النفاق الـ«أوتبوري»!
منذ عام 2000، طوّرت منظمة «أوتبور» طريقة عملية لتدمير المجتمعات من الداخل، وتعتمد هذه الطريقة على كمية كبيرة من الخداع، وعلى التلاعب بمشاعر الناس وتهييجهم وفق سيناريوات مرسومة مسبقاً.
في الثورة الملونة الأولى، قامت «أوتبور» مدعومة بماكينة الإعلامين الغربي والخليجي الهائلة، بتزييف كمية كبيرة من الأكاذيب عن ميلوسوفيتش، متهمةً إياه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية أثناء تصدّيه لمحاولات انفصالية من قبل منظمة جيش تحرير كوسوفو الإرهابية. وبعد إسقاط الرئيس، ألقي القبض عليه واستمرت محاكمته ستّ سنوات ولم يستطع أحد إثبات أيّ تهمة بحقه.
في جورجيا عام 2003، أطلقت المنظمة «الأوتبورية» في جورجيا، واسمها «كمارا»، سلسلة كبيرة من الإشاعات تتهم الرئيس شيفاردنادزه وأسرته بالفساد. ثم اتهمت الرئيس بتزوير الانتخابات البرلمانية، واستغلت ماكينة الإعلام الغربي إضافة إلى قناتَي «الجزيرة» و«العربية» لتسويق نتائج استطلاعات الرأي على أنها أكثر صدقاً من الانتخابات الرسمية، مع أن الجميع يعرفون سهولة تزوير استطلاعات الرأي. ووصل الأمر بزعيم المعارضة شاكاشفيلي إلى الإعلان أنه لا يعترف إلا باستطلاعات الرأي التي نظّمتها جماعته. وعلى رغم أن الكذبة كانت مفضوحة، إلا أن قوة حركة «كمارا» في الشارع استطاعت تهييج الجماهير الجورجية لترفض الانتخابات الديمقراطية وتصر على نتائج استطلاعات الرأي التي قد لا تكون حقيقية من أساسها. لقد قبل الجورجيون «الاستغباء» وهم يدفعون نتائج ذلك من اقتصادهم ومعيشتهم اليومية.
وفي أوكرانيا عام 2004 لم يشكك أحد بالانتخابات الأولية لانتخاب رئيس جديد، وعلى رغم أن الرئيس آنذاك لم يكن مرشحاً، فقد دعمت المنظمة «الأوتبورية» واسمها «بورا» المرشح يوشنكو على حساب المرشحين الآخرين، وفي الجولة الثانية من الانتخابات استخدمت «بورا» الكذبة نفسها المجرّبة سابقاً في جورجيا، فأعلن المرشح الذي تدعمه «بورا» فوزه قبل نهاية الانتخابات ودعا أنصاره إلى الاحتفال في الشارع، وعندما ظهرت نتيجة الانتخابات الرسمية بخسارته قام بفرض أمر واقع عبر سيطرة أنصاره على الشوارع والساحات، معتمداً على دعم الإعلام الغربي، ما أجبر المحكمة الدستورية على إقرار تعديلات دستورية لتنصيبه رئيساً. وعلى رغم أن الكذبة كانت مفضوحة، إلا أن قوة الإعلام وقوة حركة «بورا» في الشارع تمكنتا من تهييج الجماهير وراء هذه الكذبة «الأوتبورية» مرة أخرى. وما زال الأوكرانيون يدفعون ثمن تخليهم عن الديمقراطية ورهن مؤسساتهم الرسمية لأكاذيب الإعلام الغربي.
في قرغيزستان عام 2005، لم يكن «الأوتبوريون» أقوياء بما يكفي للسيطرة على الشارع، ولم يكن لديهم مرشح محدد يدعمونه، ولذلك تركزت استراتيجيتهم على إشعال الفوضى في البلد. ولذلك، ولمجرد بدء الانتخابات عام 2005، اندلعت أعمال الشغب وإحراق المراكز الحكومية. وقد عملت ماكينة الإشاعات «الأوتبورية» على تصعيد أحداث الشغب وتهييج الجماهير بالمزيد من الأكاذيب والتلفيقات. ما يزال هذا البلد غير مستقر، وما يزال شعبه يدفع ثمن انجراره وراء مخطط الفوضى «الأوتبورية».
في بيلاروسيا عام 2006 تعامل المجتمع الدولي مع المرشح المدعوم من حركة «زوبر الأوتبورية» على أنه الرئيس المقبل، ولكن الشعب البيلاروسي لم يكن بالسذاجة التي تدفعه للانقياد خلف الأكاذيب والتلفيقات، إضافة إلى أن إصرار الرئيس البيلاروسي على تطبيق القانون بصرامة أدّى إلى إجهاض محاولات «الأوتبوريين» لتخريب البلاد أو إسقاط النظام بحملات الأكاذيب.
وفي فنزويلا عام 2007، أطلقت المنظمة «الأوتبورية» كمية هائلة من الأكاذيب بحق الرئيس شافيز، ولكن وعي الشعب الفنزويلي وتدخل الرئيس بنفسه لفضح الأكاذيب أسقطا ادّعاءات «الأوتبوريين»، وفشلت الحركة «الأوتبورية» الأولى، ولذلك لجأ «الأوتبوريون» إلى سيناريو تخريب الاقتصاد من الداخل.
وفي سورية عام 2011، استخدم «الأوتبوريون» السيناريو نفسه ـ تخريب البلد ـ الذي طبقوه في قرغيزستان بسبب ضعف سيطرتهم على الشارع وعدم وجود مرشح قوي يستطيعون دعمه، ولذلك بدأت «الثورة» في سورية بعمليات الفوضى في درعا وبانياس، مترافقة مع جرائم طائفية قذرة تم تصويرها لاستخدامها في تهييج الجماهير. وقد كان الشعب السوري واعياً واستطاع إفشال مخطط تخريب الفوضى وتخريب البلد من الداخل، ولذلك لجأ «الأوتبوريون» إلى مخطط مشابه للمخطط الذي طبقوه في فنزويلا بعد 2007، وأطلقوا ما يسمى بإضراب الكرامة الذي يهدف إلى شلّ البلد اقتصادياً. إضافة إلى ذلك، فقد استحضروا تجربة جيش تحرير كوسوفو وجيش ثوار الناتو في ليبيا، وأنشأوا منظمة «الجيش الحرّ» الإرهابية التي تتم تصفية وجودها على الأراضي السورية حالياً. واستخدم «الأوتبوريون» أكذوبة تزوير الانتخابات بعد الاستفتاء على الدستور، وأيضاً أكذوبة تزوير الانتخابات النيابية و الرئاسية.
يدفع مجتمعنا حالياً ثمن انجرار بعض الأشخاص وراء عمليات «الاستغباء» التي يقودها الإعلام «الأوتبوري». لمواجهة هؤلاء علينا جميعاً ممارسة دورنا في التوعية حول تكتيكات «الأوتبوريين» وطرقهم في تهييج الجماهير واستغبائها.
يعتمد مبدأ التجنيد الأساس لـ«الثورات الأوتبورية» على فكرة أساسية عبّر عنها بوبوفيتش ببساطة: «Revolution Is Fun»، أي أن الثورة نشاط ممتع. ولذلك تدور كل تكتيكات «الأوتبوريين» على جذب أشخاص لا يمانعون في خرق القانون للحصول على المتعة أو على المزيد من المتعة، ثم المحافظة على جو المتعة في كل مراحل «الثورة»، من التخطيط إلى أقذر مراحل التنفيذ.
وعندما يجرب أحد منهم خرق القانون للمرّة الأولى، ثم يعود بعد تنفيذ العملية، فهم يحتفلون به ويخبرون العالم عن نجاحه عبر كل وسائل إعلامهم، فيحقق بذلك من يخرق القانون متعة مضاعفة نتيجة خرق القانون، ونتيجة الاحتفال بنجاحه في خرق القانون. وتتضاعف المتعة أيضاً إذا كان جباناً بالأصل ووجد نفسه قد فعل ما لم يكن يجرؤ على فعله سابقاً. في المراحل التالية يصبح خرق القانون أمراً عادياً، ولذلك يبحث «الأوتبوريون» عن طرق أخرى لخرق القانون بشكل أكبر للحصول على متعة أكبر ومكافأة معنوية أكبر. هذه الحالة تشبه حالة اللصوص الهواة الذين لا يصدقون أنفسهم عندما يسرقون السيارة الأولى أو البيت الأول، ثم تتطور لديهم الرغبة بالسرقة، فيسرقون سيارات أثمن وبيوتاً لأناس مشهورين.
وقد تتطور الرغبة بالسرقة لتصبح إدماناً، فإن قيادات «الأوتبوريين» تعمل على تعزيز الرغبة في خرق القانون لتصبح إدماناً. ويعبر بوبوفيتش عن أحد تكتيكات تعزيز هذا الإدمان بقوله: «إذا لم تعتقل بما فيه الكفاية، لن تجد من يقبل بممارسة الجنس معك»، وبالنتيجة يزداد «الأوتبوري» تورّطاً في المؤامرة، ويصبح من الأصعب عليه أن ينسحب منها، فيربط كل وجوده وحياته بنجاح المؤامرة على بلده، من دون أن يدرك أنه كان في الأساس ضحية، فأصبح مجرماً.
العملية الأولى هي التحدي الأكبر من دون شك، وفيها قد يلجأ «الأوتبوريون» إلى المساعدة الخارجية. في أوروبا اعتمدوا الكحول ليُسكروا جماعتهم ويدفعوهم لخرق القانون، وفي سورية انتشر في أوساط المتعلمين منهم شراب منشط تدخل الفودكا في تركيبه، ويعرف بتسبيب نشوة مختلطة بالسُكر لمن يتعاطاه. هذا النوع من المشروبات لا يسبب الإدمان، ويقدم الدعم النفسي الكافي لـ«الأوتبوريين» في التجارب الأولى لعمليات خرق القانون.
وعندما يحتاج الأمر إلى ارتكاب فظائع مثل التي شاهدناها في سورية، يلجأ «الأوتبوريون» إلى عقاقير أقوى. في سورية استخدم «الأوتبوريون» المنشطات والحبوب المخدرة بحسب شهادات المعتقلين من «الأوتبوريين» عن تعاطي حبة أو حبتين قبل العملية، وقد تمت مصادرة كميات كبيرة من هذه العقاقير في بدايات الأزمة. هذه العقاقير تفقد الإنسان القدرة على التفكير السليم، فيصبح قادراً على القتل وتقطيع الجثث أو رميها من فوق نهر العاصي مثلاً. ولأن لهذه العقاقير مضاراً كثيرة منها الإدمان، يحصر استخدامها في العمليات الأولى قبل أن يكتسب «الأوتبوري» القدرة على القتل ببساطة.