير. هذا الحرير الذي نتمنى لو استطعنا أن نكفّن به أبا وليد خالد الأسعد السوري التدمري الذي عاش ثمانين حولاً ولم يسأم.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى