مصر في عهدة السيسي… وسورية فرصة وتحدّ لدورها العربي والإقليمي الدولي
كتب المحرر السياسي
بينما لبنان يتطلع بقلق إلى كيفية تجاوز الارتباك الذي أصاب إدارة مرحلة الفراغ الرئاسي التي بدت في بداياتها سلسة وسهلة، تسير التطورات في المنطقة والعالم بتسارع، وهكذا تطلّ الاستحقاقات اللبنانية الداهمة فيما الحكومة وقواها المكوّنة مشتتة بخلافاتها حول الاستحقاق الرئاسي ومقارباته، والشظايا المتشعّبة من هذا الخلاف، بوقف حضور جلسات التشريع عند البعض، والخلاف على صلاحيات التوقيع على المراسيم من جهة أخرى، وفي قلب كلّ ذلك كرة النار المتدحرجة لسلسلة الرتب والرواتب واستحقاق الامتحانات الداهم.
بمثل الضياع اللبناني جاء فاول وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بالتصويب على الدولة السورية واتهامها بالعلاقة مع التنظيمات الإرهابية، خارج الزمن الحقيقي لما يجري دولياً وإقليمياً، لتبدو معه فرنسا الدولة العظمى، كما في كلّ مرة تتقدم بمشروع قرار ضدّ سورية في مجلس الأمن وتتفاءل بإقراره، أنها صارت مع تقديم المصالح الإسرائيلية التي يضمنها وجود فابيوس على رأس الديبلوماسية الفرنسية، كدولة من العالم الثالث، حدود ما تعلمه من مواقف الدول الكبرى هو ما يقوله مسؤولوها في الإعلام، بعيدة كلّ البعد عن الجوهري والرئيسي للحركة السياسية والديبلوماسية التي تجري بين اللاعبين الحقيقيين.
مثلما تفاجأت فرنسا بالتفاهم الإيراني الغربي وخصوصاً الأميركي، وهي تقف في صف المشاغبين وعادت لتلتزم الصف الأميركي وفقاً لنظرية «بَبْكي وبَروح»، كذلك في تراجع واشنطن عن الضربة العسكرية لسورية على رغم حشد الأساطيل، قال فابيوس لن نتراجع وتراجع، فالنظرية مستمرة «بَْبكي وبَروح»، ومثلها الكثير من «البكاء والروحان».
المشهد الدولي والإقليمي لا تختصره ولا تعبّر عن شيء يتصل به في العمق تصريحات فابيوس والهمروجة اللبنانية، فاليوم تبدأ مفاوضات أميركية إيرانية مباشرة سبق التحضير لها شهور عدة من المفاوضات عبر الوسطاء، وخصوصاً الدور المحوري لمفوضة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، الأميركية الهوى كاترين آشتون، وكذلك بالرسائل المتداولة بواسطة كلّ من سلطنة عمان والحكومة العراقية الصديقتين للطرفين الأميركي والإيراني، وحرصاً على تظهير متانة الحلف الروسي ـ الإيراني جرى ترتيب مفاوضات روسية ـ إيرانية تواكب تحت العنوان النووي ما سيجري بين واشنطن وموسكو في الملف الأوكراني، ومعادلاته في ما يجري بين واشنطن وطهران في الملفات غير النووية، من سورية إلى الخليج والعراق، ولكن في قلب القضايا ستكون العلاقات الإيرانية ـ السعودية، والإيرانية ـ التركية، حول مفهوم الأمن الإقليمي في الفضاءين الشمالي والجنوبي للشرق الأوسط، باعتبار الفضاء الأفريقي سيصبح مصرياً بالتدريج مع تسلّم الرئيس المصري المنتخب المشير عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم، وربما من بوابة تدخل عسكري مصري يجري التحضير له في ليبيا مقابل حصة مصرية من النفط الليبي.
في قلب هذه المفاوضات المتعددة الأطراف يجري التعامل مع حزب الله كلاعب إقليمي، على رغم الاستدراك الذي أصدره وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإضعاف مفعول مناشدته حزب الله للمساعدة في الحلّ السياسي في سورية، وفي قلب هذه المفاوضات البحث في كيفية السير بتطبيع بارد على المسارين السوري والأوكراني ينتهي بحكومة وانتخابات في سورية يبرّران لواشنطن بدء التطبيع مع الدولة السورية، مقابل تطبيع تدريجي للعلاقة بين الرئاسة الأوكرانية والجمهوريات المنفصلة ينتهي بالاستفتاء وتكريس الفيديرالية.
لن يكون سهلاً على واشنطن فرض شيء من روزنامتها على القيادة السورية ولا الانعطاف للاعتراف بالرئيس بشار الأسد، بعد كمّ الكلام الكبير الذي صدر عنها والسقوف العالية للرحيل ومواعيده التي قطعتها، بمثل ما سيكون متيسّراً لموسكو من جهة أن تفرض روزنامة الفيديرالية على الرئاسة الأوكرانية، ومن جهة أخرى أن تتعاطى معها بواقعية تمثلت بلقاء الرئيس الروسي مع الرئيس الأوكراني في باريس.
في قلب هذه المعادلة تبدو مصر في موقع يتهيّأ لدور هو حاجة لها وللآخرين، وبدا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مدركاً لهذا التحدي وهذه الفرصة.
من جهة بدا واضحاً أنّ الأميركي والسعودي لا يقدران مهما بلغت درجة العقلانية عند كلّ منهما على الدخول في مفاوضات مع سورية، ولا يرغبان بتفويض هذا الدور لإيران على رغم وجود العلاقة بسورية كملف حاضر في المفاوضات مع طهران، لتبدو مصر التي تخوض حرباً شبيهة للحرب السورية مع الإخوان المسلمين والقاعدة، الجهة الأقرب إلى هذا الدور، خصوصاً مع تعثر التفاهم على مبعوث دولي عربي تقبله سورية ويكون موثوقاً بأداء المهمة التي يريدها الأميركي ويرتاح إليها السعودي، لتصير مصر السيسي مخرجاً مقبولاً ببدء مشوار الانفتاح على سورية ولو أمنياً وبالتدريج سياسياً، وربما لإطلاق مبادرات للحوار حول سورية، وبين الدولة والمعارضة السورية، يستثنى منها الإخوان المسلمون والقاعدة ومتمّماتهما وفقاً للتوصيف المصري المباشر كما تمليه الأجندة المصرية الداخلية.
من جهة مقابلة بدت مصر السيسي في يوم الرئاسة الأول، معنية بتأكيد اهتمامها الخليجي سواء بشكر السعودية المباشر، أو بالتذكير الذي بدا مقصوداً بأنّ مصر حاجة خليجية، بالقول إنّ مصر مسؤولة عن أمن الخليج كمدخل للأمن القومي العربي، وما يعنيه ذلك من تمهيد لدخول مصر على التوازن الخليجي الإيراني، واستطراداً الخروج من عقدة التعامل مع السعودية بعين النقص والضعف، بل وفقاً لمعادلة تحتاجوننا كما نحتاجكم، كما بدا التجاهل المصري لأزمات المشرق العربي على رغم أولويتها تفادياً للحرج وتأجيلاً للموقف، فالتجاهل يعني بالتوازي، عدم رغبة في إحراج وإزعاج السعودية بموقف إيجابي من الدولة السورية تجاه الحرب المشتركة لسورية ومصر ضدّ العدو نفسه، لكنه عدم مماشاة للسعودية وموقفها العدائي من سورية والحرب عليها من جهة مقابلة.
مصر السيسي مرشحة لتكون السلم الأميركي السعودي للدخول غير المباشر على العلاقة بسورية، ومرشحة بالتالي عبر هذا الدور لإنتاج ما أسماه الرئيس السيسي دور مصر الإقليمي والدولي.
في قلب هذا المشهد قالت مصادر متابعة للتطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، إنّ الزمن الرئاسي اللبناني قد يتحرك على إيقاع صعوبة الانعطاف السريع الأميركي السعودي للانفتاح على الرئيس السوري بشار الأسد، في ضوء ما ترتب على الانتخابات من معانٍ أظهرت حجم التحوّل في الشارع السوري، لمصلحة عودة مشروع الدولة على حساب كلّ فرضيات ووعود المعارضات وعنادها، متوقعة أن يصير التعويض بصرف فائض القوة الذي راكمته سورية والمقاومة بنتيجة هذا التحوّل، بتعزيز الفرص الرئاسية للعماد ميشال عون وربما من البوابة المصرية مرة أخرى.
… اليوم السادس عشر
وفي اليوم السادس عشر من الشغور الرئاسي، لن يتأمن النصاب في الجلسة العامة لانتخاب الرئيس التي ستكون كسابقاتها. تكرر اليوم الكتل السياسية في 8 و14 آذار السيناريو الذي دأبت عليه منذ الدعوة الثانية التي وجهها رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتخاب الرئيس.
يحضر نواب 14 آذار إلى المجلس النيابي، يدخلون القاعة العامة ونواب التحرير والتنمية واللقاء الديمقراطي. فيما يجلس نواب الوفاء للمقاومة في مكاتبهم في المبنى المجاور، ليقتصر حضور نواب التغيير والإصلاح على بهو المجلس والتصريح للصحافيين.
وفيما دعا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مساء الجمعة الماضي إلى بذل جهد داخلي جدي متعدد الأطراف لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، أكد رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط أمس أنه لن يسحب ترشيح النائب هنري حلو ولو حتى توافق الرئيس سعد الحريري مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون.
التفاوض المنقوص ليس توافقياً
وفي السياق أكد أمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر لـ«البناء» أن المنطق يقول أن التوافق على رئيس للجمهورية يتطلب الاتفاق بين كل المكونات السياسية الأساسية في البلد على اسم المرشح، فالتفاوض المنقوص سواء كان ثنائياً أو ثلاثياً لا يكون توافقياً.
ورأى ناصر أن موقف النائب جنبلاط يؤكد أن ترشيح النائب هنري حلو ليس مناورة فنحن لسنا مستعدين لسحب ترشيح حلو لأننا نريد مرشحاً توافقياً يتحاور مع الجميع يتصف بالاعتدال والوسطية ويعبر عن موقع سياسي، وتمنى أن تأتي التسوية السياسية التي يجب أن تشمل الجميع على المرشح حلو.
التغيير والإصلاح يحضر الجلسة والمستقبل رهن الاتفاق على تصور واضح
بموازاة ذلك، تتجه الانظار إلى جلسة يوم غد المخصصة لمناقشة وإقرار سلسلة الرتب والرواتب في ظل مؤشرات عن انعقادها، بالتزامن مع اشتعال نار السجال بين هيئة التنسيق النقابية ووزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب المصرّ على إجراء الامتحانات الرسمية في موعدها الخميس المقبل مستعيناً بموظفين من القطاع العام ومتعاقدين من القطاع الرسمي ممن لا يؤيدون توجهات الهيئة وآخرين من القطاع الخاص للمراقبة التي لا تحتاج كما قال بو صعب إلى شهادات دكتوراه.
وأعرب بو صعب لـ«البناء» عن أمله في إقرار السلسلة غداً متفهماً «فشة الخلق» التي يتحدث بها أعضاء هيئة التنسيق النقابية، فهو يعمل لتحقيق مطالبهم وحقوقهم، لكنه في الوقت عينه يريد أن يضع حداً لمعاناة الطلاب، مؤكداً أن الامتحانات ستجرى يوم الخميس وهي شأن يعني وزارة التربية.
وفي السياق، تتحضر هيئة التنسيق اليوم إلى انتفاضة ضد القرارات الجائرة التي تتجاوز الامتحانات الرسمية كما أسمتها، مؤكدة ان لا امتحانات بلا سلسلة، وأن الشهادة الرسمية خط أحمر ولن تسمح لأحد بالتلاعب فيها أو بالتدخل بوضع أسئلة أو مراقبة الامتحانات.
مصادر الهيئة: ضغوط بو صعب لن تُفيده
واستغربت مصادر هيئة التنسيق قيام الوزير بو صعب بالشيء ونقيضه. وقالت إنه لا يستطيع أن يستمر بإمساك «العصا في الوسط»، خصوصاً إذا طارت جلسة الثلاثاء ولم تقر السلسلة. وأضافت: إن أساليب التهديد التي بدأ وزير التربية استخدامها ضد المعلمين غير مسبوقة، فهو عبر رؤساء المراكز التربوية طلب من كل الأساتذة والمعلمين الوجود في مدارسهم صباح يوم الخميس، ويبدو أن المقصود من ذلك محاولة الضغط على المعلمين للإشراف على الامتحانات الرسمية كل في منطقته، مشيرة إلى أنه جرى إرسال رسائل عبر الخلوي إلى كل المعلمين تطلب من الذين يريدون عدم الالتزام بقرار هيئة التنسيق إعطاء جواب إذا كانوا مستعدين للمشاركة في عملية الإشراف على الامتحانات، وعندما لم يتجاوب سوى القلائل جداً مع هذه الرسائل، لجأت وزارة التربية إلى دعوة المعلمين للحضور إلى مدارسهم صباح الخميس، وهو أمر مرفوض وغير قانوني، وفق كل مسيرة وزارة التربية منذ عشرات السنين.
خليل يرفض التعليق عن جلسة بغياب «المستقبل»
وعلمت «البناء» أن لقاء سيعقد اليوم بين وزيري المال علي حسن خليل والتربية الياس بوصعب، للبحث في موضوع السلسلة. وأكد خليل لـ«البناء» أن الاتصالات مستمرة ونحن سننزل إلى المجلس وندعو كل الكتل لحضور الجلسة. ورفض خليل التعليق عن فرضية عقد الجلسة إذا تأمن النصاب بغياب تيار المستقبل.
وفي السياق أكد مصدر نيابي في التحرير والتنمية لـ«البناء» أن موضوع السلسلة تجاوز كل الحدود المعقولة وبات يتعلق بالاستقرار الاجتماعي، داعياً جميع الكتل السياسية لحضور الجلسة لا سيما أن وزارة المال ستكون لديها تقديرات وفق الدراسات التي أعدتها لجهة الإيرادات حول كل بند من البنود.
وفق «التغيير والإصلاح» «المستقبل» سيحضرون
وإذا كان حضور نواب 8 آذار وجبهة النضال الوطني محسوماً لجلسة الثلاثاء.علمت «البناء» أن حضور نواب تكتل التغيير والإصلاح الجلسة بات مؤكداً، وقد يكون الحضور أولى الاشارات الايجابية للقاء الرئيس بري والعماد ميشال عون الأسبوع الفائت. وأكد مصدر نيابي في التغيير والإصلاح لـ«البناء» أن الحضور تأكيد على أن ما يهم التكتل هو حقوق المواطنين ويبدو أن هناك تبدلاً في مواقف القوى السياسية. وإذ توقعت أن يحضر نواب تيار المستقبل أشارت إلى أن نقاطاً عدة تم الاتفاق عليها ومن بينها تقسيط الدرجات على 3 سنوات.
وقال عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب آلان عون مساء أمس لـ«البناء» إن هناك تغييراً في مسار الجلسة عمّا سبقها من جلسات.
وحول جلسة السلسلة، قال: «إن التكتل سيحضر جلسة الثلاثاء». وقال: «متل ما أنا شايف يبدو أن كل الكتل ستحضر الجلسة».
ورداً على سؤال ما إذا كان جرى التوصّل إلى مقاربات حول تكاليف السلسلة وتغطيتها؟ قال: «لم نتوصل إلى مقاربات نهائية لكل الأمور، لكن الاتصالات مستمرة، ونأمل أن يتم الاتفاق على الأرقام قبل جلسة الثلاثاء».
السلسلة بين تأمين الأموال والإيرادات
وعلمت «البناء» أن موقف القوات اللبنانية كموقف رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة لجهة أن اقرار السلسلة بحاجة إلى تأمين الأموال وهذا الأمر يتوقف على وزارة المال، التي تقول بدورها إن الأمر يتوقف على ماذا سيقر من إيرادات.
وأكد عضو كتلة المستقبل النائب غازي يوسف لـ«البناء» أن قرار المشاركة في جلسة الثلاثاء رهن تطورات الساعات المقبلة، متحدثاً عن اتصالات تجرى بين أعضاء اللجنة، وإذا تم الاتفاق على تصور واضح بالنسبة للسلسلة لا سيما في ما يتعلق بالمال المتاح سننزل إلى الجلسة.
جولة مارونية على المرجعيات الرسمية والروحية
في سياق آخر علمت «البناء» أن وفد المؤسسات المارونية المجلس العام الماروني، الرابطة المارونية، مؤسّسة الانتشار يتحضر لجولة على المرجعيات الرسمية والروحية للبحث في مصير الاستحقاق الرئاسي ولتسريع الخطوات لانتخاب الرئيس، بعدما كان أنهى جولته على القيادات الأربعة الموارنة.
وأمس اعتبر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أن قيام حكومة تحل محل الرئيس لمدة غير محددة هو انتهاك خطير للدستور والميثاق إذ يقصي المكوّن المسيحي الماروني عن الرئاسة الأولى.