الهرولة باتجاه دمشق… قلب العروبة وقاهرة الإرهاب
جمال رابعة
بدأت تداعيات الاتفاق النووي ترخي بظلالها الإيجابية على المشهد السياسي كلّه للمنطقة، ولا سيما المشهد السوري، الذي تشكل فيه طهران اللوحة السياسية الرئيسية التي تحاول أقلام الساسة الكبار أن تخط ضمنها الكلمات المفتاحية للحلّ السياسي المنشود للمنطقة، هذا الحلّ الذي بدأت فيه معالم التوافقات وتقاطع الرؤى بالتوارد تباعاً للواجهة السياسية، حضرت فيها مشاهد الزحف السعودي باتجاه الأراضي الروسية لتصنيع المخارج ومحاولة الركوب في القطار الدولي وحجز مقعد ولو كان هامشياً، ولا سيما بعد تثبيت الجمهورية الإسلامية لموقعها الإقليمي بجدارة، إذ حجزت مقعداً رئيسياً في منظمة شنغهاي، إضافة إلى حضورها المميّز مع الروسي في قمة قزوين، واليوم تمتّن هذا الحضور من خلال نصرها الدبلوماسي وانتزاع حقوقها النووية، والنجاح في إبرام الاتفاق النووي مع السداسية الدولية في فيينا.
من هنا لم يجد السعودي الغارق أصلاً في المستنقع اليمني، والذي أدرك وتلمّس إدارة الظهر الأميركية له، ولا سيما بعد فشله في تحقيق أيّ من الأهداف الاستراتيجية التي أعلنها في اليمن، وانطلاقاً من الحسرة التي باتت تلفّ مشاعره وهو يرقب الانتصار الإيراني وصياغته لحضوره السياسي على المستويين الإقليمي والدولي، يمكن فهم الهرولة السعودية باتجاه موسكو، هذه الهرولة التي كانت تصل نتائجها تباعاً للإيراني الذي بادر، ووفقاً لتطورات المشهد السياسي والانعطافة السعودية التي أبدت فيها المملكة رسائل الاستعطاف والتدخل الإيجابي، لصياغة المبادرة الإيرانية المعدّلة في إطار إنهاء الأزمات وحلّ العقد في الملفات كافة.
إنّ ما أعلنه الرئيس روحاني لجهة أنّ هذا الزمن هو زمن الرابح ـ رابح يجب أن لا يفهم على الإطلاق أنه في سياق التسليم بنصر لأعداء سورية وإيران، لا معنوياً ولا استراتيجياً، بدليل أنّ الدولة السورية وفي ذروة الحراك السياسي الحاصل الروسي منه والإيراني، ما زالت تضع الخطوط الحمراء وترسل الرسائل الصريحة والقطعية، فكان المنفذ للاتصال مع المملكة السعودية هو المنفذ الأمني حصراً، ولم يصبّ في إطار اللقاء السياسي، هذا المنفذ الذي تضع فيه الدولة السورية ما قد وصلها من انعطافة سعودية محتملة على المحك، ولا سيما بعد تغلغل الإرهاب في الداخل السعودي والذي كان آخره تفجير أبها جنوب السعودية، الأمر الذي قد يؤسّس لتحوّل جدي في السلوك السياسي السعودي.
الكلام السوري كان واضحاً، وواضحاً جداً، بأنّ أيّ طرف يريد الانخراط في الحلف الذي طرحته موسكو لمواجهة الإرهاب، إنما يجب أن يستند إلى تنسيق حقيقي مع الجيش العربي السوري، والتعامل معه على قاعدة التوصيف السوري للإرهابي، لا وفق أيّ توصيف آخر، وهو ما جاء على لسان وزير الخارجية وليد المعلم في اللقاء الثلاثي الذي جمعه بنظيريه الروسي والإيراني في طهران، لجهة أنّ كلّ من حمل السلاح ضدّ الدولة السورية والجيش العربي السوري هو إرهابي، وبالتالي سيكون جزءاً من بنك الأهداف لأيّ حلف إقليمي ودولي يجرى العمل على إعداده.
إنّ المبادرة الإيرانية المعدلة، وإنْ كانت التسريبات الإعلامية حولها ومضمون ما تحمل وكيفية تطبيقها ما زالت قليلة، لكنها ستكون حاملة وداعمة بشكل مطلق للسيادة السورية ووحدة أراضيها واستقلال قرارها السياسي، المستند إلى خيار الشعب العربي السوري الذي هو المعنيّ المباشر والوحيد، باختيار مستقبله.
هذه المبادرة التي ستؤسّس في اعتقادنا لصوغ شرعية دولية للدولة السورية والتنسيق معها بشكل جدي لمواجهة الآفة الداعشية العابرة للحدود، ومن هنا يمكن فهم ما بدأ يظهر من تحوّل عربي، ولا سيما على المستوى الخليجي، لإعادة القنوات الدبلوماسية إلى سابق عهدها مع دمشق، هذا التحوّل الذي جاء كنتيجة حتمية للصمود السوري وتضحيات الجيش العربي السوري وملاحمه البطولية في الميدان أولاً، ومن ثم الاتفاق النووي الإيراني ثانياً، وكما هو عنوان المرحلة الحالية «الهرولة باتجاه طهران»، فإنّ عنوان المرحلة المقبلة سيكون باقتدار «الهرولة باتجاه دمشق»، قلب العروبة وقاهرة الإرهاب.
عضو مجلس الشعب السوري