صراع المبادرات لسدّ الفراغ ولا حلّ في سورية قبل صيف عام 2016

هتاف دهام

تزايدت المبادرات حيال سورية سياسياً جراء الاتفاق النووي الايراني، وميدانياً نتيجة التطور المتمثل بتمدد تنظيم «داعش» الإرهابي باتجاه الدول المعنية بالأزمة السورية، السعودية وتركيا، ونشر «داعش» تسجيل فيديو يدعو فيه الشعب التركي إلى التمرد على حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومناشدته المساعدة في غزو تركيا.

لن يكون الوصول إلى حل شامل للأزمة السورية بالأمر السهل، وسيستغرق الأمر الكثير من الوقت والجهد الدوليين والإقليميين، بالتزامن مع فشل آفاق الكثير من المبادرات السياسية التي قدمت في السابق لحلحلة الأزمة السورية، غير أن الثابت والذي يمكن البناء عليه في الوقت الراهن في حل هذه الأزمة هو أن التفاهم الأميركي الإيراني أصبح معبراً طبيعياً لأي حل، وأن الدور الروسي جوهري في معالجة الوضع برضا أميركي، فوجود الروس في قلب الحراك السياسي سواء في مؤتمرات موسكو أو مؤتمرات جنيف هو جزء من إنضاج لحظة لم يأتِ أوانها بعد.

تزايدت المبادرات الإقليمية والغربية لحل الأزمة السورية من مبادرة روسية، إلى مبادرة سعودية تنص وفق ما ورد في جريدة «الحياة» الدولية على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بإشراف الأمم المتحدة، وصولاً إلى المبادرة الإيرانية، وترافق ذلك مع القرار الأممي حيال سورية الذي أصدره مجلس الأمن الدولي، والمبادرة الأحدث التي طرحها مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا ومواصلة القيادة الروسية المشاورات على المستويين العالمي والإقليمي حول مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتشكيل تحالف واسع لمواجهة «داعش»، حيث سيجري بوتين الأربعاء المقبل محادثات مع نظيره المصري عبدالفتاح السيسي، ومع الاجتماع الثلاثي الذي جرى في الدوحة بين وزراء خارجية روسيا سيرغي لافروف، الولايات المتحدة الاميركية جون كيري، والسعودية عادل الجبير، والحراك الديبلوماسي المكثف الذي تمثل في زيارات وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى كل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسلطنة عمان، ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى سورية ولبنان وموسكو، ووزير خارجية السعودية الجبير الى موسكو.

لكن تبقى هذه المبادرات والمشاورات محاولات جس نبض، لمعرفة ردود الفعل في مرحلة انتقالية تحضيرية لمرحلة الحل. ولن يكون الحديث عن حل جدي في سورية قبل صيف عام 2016، فزمن الحلول لم يحن بعد، صحيح أن التفاوض ينطلق من هذه المبادرات لكنه لا يعتمدها، ولذلك فهي ليست إلا لسد الفراغ واللعب في الوقت الضائع.

لا يعدو بيان مجلس الأمن في اللحظة الحالية كونه ربط نزاع سياسي مع الأزمة، فهو يؤكد المرجعية الدولية للحل، ويعيد التشديد على المرتكزات الأساسية ومحاولة إخراج دي ميستورا من حالة التخبط التي يعيشها، ويسعى من خلال الحديث عن تشكيل أربع مجموعات عمل مع ممثلي الحكومة والمعارضة السوريتين لتنفيذ بيان جنيف، أن يبقي أفق الحل السياسي مفتوحاً للمستقبل، علماً أن الترابط بين الملف السوري والملفات الأخرى ترابط محكم لا يمكن تجاوزه.

وفيما من المقرر أن تنطلق مبادرة دي ميستورا في أيلول المقبل، وأن يقدم الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون تقريراً عن المرحلة المقبلة من جهود الوساطة التي يقوم بها المبعوث الأممي إلى سورية خلال 90 يوماً، تؤكد مصادر ديبلوماسية أن دي ميستورا يراهن على حلول شهر تشرين الأول المقبل وموافقة الكونغرس الأميركي ومجلس الشورى الإيراني على الاتفاق النووي الإيراني لينعكس على حلحلة الأزمة في سورية.

وتشدد المصادر على أن نوع البيانات هذه يبقى غير ملزم وفي الإطار المعنوي أكثر مما هو في الإطار الفعلي والحازم. فهذا النوع تستخدم فيه اللغة والتوازن والالتباس لمحاولة إرضاء كل الأطراف، علماً أن سورية الدولة لا تزال ممثلة في مؤسسات الأمم المتحدة ومجلس الامن، والبيان لم يحسم تفسير «جنيف – 1» وموقع المرحلة الانتقالية، ويبقى الأهم ارتباط الأزمة السورية بالعنوان الأخطر وهو الإرهاب، في ظل عدم جاهزية الرياض والدوحة وأنقرة للذهاب جدياً لحل يعطي الاولوية للحرب على الارهاب.

وإذا كان جديد المبادرة الروسية السعي إلى إدخال تركيا وإيران كدولتين معنيتين في العملية السياسية وتشكيل مجموعة الاتصال الاقليمية، إلا أن السعودية لا تزال معترضة على الدور الإيراني، وهناك اعتراض تركي على الدور المصري، لكن الجديد الروسي في الموضوع رفض موسكو توجه بعض شركائها في الغرب والخليج إلى مطالبة الرئيس الأسد بالرحيل كشرط مسبق لبدء التفاوض، وتأكيدها أن الشعب السوري هو صاحب القرار الوحيد في ما يخص مصير قيادته ورئيسه.

في موازاة الدور الروسي، سلم الأعداء قبل الحلفاء بمركزية وجوهرية الدور الايراني في حل الأزمة السورية، صحيح أن لا مبادرة ايرانية رسمية كاملة متكاملة حتى الساعة للحل بل هناك أفكار لا تختلف جوهرياً عن سابقاتها حملها ظريف إلى الدول المعنية وتمت مناقشتها مع الجانب السوري الذي سبق له أن ناقش مع الجانب الروسي أفكاراً مشابهة، وبانتظار أن يكشف الايراني عن تفاصيل مبادرته بعد إجراء مشاورات في المنطقة، فإن المؤكد أن الحل في سورية لا يمكن أن يكون عسكرياً.

لا تقدم الأفكار الايرانية أي دور للاعبين الآخرين سوى دعم الحلول الداخلية، ولا تهدف إلى الدخول في التفاصيل، فالايرانيون يرفضون التدخل في الشؤون الداخلية التي يقررها الشعب السوري، لذلك فإن تسريبات بنود المبادرة الإيرانية لا تزال ملتبسة وفيها الكثير من التكهنات التي يتم تناقلها والتي لا ترتبط بمبادرة طهران، بل تأتي في إطار صراع المبادرات الذي يهدف إلى تعبئة الفراغ اكثر مما هو هدفه إيجاد الحلول.

لكن يبقى الثابت أن المبادرة الايرانية أو الأفكار الايرانية تستند في جوهرها إلى أفكار روسية دعت من خلالها موسكو إلى إقامة تحالف إقليمي موسع لمحاربة «داعش»، ويضم سورية والسعودية والأردن وتركيا ومصر، إذ تضمنت الأفكار في البند الأول الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، في حين يدعو البند الثاني إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، كما يدعو البند الثالث إلى إجراء انتخابات بإشراف مراقبين دوليين. أما البند الذي تضمن إعادة تعديل الدستور السوري، بما يتوافق وطمأنة المجموعات الإثنية والطائفية في سورية، فهو ليس جزءا من المبادرة بل تم تسريبه ايرانياً، واعتبرته مصادر مطلعة جزءًا من الغموض الإيراني للإيحاء بالانفتاح على طمأنة الاقليات أكثر مما هو بند رئيسي في المبادرة.

واعتمدت طهران ثلاثة أسس في هذا الموضوع: الأول أن الشعب السوري هو من يحدد مصيره بنفسه ولا يحدده الآخرون، فلا ينبغي أي بلد أن يضع شروطاً مسبقة حول الأشخاص ومن الذي يجب أن يبقى وأن يرحل، والثاني منع أي تدخلات أجنبية ترمي للانتقام من الحكومة السورية بسبب سياساتها الإقليمية المستقلة ودعمها للمقاومة، والثالث أن لا يعتمد الإرهاب إسلوباً لتحقيق أهداف سياسية.

أعدت إيران مقترحات لحل الأزمة، وتعد مبادرات لإعادة العلاقات بينها وبين دول المنطقة، خصوصاً السعودية، إلى مجاريها الطبيعية، غير أنها أبلغت من يعنيهم الأمر لا سيما تركيا أن إيجاد منطقة عازلة في سورية يعد انتهاكاً لسيادة أراضيها وأنه لا داعي لمثل هذه الإجراءات غير الضرورية التي من شأنها توتير المنطقة، صحيح أنها تولي اهتماماً جاداً بالحفاظ على أمن تركيا إلا أن إيجاد منطقة عازلة داخل سورية يتعارض مع سيادة هذا البلد، لأن ضمان الأمن في سورية ودول الجوار يأتي عبر إحجام اللاعبين عن استخدام الإرهاب كأداة وتوافر الإرادة الجادة في مكافحة التطرف، بالتالي فإن أعداء الاسد عملياً باتوا عاجزين عن إحداث انقلاب استراتيجي في المعطى الميداني.

وإن كانت كل مبادرة ستولد من رحم التطورات الميدانية، فإن الظروف لانضاج الحلول لملفات المنطقة ومنها الملف السوري لم تنضج بعد، وكل الحراك تجاه سورية هو في إطار حراك يتلمس الطرق من دون أن يكون هناك طرق واضحة تدفع باتجاه الحلول، وعلى هذا الأساس يبقى الميدان هو الفيصل حتى إشعار آخر.

لكن، هل يمكن السعودية ان توافق على مبادرة واحدة لحل الأزمة مع ايران؟

سوف تخضع المملكة العربية السعودية بحسب أوساط سياسية في النهاية لمنطق التفاهمات، وستقبل بالجلوس مع الإيراني إلى طاولة مفاوضات واحدة، للبحث عن آلية لمنع الارهاب الذي بات في داخلها وعلى حدودها من التمدد، كما أنها تعاني ضغوطاً أميركية بضرورة الانفتاح على ايران. وهذا يفسر الموقف السعودي من أهمية الحفاظ على هيكل الدولة السورية.

يدرك الجميع أنه لا يمكن لأي حل انتقالي أن يتجاوز موقع الرئيس بشار الاسد على رأس سورية، والارتباط الوثيق بين وجود الاسد وانقاذ المؤسسات في الدولة السورية. فأقصى ما يمكن أن يبذله الحلف المعادي لسورية من عواصف قد بذله هذا الصيف، وفشل فيه، وتوقيت الدخول «الإسرائيلي» المفترض خلال مراحل الأزمة كان تعبيراً عن استنفاد كل الوسائل العسكرية التي قامت بها الدول الاقليمية عبر المجموعات الإرهابية، ومحاولة تعويض عن هذا الاستنفاذ.

إن تشخيص كل مراحل التدخل «الإسرائيلي» على خط الأزمة خصوصاً الدور الذي يقوم به حالياً، وإجهاض محور المقاومة مجتمعاً سبع عواصف شنها الكيان «الإسرائيلي» هذا الصيف سواء على محاور درعا – حضر – مطار الثعلة في السويداء، يعبر عن حالة يأس أكثر مما يعبر عن حالة إقدام، ويترافق ذلك مع التخبط الذي تعانيه «اسرائيل»، فهي عاجزة عملياً عن تعديل قواعد الاشتباك ما بعد عملية شبعا التي أتت رد فعل على عملية القنيطرة الشهيرة في العاشر من كانون الأول العام الماضي، والصراخ «الإسرائيلي» عبر الغارات التي شنها الأسبوع الفائت على القنيطرة، ليس أكثر من تعبير عن العزلة التي يعيشها الدور «الإسرائيلي» واحتواء الوظيفة التاريخية لهذا الدور ما بعد توقيع الاتفاق النووي.

لن يبدأ تلمس الحلول إلا بعد شهر أيلول، ومن المؤكد أن مرحلة ما بعد الاتفاق النووي مرحلة متفق عليها لتهيئة الأجواء في المضي بمفاوضات على أمل الوصول إلى حل من خلال التفاهمات بين الأطراف المعنية، روسيا، أميركا، إيران والسعودية، لأن الملفات الاقليمية مترابطة، لا يمكن فصل ما يجري في اليمن والعراق عما يجري في سورية. وليست المبادرات المطروحة أكثر من مسودات لمبادرة نهائية من الممكن العمل عليها.

أجمع الروسي والإيراني على بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية وعلى أن النظام جزء أساسي من الحل، عكس السعودية التي ترفض بقاء الأسد وتضمين النظام السوري في أي مبادرة، وترفع السقف من أجل أن تحصد في اليمن. ولذلك فإن المبادرات التي تطرح تجاهلت قضايا النزاع الأساسي التي يمكن أن تنسف مبدأ التفاوض خلافاً للماضي، وحرصت على تقديم أفكار تشكل جسوراً قابلة لبدء النقاش مع الأطراف على الضفة المقابلة بدلاً من رفع السقوف، والواضح أن المبادرة الإيرانية وعلى رغم تمسك الجمهورية الإسلامية بالأسد إلا أنها لم تأت على ذكره، والمبادرة السعودية لم تأت على ذكره أيضاً على رغم رفض الرياض لبقائه في سدة الرئاسة.

وإذا كان كل ذلك، من أجل الوصول إلى الممكن المتاح الذي يمكن أن يطبق، غير أننا لن نرى، بحسب مصادر ديبلوماسية، حلاً جدياً للأزمة إلا عندما تقدم الولايات المتحدة مبادرة لحل الازمة السورية عبر فرنسا أو بريطانيا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى