الفرز من المصدر… ينتج بضاعة ويمنع كارثة بيئية

يوسف الصايغ

في ظلّ العجز الحكومي الحاصل لا تزال أزمة النفايات تراوح مكانها دون الوصول الى ايّ حلول عملية، لا سيما في ظلّ المراوحة على مستوى تصدير النفايات الى الخارج التي سترتب أعباء مالية على خزينة الدولة، فتصدير النفايات إلى الخارج ليس مجانياً، والدول التي أبدت استعدادها لاستيراد النفايات تريد أموالاً مقابل ذلك، وعليه يبدو انّ هذا الخيار بات مستبعداً، وتزايدت الدعوات لاعتماد الفرز من المصدر، وبالفعل بدأ عدد من البلديات بتنفيذ هذه الخطوة عملياً عبر وضع المستوعبات الثلاثة المخصصة لكلّ نوع من النفايات وإرشاد المواطنين بالتعاون مع الجمعيات البيئية الى الخطوات اللازمة للنجاح في إتمام عملية فرز النفايات من المصدر.

على صعيد متصل وبينما تستمرّ عمليات تهريب شاحنات النفايات بين المناطق ورميها عشوائياً في الأحراج دون حسيب او رقيب، الى جانب تكدّس كميات النفايات في شوارع المناطق وجّه وزير البيئة محمد المشنوق كتاباً الى وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق يتمنى فيه الطلب الى المحافظين والقائمقامين واتحادات البلديات والبلديات تشجيع المواطنين على فرز النفايات المنزلية الصلبة القابلة لإعادة التدوير في أكياس خاصة تخفيفاً لإنتاج النفايات الذي يؤدّي الى تقليص حجمها والحدّ من الضرر البيئي الناجم عنها، وذلك انطلاقاً من مبدأ التعاون الذي نصت عليه المادة الرابعة من قانون حماية البيئة رقم 444/2002 والذي يقضي بأن تتعاون السلطات العامة والمحلية والمواطنون على حماية البيئة على كل المستويات.

كما وجّه وزير البيئة تعميماً الى الهيئات الأهلية التي تُعنى بشؤون البيئة والتوعية حول الإدارة الرشيدة دعاها فيه الى «تكثيف حملاتها لتشجيع المواطنين على فرز النفايات المنزلية في أكياس خاصة وتشجيع المواطنين في المناطق الجبلية والزراعية على تسبيخ النفايات العضوية، فهل يكون فرز النفايات من مصدرها هو أولى الخطوات على طريق معالجة أزمة النفايات؟

النفايات يمكن ان تتحوّل إلى بضاعة

يلفت رئيس «الحركة البيئية اللبنانية» بول أبي راشد في حديث لـ «البناء» غلى أنه كان يتمنى لو أنّ وزير البيئة دعا وزير المالية للإفراج عن الأموال المخصصة لصناديق البلديات الى جانب الدعوة التي وجهها الى وزير الداخلية في ما يتعلق بمسألة التقيّد بفرز النفايات، مؤكدا أنّ البلديات تحتاج الى مبالغ مالية للقيام بدورها على صعيد فرز النفايات، ويسأل أبي راشد: لماذا لا تصرف الأموال للبلديات أسوة بما كان حاصلاً في التعاطي مع شركة سوكلين، التي كانت تصلها الأموال لقاء قيامها برفع النفايات.

ويؤكد أبي راشد انه بمجرد القيام بخطوة فرز النفايات من المصدر، فإنّ حجمها سيبدأ بالتقلص تلقائياً، ما يشكل أولى الخطوات على طريق حلّ مشكلة تراكم النفايات، وعليه تتوقف ظاهرة حرق النفايات التي تسفر عن أخطار بيئية كبيرة جداً، اما في ما يتعلق بالنفايات العضوية فإنّ الطبيعة قادرة على معالجتها.

المعامل الموجودة لدينا قادرة على معالجة النفايات التي تنتجها المناطق بل انّ قدرتها على المعالجة تتجاوز ما ينتجه لبنان من نفايات، هذا ما يؤكده أبي راشد في سياق الحديث عن قدرة المعامل في لبنان على معالجة النفايات، كما يشير إلى أنّ النفايات إذا تمّ فرزها بالشكل الصحيح يمكن تتحوّل الى ثروة، فالصين أبدت جهوزيتها لاستيراد نفاياتنا، كما انّ دولاً أخرى مثل رومانيا وتركيا تهتمّ بشراء ما يتعلق بالمعادن وغيرها من النفايات الصلبة، وبالتالي أؤكد انّ النفايات التي هي مشكلة يمكننا ان نجعلها بضاعة إذا ما عالجناها بالطريقة الصحيحة».

كذلك يُبدي رئيس الحركة البيئية اللبنانية ثقته بأنّ البلديات قادرة على القيام بالدور المناط بها في ما يتعلق بتأمين فرز النفايات من قبل المواطنين، خصوصاً أنّ هناك تعاوناً جيداً من قبل الجمعيات المدنية والأهلية والحركات البيئية التي تبدي اهتماماً كبيرا في مسألة معالجة خطر النفايات الذي بات يتهدّد المجتمع، لا سيما بعد ان تمّ إلقاء هذا العبء على كاهل البلديات، وبالتالي المزج بين دور البلديات ومؤسسات المجتمع المدني سوف يسفر عن حلّ لهذه الكارثة البيئية، في وقت لا تملك الدولة أيّ حلول، ومن هنا كانت الدعوة الى عصيان مدني إيجابي بعدما تأكدنا انه لا يمكن ان نصغي الى الدولة التي أظهرت عجزها، وبالتالي يجب علينا أن نكون إيجابيين في معالجة وحلّ مشكلة التلوث البيئي الناجمة عن النفايات.

الفرز أولى خطوات الحلّ… وتحذير من كارثة

من جهتها تؤكد رئيسة حزب الخضر في لبنان ندى زعرور في حديث لـ»البناء» انه «لا بدّ من ان ننطلق من المصدر في مسالة معالجة مشكلة النفايات، وبالتالي عملية الفرز من المصدر تقلل كمية النفايات وتبقي كميات قليلة تمهيداً لحرقها او طمرها في المرحلة الثانية، كما انّ فرز النفايات يتيح إعادة استخدام الموارد الطبيعية بعد تدويرها».

وتضيف زعرور: «هنا يكمن دور المواطن الذي يجب ان يقوم بدوره عبر المساهمة في حلّ مشكلة النفايات المتراكمة وعدم انتظار قرار الحكومة، وهو مسؤول أيضاً في ما يتعلق بعدم رمي النفيات عشوائياً وفرزها وصولاً الى التدوير، كما يجب على المواطن ان يراقب عمل البلديات على صعيد منعها من رمي النفايات عشوائياً».

كذلك تشير رئيسة حزب الخضر إلى أنّ «هناك نحو 670 مكباً عشوائياً وتزايدت أعدادها بشكل كبير بعد بروز أزمة النفايات، وبالتالي يجب العمل من قبل الحكومة على تحديد أماكن المطامر والتشدّد في منع رمي النفايات عشوائياً، لأنّ ذلك يخلق أزمة بيئية على مستوى الغطاء الحرجي واندلاع الحرائق، وهذا يستدعي محاسبة من يخالف الشروط وعلى البلديات بالدرجة الأولى ان تتحمّل مسؤولياتها، وعلى المواطن ان يحاسب البلدية أيضاً وهذا الموضوع يتطلب التعاون من الجميع، فالمجتمع المدني غير قادر ان يعمل وحيداً في مكافحة رمي النفايات في الطبيعة بشكل غير مسؤول».

وعلى صعيد حملة التوعية المطلوبة للمواطنين كي يقوموا بعملية فرز النفايات تشير زعرور الى انّ «المشكلة القائمة حالياً شكّلت أكبر حملة توعية في المجتمع، فالمواطن شاهد هذه الأزمة أمامه، وبالتالي بدأ يسأل نفسه عن الحلول وأين تذهب هذه النفايات وعن التكلفة العالية التي يدفعها لقاء التخلص من النفايات، وبالتالي يصبح كلّ مواطن خفيراً بدلاً من التعاطي مع الأمر باستهتار لأنه سيدفع ثمن اللامبالاة من صحته وصحة عائلته».

من جهة ثانية تحذر زعرور من مسألة رمي النفايات التي يتمّ ترحيلها الى عرض البحر، ريثما يتمّ إيجاد المطامر اللازمة لها في المياه ما يخلق كارثة بيئية، وتلفت إلى أنها قامت بالتواصل مع أحزاب الخضر في منطقة المتوسط لمراقبة الشواطئ بهدف منع وقوع الكارثة، كما قامت بإبلاغ منظمة «غرين بيس» للقيام بمعاينة ومراقبة السفن المتواجدة في منطقة البحر المتوسط للغاية عينها، وذلك سيشكل ورقة ضغط على الحكومة للقيام بواجباتها وتحمّل مسؤولياتها في إيجاد المطامر الملائمة للنفايات وعدم رميها في المياه او المكبات العشوائية».

خطوة بيئية نموذجية في منطقة بعلبك ـ الهرمل

في إطار المبادرات المتخذة لحلّ أزمة النفايات وَقَّع رئيس بلدية بعلبك حمد حسن وصاحب شركة «الجهاد للهندسة والمقاولات» جهاد العرب، عقد تشغيل وصيانة معمل معالجة النفايات فرز وتسبيخ في منطقة بعلبك – الهرمل، لمدة ثلاث سنوات على أن يبدأ العمل في 16 أيلول المقبل.

ويشرح رئيس بلدية بعلبك حمد حسن في حديث لـ»البناء» الخطوات التي ستتمّ خلالها معالجة النفايات، بحيث سيتمّ فرزهها بحسب أنواعها: حديد، بلاستيك ونايلون وفضلات طعام، ولاحقاً يُصار الى عملية تسبيخ تمهيداً لاستخدام تلك النفايات عبر وحدة البوتغاز الموجودة في المعمل لإنتاج الطاقة، بينما يتمّ طمر الفضلات.

واذ يشير الى الهبة المقدّمة من الاتحاد الأوروبي للقيام بتجهيز مطمر صحي، يضيف: نقوم حالياً بطمر النفايات في المكبّ القديم وهو للأسف عشوائي، ريثما يتمّ الانتهاء من تجهيز المطمر الجديد في مطلع عام 2016.

ويلفت حسن الى انّ شركة «الجهاد» بحاجة الى شهر لتجهيز المعمل وتشغيل محطة الكهرباء وبعدها يتمّ افتتاح المعمل للبدء بمعالجة نفايات منطقة بعلبك، وسنكون في مرحلة تقييم للعمل قبل البدء باستقبال النفايات من الجوار، كما يدعو الى القيام بخطوة مماثلة لما قامت به بلدية بعلبك في إطار معالجة مشكلة النفايات في باقي المناطق والمحافظات.

تجدر الإشارة الى أنّ القدرة الاستيعابية لهذا المعمل تبلغ 250 طناً في اليوم الواحد، ويخدم المناطق كافة التي تقع في محافظة بعلبك ـ الهرمل. ويتمّ تمويل التشغيل والصيانة من الموازنة العامة للدولة اللبنانية من خلال وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية على أساس كلفة 25 دولاراً لمعالجة الطن الواحد من النفايات.

الفرز من المصدر… حلّ بيئي وتوفير مئة مليون دولار

تشير أرقام الحركة البيئية اللبنانية إلى أنّ محافظتي بيروت وجبل لبنان تنتجان يومياً ما لا يقلّ عن 3000 طنّ من النفايات، وبالتالي يعجز مركزا الفرز في العمروسية والكرنتينا عن استيعاب هذه الكمية الكبيرة، فالمركزان قادران على استيعاب ما لا يتجاوز 2200 طن يومياً، وبالتالي تأتي خطة فرز النفايات من المصدر لتشكل الحلّ الأمثل لهذه المشكلة، بحيث يقوم المواطنون بفرز النفايات في ثلاثة مستوعبات، الأخضر للنفايات العضوية، الأحمر للنفايات غير العضوية، والأبيض للنفايات الورقيّة والكرتون.

ثانياً تقوم البلديات باعتماد روزنامة أسبوعية لجمع النفايات، فتخصّص يومي الثلاثاء والخميس لجمع النفايات غير العضوية وتقوم بفرزها ضمن نطاق البلدية قبل ان تقوم بإرسالها الى معامل التدوير، أما بالنسبة للنفايات الخاصة كالأدوية والبطاريات فيتمّ إرسالها الى مراكز تحدّدها الدولة لمعالجتها وتخزينها.

وفي ما يتعلق بالنفايات العضوية فتقوم البلديات بجمعها أيام الاثنين والأربعاء والجمعة من كلّ أسبوع، حيث ترسلها الى مراكز الفرز، وهكذا تتقلص كمية النفايات التي تحتاج الى معالجة من 3000 طن الى 1800 طن في اليوم الواحد، ويتمّ إرسال 1050 طن يومياً من النفايات العضوية والمحارم من مناطق بيروت والمتن وكسروان الى معمل الكرنتينا، بينما يستقبل معمل العمروسية ما لا يتجاوز الـ750 طناً من مناطق الشوف وعالية وبعبدا.

كذلك تتمّ معالجة نفايات بيروت العضوية والمحارم في مركز الكورال، بينما يتمّ استحداث مراكز معالجة للمناطق الأخرى تتراوح مساحتها بين 10 و30 الف متر مربع، على ان تكون مناطق تواجدها في المناطق الصناعية أو في مناطق المرامل والكسارات أو مطامر مقفلة.

هذا الحلّ يعتبر بيئياً بامتياز، فهو لا يحتاج إلى طمر أو حرق أو ردم للنفايات في البحر، كما لا يتطلب التصدير الى الخارج او ترحيل النفايات من منطقة ورميها في منطقة أخرى، كما يوفّر هذا الحلّ على الصندوق البلدي المستقلّ مبلغ 100 مليون دولار أميركي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى