قصص من تداعيات معركة الزبداني
يوسف المصري
داخل قصة إخراج إرهابيّي ما يُسمى بـ«أحرار الشام» من مدينة الزبداني يوجد فصل كامل عن العلاقات البيْنية التي تسود بين فصائل المعارضات الإرهابية في سورية، فمعركة الزبداني كشفت وهن هذه الفصائل، وذلك بعد سلسلة من ادّعاءات الأخيرة الإعلامية بأنها باتت منظمة وموحدة إلى حدّ مقبول ميدانياً، على رغم خلافاتها العقائدية.
أول سؤال طرحته قصة معركة الزبداني – ودائماً من وجهة نظر أمراء إرهاب فصائل المعارضة السورية – هو عما سمّي بخلفيات زهران علوش الخبيثة التي قادته إلى إدارة ظهر دوما والغوطة الشرقية لنصرة الزبداني فهذا القطاع الأخير لم ينصرها ولم يقم حتى بفتح معارك لمشاغلة الجيش العربي السوري لتخفيف ضغطه عنها.
وضمن هذا السياق طلب «أحرار الشام» من «الأجانيد الإسلامية» تعبير يؤشر إلى مجموعات تابعة لـ«الإخوان المسلمين» في داريا أن تعمل شيئاً من أجل الزبداني، وذلك كتعويض عما لم يفعله زهران علوش «أمير» دوما، والذي يشيّع هذه الأيام داخل أجواء المعارضات السورية انه انتقل من الحضن التركي إلى حضن الاستخبارات الأردنية، وأنّ الأخيرة معنية في هذه الفترة بتهدئة اللعبة حتى ترى عمّان نتيجة مسار المساعي الإقليمية الأميركية الروسية الحامية لإنهاء الأزمة السورية.
يلاحظ أن معركة الزبداني تمّ خوضها من قبل «أحرار الشام» من دون أن يتمّ تسليط الإعلام على «أميرها» العسكري فيها. وسبب ذلك – ودائماً بحسب معلومات منسوبة إلى المعارضات السورية – هو أن أحداً من قادتها الميدانيين لم يتجرّأ على طرح اسمه في الإعلام، لأنه منذ الأيام الأولى لبدء المعركة أخذ هؤلاء يفكرون بمصيرهم لحظة دخول الجيش السوري إليها، وأيضاً لأنهم ظنوا لفترة من بدء المعركة انه سيُسمح لهم بالخروج عبر ممرّ آمن من الزبداني، كما حصل في القصيْر. وجدير بالذكر أن نسبة عالية من إرهابيّي الزبداني جاء إليها من القصيْر بعد تقهقرهم هناك.
وتضيف هذه المعلومات أنّ توقيف «الشيخ» أحمد الأسير كان له صدى حتى في الزبداني. وتمّ في هذا المجال رصد اتصال بين إرهابيّ في «أحرار الشام» في الحي الغربي قبل تحريره، يكنّي نفسه بأبي عبد الله، بشخص في الغوطة الشرقية، وكان الأخير يطلب منه وصفاً للوضع الميداني، فأجابه أبو عبد الله: حالنا ليس أحسن من حال الشيخ الأسير يقصد أحمد الأسير .
وبحسب تقدير موقف عن العبر المستفادة من حرب الزبداني، فإنها تمتاز بأنها أول معركة لم يتمّ فيها ترك ممرّ آمن للمسلحين لكي يخرجوا عبره من حصارهم إلى منطقة أخرى.
وتؤسّس هذه الميزة لمرحلة جديدة يشنّها الجيش السوري والمقاومة بخصوص موضوع الحرب على الإرهاب والإرهابيّين في سورية، وشعارها من يريد منهم النجاة بنفسه عليه أن يفعل ذلك قبل أن تبدأ المعركة، أما عند اندلاع لهيبها فإنّ الحسم هو كلّ ما معروض عليهم.
ويبدو أن هذه الرسالة التي تأتي في سياق الحرب النفسية على المسلحين وصلت إلى كلّ فصائل الإرهاب فوق الميدان السوري من شماله إلى جنوبه إلى وسطه. ولوحظ كنتائج عملية لها، أن عمليات الإعدام بحق فارّين وتحت تبريرات مختلفة من صفوف فصائل السلفيين المختلفة، تعاظمت في الأيام الأخيرة وبين هؤلاء «أمراء» عسكريون وليس فقط عناصر.
العبرة الثانية التي أفرزتها معركة الزبداني تتمثل في أنّ فصيل «أحرار الشام» الذي اعتبرها أم معاركه، أصيب بنتيجتها بخسارة معنوية كبيرة لصورته داخل طيف المعارضة السلفية. وعليه يتوقع أن يدخل فصيل «أحرار الشام» في مرحلة ما بعد الزبداني بنوعين من التفاعلات: الأول انشقاقات في داخله تحت مبرّر مَن المسؤول عن الهزيمة. والثاني محاولات «داعش» و«النصرة» لمد أيديها إلى صحنه التنظيمي لتستقطب منه أفراداً ومجموعات لمصلحتهما.
الزبداني بحسب مصادر في المعارضة شكلت مقبرة لمشروع «أحرار الشام»، وكذلك للرهانات الإقليمية عليه.