نبراس الضياء
جهاد بكفلوني
إن ما يؤلم القلب، أن ما أصاب الوطن الجريح سورية الغالية، قد شمل البشر والشجر والحجر. وكأن التاريخ يعيد نفسه إنما بصورة أكثر مأسوية ودموية، عندما هاجم التتار عاصمة العباسيين بغداد وأمعنوا في مكتباتها العامرة تدميراً وتمزيقاً لأسفار كانت ملك الإنسانية جمعاء، ولم تكن ملك العرب وحدهم. واليوم تصرّ جحافل الجهل والظلام على تدمير صرح أثريّ ينطق كل حجر فيه بعظمة تدمر.
فعندما نتذكر الجريمة النكراء التي ارتُكبت بحق العالم الجليل خالد الأسعد الذي أمضى حياته كلها في خدمة وطنه، وطن الآثار التي يتقاطر إليها أبناء الأرض كافة، ويقرأ فيها عَظَمة الإنسان السوريّ الذي أصرّ على تخليد ما شاده فكره المبدع في كل زاوية من زوايا تدمر.
إنّ هذا الحقد الأسود لم يكتفِ بزهق روح العالم الجليل، إنما أفرغ القطرة الأخيرة من الحقد عندما أساء إلى فكره ومثّل بجثته، وفي ذلك تخلّ عن الحدّ الأدنى من الإنسانية والانتقال إلى سلوك الوحوش الضارية التي تبدأ بنهش جسد الفريسة وهي على قيد الحياة.
إنّ الرسالة التي تريد اليد الآثمة إيصالها، أنها تقف على نقيض الحضارة، وأنها بنت الظلام الدامس والتخلف المدقع والانحطاط الأعمى. فهي لم تغتل عقلاً مبدعاً فحسب، إنما اغتالت تاريخاً من المجد والحضارة، وتريد أن تقول ـ وفي وضح النهار ـ إنها مصرّة على ازدراء الفكر الإنساني والحضاري لتعود بسورية إلى غياهب التخلّف والانحطاط. لكن هذه الرسالة اللئيمة سترتدّ على من أرسلها، لأن سورية كانت وستبقى أرض الضياء والإشراق.
إن رحيل الباحث خالد الأسعد يذكّرني ببيت شعريّ لبدوي الجبل عندما قال:
إن موت العظيم محنة تاريخ
ودنيا تفنى وكونٌ يزول
فهذا العالم الأثري الجليل الذي فارقنا جسداً سيبقى مقيماً في عقولنا ذكرى متوهّجة، تحمل نبراس الضياء ليبدّد الظلمات التي اجتاحت سماءنا، ولن تكون إلا سحابة صيف عابرة. لأن هذه الأرض كانت وستبقى مهد الحضارات.
مؤسف أن تساقط الشهب مستمر في سماء سورية، ولكننا على يقين أن هذه الأرض ولّادة، وستلد مبدعين ومبدعين. والجيش السوري لن يدّخر جهداً في إعادة الحق إلى نصابه، وسيعيد وجه سورية الجميل. ربما تكون المعركة صعبة، لكن التفاف الشعب حول الجيش، هو بحجم المؤامرة الكبرى التي حيكت لهذا الوطن الذي سيعود إليه طائرالأمان ليبسط جناحيه من جديد ويلف بهما هذه الأرض المباركة.
مدير عام الهيئة السورية للكتاب