بين غزة والجولان صلة رحم هذه الأيام
ناصر قنديل
– تبدو خريطة الطريق المرسومة للسعودية وتركيا للنزول عن شجرة الحرب في سورية عبر المبادرات المتعددة الروسية والإيرانية والمنسق بعضها أميركياً، على رغم صعوبتها أفقاً لتأقلم كلّ منهما مع المرحلة الجديدة التي دخلتها المنطقة بعد التفاهم النووي، بينما لا تبدو «إسرائيل» على ضفة القدرة على هذا التأقلم، ولا يبدو أنّ أحداً يملك لها خريطة طريق، ما يعني أنّ المتوقع هو أن تكون لدى «إسرائيل» خريطة طريقها هي للتأقلم مع هذه المتغيّرات بعدما بدا أنّ تغيير ما جرى يفوق الطاقة «الإسرائيلية».
– الأعمال الحربية تشكل جزءاً من السيناريو «الإسرائيلي» المتوقع، لكن الظنّ أنّ العمل الحربي هذه المرة يمكن أن يذهب إلى حدود القدرة على تشكيل مشهد جديد في المنطقة تنفيه التصرّفات «الإسرائيلية» عندما كانت تقوم بعمل يستدرج رداً من المقاومة يمنحها منصة الردّ على الردّ والذهاب إلى الحرب فتختار الانكفاء والاكتفاء بالحديث عن امتصاص الصدمات، على رغم كلّ الكلام عن النية بالذهاب لحرب وعن الاستعدادات والمناورات والجاهزية.
– لو كانت «إسرائيل» قادرة على تغيير معادلة القوة مع إيران أو سورية أو المقاومة، لكانت وضعت ورقة القوة هذه على الطاولة الأميركية قبيل توقيع التفاهم النووي، لأنّ التفاوض الأميركي مع إيران لم يكن نزهة ممتعة ولا التفاهم كان قالب حلوى، بل كان السمّ الذي لا مناصّ من تجرّعه، ولو كان أمام واشنطن بصيص أمل بفرصة لتغيير موازين التفاوض لانتظرت هذا التغيير، ماذا يمكن أن يكون أجمل وأفضل من مفاوضة إيران بعد ضربة تهزّ هيبتها، أو بعد إلحاق أذى حقيقي يغيّر المعادلة مع سورية وفيها أو توجيه ضربة استراتيجية للمقاومة، فواشنطن لما وقّعت التفاهم وقّعت ضمناً على اليقين بأنّ ليس بيدها ولا بيد أيّ من حلفائها وفي طليعتهم «إسرائيل» تغيير موازين القوة التي صيغ التفاهم في ظلالها.
– تدرك «إسرائيل» أن لا غنى عن وظيفة للأعمال الحربية في رسم خريطة طريقها بقدر ما تدرك استحالة الاعتماد الأحادي على القوة لخلق واقع جديد يتيح لها التأقلم مع المتغيّرات، وهي العاجزة عن الذهاب إلى الحرب بمثل عجزها عن الذهاب إلى السلام، ففاتورة الحرب فوق طاقتها وكذلك فاتورة السلام، والمعادلة باتت معلومة أنّ السلام الذي يمكن لأيّ مسؤول «إسرائيلي» توقيعه سيتكفل بإسقاط المسؤول الفلسطيني الذي يوقّعه، والسلام الذي يمكن لأيّ مسؤول فلسطيني توقيعه سيتكفل بإسقاط المسؤول «الإسرائيلي» الذي يوقّعه.
– وضعت «إسرائيل» يدها على فرصة لا تريد إضاعتها بحصيلة الدور الذي لعبته منذ بداية الحرب على سورية، حيث نجحت بالتعاون مع تركيا وقطر بتحويل «الإخوان المسلمين»
من جهة وتنظيم «القاعدة» بفرعه الشامي، «جبهة النصرة»، من جهة أخرى، طرفي معادلة عداء لسورية والمقاومة من دون الشعور بالحرج من ظهورهما على طرف التنسيق مع «إسرائيل»، وقد حان وقت صرف هذا الرصيد في لحظة ضائقة تركية قطرية، مصدرها القلق من الخسارة والتهميش، وفي لحظة تبدي فيها أميركا والغرب وراءها رغبة أكيدة في ضمان دعم «إسرائيل» للتفاهم النووي أو تقبّله والتأقلم مع نتائجه.
– تتحرّك «إسرائيل» وفق معادلة تقوم على ثنائية، فتح تفاوض مع حركة حماس تحت عنوان أنّ الدولة الفلسطينية النهائية هي قطاع غزة فقط، على أن يمنح مواصفات تقترب من مواصفات الدولة، مطار ومرفأ ومعابر، ولكن تحت رقابة وضمانة تركية، وبتمويل قطري يستثمر كلّ ذلك تعب ومعاناة غزة ويكون الإطار هو هدنة لخمسة عشرين سنة تنتهي خلالها المقاومة عملياً، ويدخل كلّ ما يتصل بالقضية الفلسطينية في برادات التجميد التفاوضي الشكلي، وتواصل «إسرائيل» تهويد الضفة والقدس والتحكم بالأراضي المحتلة العام 1948، وتمدّ أمنها لإنهاء كلّ ما يتصل بالمقاومة في الضفة، وفي المقابل تتعهّد تركيا و«الإخوان» ومن يسير بالحلّ من قيادة حماس بوقف كلّ شكل من أعمال المقاومة في غزة وخصوصاً إنهاء وضع «الجهاد الإسلامي»، وعلى ضفة موازية تقوم «إسرائيل» في إطار هذه الثنائية بوضع يدها على الجماعات المسلحة في جنوب سورية، التي تعمل بشراكة «إسرائيلية» أردنية سعودية، خصوصاً «جبهة النصرة» بينها لتكون ذات مرجعية «إسرائيلية» تركية حصرية، لمنع تكرار التفرّد السعودي بقبول البحث بتسوية مع سورية، واستباق انتقال الحرب من الزبداني إلى القنيطرة برسائل عسكرية مضمونها أنّ «إسرائيل» هذه المرة شريك عسكري في جنوب سورية ولكن لحساب تركيا.
– تريد «إسرائيل» تصعيداً في الجولان وتهدئة في غزة، وتطلب من واشنطن ملاقاتها في تتويج الأمرين بنهايات تخرج عن مجلس الأمن على غرار القرار 1701، واحد لغزة والآخر للجولان، لتكون ضمن حصانة سور للشمال والشرق والجنوب، وتطلب في المقابل من واشنطن لتركيا إطلاق اليد في وجه الأكراد ليضمن الرئيس التركي رجب أردوغان فوزاً في الانتخابات المقبلة بعد شهرين، ومكاناً على طاولة التفاوض في شأن سورية، والحساب «الإسرائيلي» أنّ أميركا ستجد الثمن بسيطاً أمام تعايش «إسرائيل» وتأقلمها إيجاباً مع مرحلة ما بعد التفاهم النووي، فتكون الضحية هي السلطة الفلسطينية من جهة، والأكراد من جهة أخرى، وكبش الفداء هو حركة الجهاد الإسلامي، ويمنح الإخوان مع دولة غزة، قدراً من التدخل الأميركي لتقديم الحماية لهم عبر بوابة تركيا سواء في مصر أو في ليبيا أو سواهما، لتكون غزة عاصمة الإخوان العرب بمثل ما هي أنقرة عاصمتهم الإسلامية.