معتز منصور: المعلّم كشف لنا عن تعاون أمني بين دمشق والقاهرة
القاهرة ـ فارس رياض الجيرودي
حظيت الزيارة التي قام بها وفد إعلامي مصري الى سورية مؤخراً باهتمام استثنائي، حيث شملت الزيارة لقاءات مع رئيس مجلس الشعب السوري، ووزراء الإعلام والثقافة والخارجية والأوقاف والصحة في الحكومة السورية، بالإضافة إلى زيارة محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص، ففيما هاجمت قناة «الجزيرة» القطرية الزيارة واصفة إياها بأنها انفتاح إعلامي مصري على النظام السوري ، لوحظ أنها أنتجت مردوداً سياسياً تمثل بتصريح رسمي مصري على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية اعتبر فيها أن التعاون مع دمشق ممكن لوجود أهداف مشتركة بين البلدين، «البناء» التقت بالإعلامي والكاتب الصحافي المصري معتز منصور أحد منسقي الزيارة وكانت له مشاهدات:
حول فكرة الزيارة وكيفية التنسيق لها، قال منصور ان فكرة الزيارة جاءت بالأساس انطلاقاً من إحساس عدد من الإعلاميين العرب بواجبهم تجاه المساهمة برأب صدع العلاقات العربية – العربية، والتي تشكل العلاقة بين الشام ومصر أحد أهم مرتكزاتها، وبناء عليه قمت مع زملاء لبناني وأردنية بالاستفادة من علاقاتنا في الوسط الإعلامي المصري للتحضير لزيارة ميدانية لسورية، للوقوف على الأوضاع على الأرض فيها، ولإجراء عدد من المقابلات مع المسؤولين السوريين، وتمكنا من تشكيل وفداً إعلامياً مصرياً من المؤسسات الرسمية كصحف «الأهرام» و«الأخبار» و«الجمهورية»، فضلاً عن قناة «النهار» الفضائية، ورحب المسؤولون السوريون في المقابل بالزيارة ووعدوا بتقديم كل التسهيلات اللوجستية والتقنية لإنجاحها.
وحول أهم الانطباعات التي خرجوا بها بعد لقائهم عدداً من المسؤولين السوريين، أكد منصور انه وبإستثناء اللقاء مع وزير الأوقاف الدكتور محمد عبدالستار السيد في طرطوس، والذي حمل بعداً دينياً مشبعاً برسائل مباشرة الى مؤسسة «الأزهر الشريف» من بوابة «فقه الأزمة»، وضرورة توحيد الخطاب الديني لمواجهة العدوّ التكفيري، بدا واضحاً عند وصول الوفد الى دمشق ولقائه المسؤولين الكبار فيها من رئيس مجلس الشعب محمد جهاد اللحام الى عضوَي القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم هلال هلال ويوسف الاحمد، وصولاً الى عدد من الوزراء الأساسيين في الحكومة، أنّ للزيارة مكانتها الخاصة ودلالاتها السياسية والديبلوماسية.
وتجلّت تلك الأهمية في اللقاء الذي جمع وزير الخارجية وليد المعلم بالوفد لأكثر من ثلاث ساعات أجاب فيها على اسئلة الوفـد بكثير من الحنكة، فالوزير مشهودٌ له لدى خصومه قبل أصدقائه بخبرته الديبلوماسية العالية وقدرته على إيصال الرسائل التي يريد.
أشبع المعلم فضول محاوريه المهني، كاشفاً النقاب عن كواليس زيارته لمسقط بعد انقطاع عن لقاء أي مسؤول خليجي لمدة أكثر من أربع سنوات، وصولاً الى ما اعتقده الزائرون أنه ذروة الحوار حين كاشفهم بأنّ بداية تدهور العلاقة مع تركيا ارتبط مع رفض الاقتراح الذي حمله رئيس حكومتها المكلَّف حالياً أحمد داود اوغلو وزير الخارجية آنذاك من عرض يفيد بإشراك «الإخوان المسلمين» في الحكم، وهو ما رفضه الرئيس بشار الأسد لتبدأ حكاية الفراق فالعداء.
وأردف المعلم واصفاً «الإخوان» بأنهم أصل البلاء للمنطقة هذا «العرض» الذي لا يحتاج الى كثير من التأمل ليستنتج منه المصريون، ولا سيما منهم أبناء العهد الجديد منهم، أن أقصر الطرق لتعزيز حماية بلادهم من هذا التهديد يتمثل ببناء أفضل العلاقات مع سورية الجدار الصلب الذي وقف ويقف في وجه الخطر الإخواني في المنطقة.
وعما إذا كان المعلم تطرق في حديثه للعلاقة بين القيادتين السورية والمصرية، وعن نظرة سورية للقيادة الجديدة في مصر. قال منصور أن الوزير المعلم أكد للوفد الاعلامي أنه قام بتهنئة الرئيس عبد الفتاح السيسي على تطهيره مصر والمنطقة من رجس «الحكم الإخواني» داعياً القاهرة الى لعب دور إقليمي يليق بمكانتها الطبيعية، لكن الجديد في كلام الوزير المعلم أنه كشف لضيوفه عن وجود تعاون أمني مشترَك قائم بالفعل بين البلدين يسير على قدم وساق في إطار مكافحة الإرهاب بكلّ مسمياته من «داعش» الى «الإخوان».
إلا أنّ الوزير المعلم، وكما جميع المسؤولين السوريين الذين التقاهم الوفد المصري، توجّه بسؤال هو أشبه برسالة مباشَرة الى القيادة المصرية: «لماذا تمّ التراجع عن قرارات الرئيس السابق محمد مرسي كافة باستثناء قرار قطع العلاقات مع سورية، أوَلَم يحِن موعد عودة السفراء الى بلدينا؟» وتعبيراً عن مكانة الوفـد لدى الوزير المعلم قَبِل فوراً ومن دون أدنى تردد تسجيل دقائق عدة لفضائية النهار أجاب فيه على أسئلة الجمهور المصري.
وما إن بُثّت مقابلة الوزير المعلم بعد غياب خمس سنوات عن شاشات التلفزيون المصري، ونُشرت في اليوم التالي تفاصيل الحوار في صحف «الاهرام» و«الاخبار» و«الجمهورية» حتى جاء الردّ المصري سريعاً على السؤال السوري على لسان المتحدّث الرسمي لوزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، بالقول: «إنّ هناك إمكانية للتعاون لوجود أهداف مشترَكة» بين البلدين، ويأمل الوفـد الإعلامي المصري ان تنتقل العلاقة المصرية ـ السورية من مستوى التعاون الأمني الى التنسيق السياسي وإعادة التمثيل الديبلوماسي الى مستواه الطبيعي.
وحول رؤية الوفد لسورية في خضم الأزمة، ولقائه بنازحين ومواطنين مدنيين وعسكريين. قال منصور: إن رؤية اعضاء الوفد لسورية وللنازحين تغيرت كثيراً بعد هول ما رأوه من دمار للبنية التحتية في عدد من المدن السورية، وبعدما سمعوه من النازحين السوريين عن جرائم الإرهابيين، ليصبح الهم حماية مصر والعالم العربي من خطر الإرهاب التكفيري، وذلك عبر العمل لتحقيق جبهة عربية إعلامية موحدة في وجه الإرهاب الصهيوني في ثوبه التكفيري.
من ناحية أخرى انبهر أعضاء الوفد لصمود الشعب السوري وتمسكه بالحياة رغم ضريبة الدم التي يدفعها يومياً لتطهير الأراضي السورية من دنس الإرهابيين ومن يعاونهم، كما أدرك الوفد المصري ان الهم واحد والعدو مشترك، فقد شاهد في زيارته للمستشفيات العسكرية جنود الجيش العربي السوري صامدين رغم الجراح، وكيف أن الكثيرين يطلبون العودة الى الميدان قبل اكتمال الشفاء تماماً، وهو المشهد الذي رأوه سابقاً في المشافي العسكرية المصرية التي تستقبل كل يوم جرحى الجيش المصري الذين أصيبوا على أرض سيناء على يد الإرهابيين.