أيها العلمانيون إنها فرصتكم… أيها اللبنانيون تحركوا قبل «ما تطلع ريحتكم»

روزانا رمّال

إذا كانت ضغوط سياسية كبيرة قد ساهمت في إخراج مدير المشتريات في دارة النائبة بهية الحريري، التي اشترطت ذلك قبل تلبية طلب الأجهزة الأمنية بإخضاع الموظف المعني للتحقيق على خلفية الاعترافات التي أدلى بها الإرهابي أحمد الأسير، فإنّ ذلك يعدّ مؤشراً على السمة العامة للفساد المستشري في البلاد، والمعمّم على كلّ المستويات الحكومية والأمنية والسياسية والخدماتية، حالت دون استمرار سكوت الشباب اللبناني على ممارسات هذا النظام الفاسد كما وصفه رئيس مجلس النواب نبيه بري يوماً من الايام.

الحركة الشبابية التي انطلقت في إحدى ساحات بيروت المختلف على ملكيتها أيضاً وعلى استيفاء مالكيها حقوقهم جراء أعمال «سوليدير» نجحت كخطوة أولى في استقطاب معظم عدسات وسائل الإعلام في لبنان ونقل اعتصامها وتحرّكها ما عدا بعض الوسائل الفئوية المتضرّرة من ايّ مشهد ينظر اليه كأنه استهداف لها، فمثلا لم تنقل قناة «المستقبل» ما يجري كما نقلته القنوات المهتمة بهذا الشارع الجديد الذي ظهر على دولة الطائفية فجأة.

في الواقع تيار المستقبل ليس مستهدفاً وحده، ولو بدت الصورة هكذا، ولا حكومة سلام ولا وزير البيئة محمد المشنوق كذلك ولا ولا… فكلهم جزء من دولة فساد اعتادت عليه كلّ الأحزاب الطائفية من دون استثناء وهي الأحزاب الحاكمة اليوم وهي التي لا تتحد مع بعضها إلا على ملف واحد، وهو سرقة الإدارات العامة واستهداف لقمة عيش المواطن اللبناني والمحاصصة في الوظائف العامة كلها، عدة الحشد الفئوي الضيّق التي تعتاش عليه، حتى ولو تصدرت الصفحات الأولى لكتيبات التعريف بمشاريعها وأهدافها ورؤيتها للحياة السياسية في لبنان إعلان الإيمان بالمواطنة.

نجحت أمس حركة «طلعت ريحتكم» بشدّ الشارع اللبناني نحوها كخبر أول جذب اهتماماته وتصدّر تعليقات وسائل التواصل الاجتماعي، وحكى عما يكمن في داخل كلّ لبناني لا يستطيع الخروج للتظاهر خوفاً على لقمة عيشه التي يحصل عليها على شكل وظيفة او خدمات من زعيم طائفة او منطقة، او ربما ايماناً بأنه بات مخدراً ومتأقلماً مع فكرة الفشل في القدرة على إحداث تغيير وهذا صحيح.

«الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي»… «يسقط يسقط حكم الأزعر»… «اعتصام اعتصام حتى يسقط النظام»… هكذا خاطب الشبان والشابات مسؤوليهم بعيداً عن ايّ شعار طائفي مذهبي او حزبي على الإطلاق. احد المعتصمين ذكّر زملائه وصرخ رافعاً صوته عالياً بأنهم «هم من يدفعون للقابعين في السراي الحكومية رواتبهم، غامزاً الى التحلي بالشجاعة والصبر لأننا أصحاب فضل عليهم.

النظام الطائفي في لبنان المبنيّ على تقسيم غير ظاهري لكنه امر واقع بطبيعة الحال، وهو من أقوى الأنظمة في العالم وأكثرها تجذّراً، حتى بات المثل اللبناني أحد ابرز الحلول التي يتمثل بها الديبلوماسيون الدوليون في فض النزاعات، فقد دعا المبعوث الاممي لحلّ الأزمة السورية ستيفان دي ميستورا في وقت سابق إلى اتباع النموذج اللبناني في سورية كحلّ مضمون وناجح، واصفاً إياه بـ»النموذج اللبناني المذهل».

ليست الثورة الحقيقية هي الثورة التي جرت في لبنان عام 2005، والتي لا دخل للشعب اللبناني بها لا من قريب ولا من بعيد، والتي سُمّيت «ثورة الارز»، وليست الثورة في لبنان ان ينزل شارع 8 آذار مقابل شارع 14 آذار وتستعر حرب التعداد والمنافسة من كسب التظاهرة المليونية. الثورة الوحيدة القادرة على إنقاذ البلاد هي تلك القادرة على التوحد على همّ واحد وقلب واحد وتلك التي تمسّ كلّ مواطن ضمن العائلة الواحدة والموضوع بالتأكيد ليس ملف النفايات فحسب، انما الوضع الصعب من كلّ جوانب الحياة التي يعيشها اللبنانيون عموماً.

بلا شك فإنّ منسوب الوعي والرغبة بالتغيير لدى الشباب قد ارتفع في السنتين الماضيتين، والدليل ليس حشد الشباب الذين نزلوا الى ساحة الاعتصام، والذين لا يمكن اعتبار عددهم كافياً لإحداث تغيير على الإطلاق، وهم بهذه الحال اليوم، إنما يعود إلى الإصرار والمثابرة على متابعة القضية، وهي مؤشرات بارزة تختلف في خصوصيتها عن عدد تظاهرات سابقة تدعو إلى إلغاء الطائفية في البلاد.

الفرصة اليوم مفتوحة والدعوة موجهة مباشرة إلى كلّ الشخصيات والأحزاب العلمانية من قوميين وشيوعيين وحركة الشعب ويساريين ووسطيين وحتى مستقلين ونقابات معلمين وموظفين للنزول بكثافة لتبنّي هؤلاء الشبان الصادقين الذين على ما يبدو نزلوا بملء إرادتهم بأعداد قليلة وارتضوا ان تكون خطوة على طريق الألف ميل.

يحتاج هؤلاء الشبان إلى المساعدة، فهم لا يمكنهم إحداث ايّ فارق بهذه الأعداد القليلة، لكن الأحزاب المؤمنة بالمواطنة وبإلغاء الطائفية عليها ان تثبت اليوم انسجامها مع نفسها وهي أمام امتحان لمصداقيتها متناسية ايّ حساب مصلحي او سعي إلى الصدارة على حساب نجاح التحرك. الكلّ مدعوّ لإنقاذ البلاد وفتح ثغرة في هذا النظام الطائفي القوي جداً بعلم الجميع، فلا أوهام هنا ولا أحلام، إنما صرخة ونبض وروح تتعذّب وتتألم لوطن مأزوم.

يعرف الشباب قوة النظام وتجذره والذي لا يمكن هزّه بسهولة، لكن محاولتهم هي محاولة لخرق العقلية المتزمتة في إيواء مجرمين وتحويلهم إلى أصحاب سلطة.

أيها اللبنانيون اقتنصوا الفرصة وتحركوا قبل «ما تطلع ريحتكم».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى