قانون المصالحة الوطنية تبديد لرصيد الثورة التونسية

إ نعام خرّوبي

منذ اندلاع أحداث «الربيع العربي» التي انطلقت شرارتها في تونس عام 2011، والجدل مستمر حول ما حققته تلك الأحداث المشخصة «ثورياً» من مطالبها.

مطالبين بالخبز والكرامة وبالديمقرطية والحريات وبوقف كافة مظاهر الفساد والاستبداد، خرج شيب تونس وشبابها واستطاعت «ثورة الياسمين»، خلال أقلّ من شهر، اقتلاع نظام زين العابدين بن علي الذي عاث فساداً طيلة عقود، في ذلك البلد العربي المتميّز في محيطه المغاربي على المستوى الاجتماعي والثقافي.

اليوم وبعد أربع سنوات على اندلاعها، يرى بعض المراقبين أنّ خطر «الثورة المضادة» على «ثورة تونس»، إسوة بغيرها في مختلف أنحاء بلدان العالم العربي، أصبح داهماً.

فقانون المصالحة الوطنية الذي صادق عليه مجلس الوزراء التونسي في 14 تموز من العام الحالي، والذي نصّ على اتخاذ إجراءات خاصة بالمصالحة في المجالين المالي والاقتصادي، بحجة تهيئة مناخ ملائم ينهض بالاقتصاد ويشجع على الاستثمار، يحمل في طياته تبديداً واضحاً للرصيد السياسي الذي جاءت به الثورة التونسية.

وجاء في نصّ القانون: «بالنظر إلى طبيعة منطومة الفساد السائدة وسعياً إلى إعادة بناء مناخ الثقة في الإدارة ومراعاة لمبادئ العدالة والإنصاف، تمّ إقرار عفو لفائدة الموظفين العموميين وأشباههم بخصوص الأفعال المتعلقة بالفساد المالي وبالاعتداء على المال العام ما لم تكن تهدف إلى تحقيق منفعة شخصية، ولذلك تمّ استثناء الرشوة و الاستيلاء على الأموال العمومية من الانتفاع بهذه الأحكام». وحسب هذا النصّ فإنّ هذا القانون يطيح بالأهداف الحقيقية للثورة ويجعل أحلام الشباب التونسي تذهب أدراج الرياح والأهواء والمصالح السياسية.

وعليه، فإنّ الشعب العربي الذي أخذ القرار بالمخاطرة ووضع كلّ محبطات العزائم جانباً من أقاويل حول التراجع الاقتصادي واهتزاز الاستقرار السياسي وما نجم عنه من خسائر قدّرت بقيمة 800 مليار دولار في مجمل بلدان «الربيع العربي»، لا يبدو أنه حقق شيئاً من تلك التكلفة المهلكة، لا على مستوى المنظومة السياسية، ولا تلك الاقتصادية والاجتماعية. وفي وقت شهدت فيه تدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تراجعاً إلى أكثر من النصف، حيث انخفضت من 22.7 مليار دولار في العام 2010 إلى 8.6 مليار دولار عام 2011، وكان التراجع الأكبر في كلّ من دول المغرب العربي، لا يبدو أنّ السياسات الاقتصادية والاجتماعية قد تغيّرت في تونس عما كانت عليه الحال في عهد بن علي. وتظهر الإحصاءات أنّ 25 في المئة من التونسيين يرزحون تحت خط الفقر، فيما أكثر من 32 في المئة من الشباب العاطلين عن العمل هم من حمَلة الشهادات الجامعية.

كما هي الحال في العالم العربي دائماً، يصنع «المغامرون» ثورتهم من رحم المعاناة والاضطهاد ويرثها «انتهازيون» تسلقوا سدة الحكم وآمال الشعوب التواقة إلى الحرية والعيش بكرامة، فثورة الياسمين التي ما لبثت أن أزهرت حتى ذبلت بفعل قوانين وقرارات جائرة أحبطت آمال الثوار وتحالفت مع من خرجوا للمطالبة بمحاسبتهم ومقاضاتهم؟

وبالعودة إلى القانون المذكور، يشير الفصل الثالث منه إلى أنه «يمكن لكلّ شخص حصلت له منفعة من أفعال تتعلق بالفساد المالي أو بالاعتداء على المال العام تقديم مطلب صلح إلى لجنة مصالحة تحدث برئاسة الحكومة»، على أن تقدّر تلك اللجنة «قيمة الأموال المستولى عليها أو المنفعة المتحصّل عليها بعد التثبّت من صحة المعطيات الواردة في مطلب الصلح»، فمن يضمن نزاهة اللجنة ومن يراقبها وما هو مصير المبالغ المالية الضخمة التي هرّبها رجال أعمال من «حاشية» الرئيس المخلوع والمستفيدين من نظامه؟ وأيّ نهوض بالاقتصاد سيقوم به هؤلاء؟ ولماذا لا تعمد الحكومة التونسية إلى بلورة رؤية جديدة للتنمية، والشروع في وضع استراتيجية تحقق العدالة الاجتماعية بدلاً من التطبيع مع الفاسدين، ما يشجع على «تفريخ» ظاهرة الفساد من جديد طالما أنّ الفاسدين سيجدون من يعفو عنهم بعد أن يكونوا قد استنزفوا ثروات البلاد ومقدراتها؟

يرى كثيرون أنّ الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وقع في الخطأ نفسه الذي وقعت فيه «حركة النهضة» التي تسلّمت الحكم بعد انتخابات 2011 بتجاهله أحلام الشباب التونسي الذي خرج مطالباً بالحرية والديمقراطية وحقه في العيش بكرامة، وقد جاء قانون «المصالحة» ليكون آخر مسمار يُدقّ في نعش الثورة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى