جنوب سورية والعدوان «الإسرائيلي»
تامر يوسف بلبيسي
خلال المحنة التي حلت بوطننا الحبيب تفاوتت الأوصاف التي أطلقت عليها، وكان جنوب سورية وخصوصاً منطقة درعا من أكثر المناطق التي تعرّضت لتشوّش الرؤية، والتي تاه كثير من أبنائها عن فهم ما يجري في بلدهم، وربما كان لكلّ من هؤلاء عذره في تبني فهمه الخاص، ومنهم الذين كانوا يتوهّمون أنهم يقومون بـ«ثورة» أسوة بالشباب الذين خرجوا في بلاد عربية ربيع العام 2011، لكن الذي مرّ من أحداث ووقائع منذ ذلك التاريخ كان كافياً لتوضيح ما لم يكن واضحاً في البدايات.
لقد ثبت أنّ السعي إلى المزيد من الإصلاحات في بنية الدولة ومؤسساتها ونسبة الحرية والديمقراطية فيها أمر لا يتحقق بتدمير البلد وتخريب المؤسسات وأخذ سورية إلى تبديد كلّ ما راكمته من عمران ومنشآت وخدمات والتباهي بالسيطرة على أرض محروقة، ومن ثمّ التذرّع بالعجز عن حمايتها من أيدي مجموعات متطرفة لا تؤمن بالحرية ولا بالديمقراطية، وتفرض على الناس نمط حياة لا يشبههم، والتذرّع بالعجز عن منع هؤلاء الذين استجلبوا للتحكم برقاب السوريين باسم ثورة الحرية والديمقراطية، والعذر الأقبح من ذنب هو القول إنّ الدول التي تقدّم الدعم تفرض التحالف مع هؤلاء، ولا يمكن ردّ طلباتها، لأنّ الحرب تستدعي الحصول على إمكانات كبيرة لا تتوافر من دون الدول الداعمة، وعند التدقيق في هوية الدول الداعمة يصير الأمر أشدّ مأسوية في النظر إلى العقول التي تتقبّل كذبة بناء الديمقراطية والحرية للسوريين بدعم دول لم تعرف يوماً انتخابات ولا صحافة ولا دستور… وفاقد الشيء لا يعطيه.
تحوّلت سورية بأيدي بعض من أبنائها إلى صندوق بريد للرسائل الإقليمية والدولية، وعلى رغم ذلك يصرّ البعض على القول إنّ البعد الداخلي هو الأهمّ، حتى بدأت التدخلات «الإسرائيلية» العلنية والمتكرّرة، لتكشف أنّ بلدنا سورية مستهدف من العدو الذي يجمع السوريون على أنه من يحتلّ أرضهم ويتربّص بهم، وهو العدو الذي يختار اليوم لمن يوجه نيرانه بين فريقين يتقابلان في الميدان، فهل يفكر بعض شباب سورية الذين كانوا ينتقدون دولتهم بداعي أنها تتباطأ في قتال «إسرائيل» ماذا يعني أنّ من يسمّون أنفسهم «ثواراً» يحظون بالدعم الإسرائيلي! وأنّ الجيش العربي السوري يُستهدف بنيران «إسرائيل» بمثل ما يستهدفه هؤلاء الذين يُفترض أنهم أبناء بلد مؤتمنون على سيادة بلدهم وأرضه وشرفه؟
هل يحتاج الذين كانت تُغشي عيونهم شعارات وعناوين تمنعهم من رؤية الحقيقة إلى أكثر مما يجري اليوم للتأكد من أنهم في المكان الخطأ؟
الحقيقة كانت واضحة لكثيرين منذ البداية، ويبدو الآن أنّ كثيرين من الذين كنا نعذرهم بحجة أنهم لم ينتبهوا للحقائق وأخذتهم حماسة أو دعاية أو سوء فهم أو أسباب خاصة وحاولنا أن نجد لهم تفسيراً أو تبريراً كانوا أيضاً يعلمون الحقيقة وقد قبلوها كما هي.
فلم نسمع منذ أكثر من ثلاث سنوات على الغارات «الإسرائيلية» المتلاحقة التي تستهدف الجيش السوري أنّ مجموعة انفصلت احتجاجاً على العلاقة بـ«إسرائيل»، أو أنّ شخصاً انشقّ عن جماعته لأنه يستعظم ويخجل أن يكون مع «إسرائيل» في خندق واحد، وأنه يفضل أن يستشهد مع جنود جيش بلده على أن ينتصر وهو في الخندق الواحد مع «إسرائيل».
الذي يجري جنوب سورية هذه الأيام من عدوان «إسرائيلي» يحدّد تحت الضوء جبهتين لا مكان للوسط بينهما، جبهة فيها الجيش السوري وجبهة فيها الجيش «الإسرائيلي»، وعلى كلّ سوري أن يجيب بلا مواربة وبلا تلعثم وبلا «ولكن» «وإنما» مع أي من الجيشين يقف في ذات الخندق؟
غالبية السوريين قالت كلمتها وحسمت خيارها مع جيش الوطن وربما يكون ثمة أمل أن يكون بعض الذين يقفون على الضفة المقابلة في حال ندم لما فعلوا ويفعلون ببلدهم، فما أصعب أن نيأس من استرداد بعض شباب بلدنا إلى حضن الوطن وما أصعب الحياة لولا فسحة الأمل…
مغترب عربي سوري في الكويت
رئيس مجلس إدارة قناة «زنوبيا» الفضائية