إطلالة على أبرز الأفلام التي ناقشت الفقر والفقراء في السينما العالمية

عبد الله الساورة

علاقة السينما بموضوعة الفقر، علاقة معقدة وشائكة في السينما، انطلاقاً من رؤى المخرجين وتصوّراتهم الفكرية، وكذلك من خلال تعامل السينما بالبحث عن إيجاد صورة نمطية للفقراء بأبعاد متعدّدة وغنية.

فما هي ملامح الفقر في مجتمعاتنا؟ وكيف تعاملت السينما مع ثيمة الفقر؟ كيف رسمت السينما صورة نمطية عن الفقر والفقراء؟ هل تغيرت الصورة الاجتماعية للفقر أم ترسخت في أشكال أخرى أكثر هشاشة وبؤساً؟ وهل غيّرت السينما من صورتها النمطية للفقراء؟ وكيف سلطت السينما على الجوانب الإيجابية والسلبية للفقر؟ وهل حدّت السياسات والتشريعات من انتشار الفقر؟

عندما نتحدث عن الفقر في السينما، فعادة ما نشير إلى الأفلام التي تظهر موضوعة الفقر وعواقبه في مناحيه الإيجابية والسلبية. تبدو هذه الأفلام كحجة أساسية يشار إليها صراحة. منذ البدايات ظلّ الفقر الرفيق الملازم للإنسانية. فالفقر هو الحاجة أو الصعوبة في الحصول على بعض السلع والخدمات، ولكن ليس هذا فقط، بل حينما نتحدث عن الفقر، يمكننا أن نتحدث على سبيل المثال عن حالات واضحة من الظلم والعجز. فالفقر هو الشر الذي يمكن أن تجده في كل البلدان ولدى كل الأعمار والعصور لأنه يظهر مثل الولادة مثلاً: الأمهات اللواتي لا يستطعن ولادة أطفالهن في حالة جيدة أو إطعامهن في السنوات الأولى من حياتهم .

وظهرت رؤية الفقراء والفقر منذ بدايات السينما، ونتذكر على سبيل المثال فيلم «الأم» لمكسيم غوركي وكذا في عددٍ من أفلام شارلي شابلن التي تظهر الخراب والعجز مثل فيلم «الصبي» أو «شارلي المتشرد» و«حياة الكلب». كما أنه ينتمي إلى هذه النوعية فيلم «المنسيون» والفيلم الوثائقي «أرض بلا خبز» للمخرج الإسباني لويس بانويل، الذي يصور البؤس في منطقة «هورديس» الإسبانية في بداية الثلاثينات من القرن الماضي.

تسلط هذه الأفلام المزيد من الضوء بوعي أفضل على مسألة الفقر. بعد ذلك سعى عدد من المخرجين إلى استعمال الفقر أيضاً كحجة أو موضوعة أساسية في أفلامهم. مع مرور الوقت، أتت أفلام جديدة لم تبرز فقط واقع هذا الشر الفقر إنما حوّلته إلى قاعدة للشغب والاحتجاج ضد حالات ووضعيات كانت تعتبر غير عادلة ومنصفة بشكل عام. وقد ساعدت السينما ذات البعد الاجتماعي والمطلبي على فضح حالات الفقر والوضعيات السوسيوثقافية الهشة التي تسببت فيه، كونه انعكاساً أكثر من ذلك وفي بعض الأحيان تحديثه بطريقة أو بأخرى للحظات سابقة من حياة معاشة في وضعية فقيرة. بعض الأفلام المقترحة أدناه على هذه الثيمة أخذت هذا البعد الاجتماعي والمطلبي لتثير الانتباه إلى أفلام جيدة تبرز العواقب الوخيمة للفقر، وهي تعمم شراً على نطاق واسع وأكثر من شر يجتمع كما هو الفقر.

تعج السينما بفيلموغرافية مطولة لأفلام الفقراء، ومظاهر الفقر. ولم تخل سينما أي بلد من إبراز وجوه وأصناف من تعاسات الفقراء وما يكابدونه للحصول على لقمة العيش. ومن بين أشهر هذه الأفلام نجد:

فيلم «المليونير المتشرد» من إخراج داني بويل والنص لسايمون بوفوي مقتبس عن رواية للكاتب والدبلوماسي الهندي فيكاس سوارب تحمل عنوان «سؤال وجواب»، بعد إجراء بعض التعديلات على تفاصيل الرواية. يحكي الفيلم قصة جمال مالك، الشاب الفقير غير المتعلم الذي نشأ في الأحياء العشوائية في الهند، وتحديداً في بومباي، حيث يشارك جمال في النسخة الهندية من برنامج «من سيربح المليون» حيث سيدهش الجميع بإجابته على الأسئلة سؤالاً بعد سؤال. وليثير أيضاً شك مقدم البرنامج الذي لا يقف صامتاً أمام الفوز المتكرر لجمال.

فيلم «الصبي» اخراج شارلي شابلن 1924 ، تدور أحداث الفيلم حول سيدة تحاول التخلص من ثمرة خطيئتها، المتثملة في طفل رضيع، وذلك بتركه داخل إحدى العربات، التي تتعرض للسرقة وعندما يكتشف اللصوص وجود الطفل يقومون بإلقائه بجانب صناديق القمامة، ليجده الصعلوك بالصدفة ويحاول التخلص منه في البداية، لكن لا تطاوعه نفسه، ويقرر الاحتفاظ به، ومشاركته حياة الصعلكة، عن طريق تعليم الطفل تكسير زجاج النوافذ ليظهر هو بعد قليل كمصلح للزجاج. وهكذا يكسبان عيشهما ويطاردهما الشرطي المتشكك. وتتصاعد الدراما حتى يمرض الطفل ذات مرة، وتحاول السلطات المحلية انتزاعه من شارلي في مشهد شديد التأثير والحزن، حتى تتسبب المصادفات في العثور على أم الطفل التي أصبحت امرأة غنية ومشهورة.

فيلم «بلاسيدو» إخراج لويس غارسيا بيرلانغا 1961 . عشية أعياد الميلاد نظم مصنع لإنتاج العربات حملة تضامن تحت شعار: «استضف متشرداً لمأدبة عشائك». قبل إنجاز هذه المهمة توظف المؤسسة عاملاً اسمه بلاسيدو ألونسو للقيام بهذه المهمة. فيلم «بلاسيدو» 87 دقيقة يطرح موضوعاً اجتماعياً في قالب الكوميديا السوداء. يكشف الفيلم بعمق عن زيف نماذج بورجوازية ولباقتها المصطنعة في عهد فرانكو. في قلب هذا الزيف البورجوازي لن يكون بطل الفيلم سوى وسيط بين الطبقتين، لكن نظرة المخرج تبدو رحيمة ومتعاطفة شيئاً ما مع الفقراء مثل المرأة التي فقدت زوجها وأصبحت محاطة من قبل أشخاص أنانيين .

فيلم «ماكاريو» اخراج: روبرت غبالدون 1960 . ماكاريو، جزار يتخبط وسط الفقر، يعاني ويخاف من الموت، تساعده زوجته على سرقة بيبي ويذهب رفقتها وابنه لتناوله في الغابة. في هذه الأخيرة يلتقي بالتتابع مع ثلاث شخصيات الشيطان، الإله، الموت وهم أيضاً يرغبون في الأكل من الطبق، لكن البطل لن يشاركهم باستثناء الموت سيمنح له بعض الماء مقابل أن يمنحه الموت قوة كبيرة في معالجة الآخرين وإشفائهم. بفضل هذه «القوة» سيُصبِح الجزار أكثر ثراء وغنى بسرعة كبيرة.

فيلم «أطفال محطة لينينغراد» إخراج: هانا بولاك وأندريه سيلنسكي 2004 . هذا الفيلم الوثائقي الرائع من إخراج مخرجين رومانيين، يبرز عن واقع الكثير من الأطفال الروس من دون مأوى، خصوصاً في محطة القطار لينينغراد في موسكو. يكشف الفيلم عن حيوات هؤلاء الأطفال وإيقاعهم وأحلامهم المنكسرة. من أجل العيش عليهم التسول، السرقة وممارسة الدعارة.

تقريباً في منطقة موسكو ثلاثون ألف طفل بلا مأوى ينامون في الأدراج وفي حاويات القمامة وفي محطات المترو وفي الأنفاق.

يطرح الفيلم مشاهد كيف يتعايشون مع البرد القاسي في موسكو، وكذلك مع الجوع. وعلى رغم ذلك هناك أطفال يفضلون العيش في الشوارع عِوَض منازلهم. ففي كل سنة يغادر مئة ألف طفل قاصر منازلهم للعيش في شوارع موسكو ما يخلق أزمة حقيقية لها.

يظهر الشريط هؤلاء الأطفال في مواجهة الموت وتعسف الشرطة وهما يعبران حياتهما بشكل مباشر أو غير مباشر كل يوم. استقبل الفيلم بحفاوة كبيرة في المهرجانات الدولية وترشح لجوائز الأوسكار عام 2004.

فيلم «نحن الفقراء» للمخرج اسماعيل رودريغيز 1948 . يحكي الفيلم عن عامل بناء متواضع اسمه «بيبي إلطورو» وعلى رغم فقره، لا يفقد تواضعه وحبه لابنته «شاشتا» وخطيبته «سيلا». في تطور أحداث الفيلم تظهر قصص مختلفة تلتقي وتشترك في مظهر في ما بينها يبرز البؤس والمعنى أن تكون فقيراً، إذ يظهر أشخاص كثيرون في الفيلم وكأنهم ارتكبوا خطيئة لا تغتفر.

غالباً ما يكون الفقراء في السينما على شكل لصوص وينتمون إلى عصابات ومافيات تفتك وتقتل من دون رحمة ولا خشية أو مرتزقة مستأجرين، وتصوّرهم في شكل هيئات تدعو إلى الاشمئزاز والنفور منهم، خصوصاً في السينما الأميركية. إلا أن هذه الصورة النمطية عن الفقير في السينما يمكن أن نجد لها صورة مغايرة في سينما أميركا اللاتينية والمصرية والهندية، حيث يظهر الفقير بطلاً لا يملك أي شيء ومستعداً للتضحية بكل ما يملك من أجل إسعاد الآخرين.

هناك فقراء نماذج في شدائد الحياة وعظائم الأمور لهم مواقف بطولية في معارك الحياة. ونجد مجموعة من الأفلام على طول عمر السينما من بينها: «الخبز الأسود»، « مدينة الله»، «نهاية اللعبة»، «فقراء على الدوام»، «14 كيلومتراً»، «استمع إلى أغنيتي»، «في عالم أفضل»، «أرض بلا خبز»، «أربعة شهور وثلاثة أسابيع ويومان»، «العالم في كل لحظة»، «العرس»، «عمي خاسينتو»، «المكتشف»، «استراتيجية الحلزون»، «الله والشيطان في الأرض المشمسة»، «حيوات جافة»، «بائعة الورد»، «المنسيون»، والفيلم الوثائقي «نهاية الفقر؟».

كذلك سلطت السينما الضوء على ثيمة جوهرية في هذه العلاقة الشائكة والمتمثلة في الظلم والاستبداد المسلط على الفقراء، وكذا العنف المؤسساتي وتصويرهم على أنهم فقط جموع من النازحين والفقراء ومجموعات مهمشة لا حظ لها.

صورت السينما الفقير بمختلف صوره وأبعاده الاجتماعية والسياسية وتركيباته النفسية، فصورته في هيئة لص وقاطع طريق ورسمت له صورة العاشق الصبور الذي يشتغل ويكد ويجتهد لإصلاح أحواله المادية وتحسين وضعه الاجتماعي، وصوّرته كذلك يقظاً ومنتبهاً ومهذباً على عكس الصورة الأولى النمطية الاولى حيث تلتصق صورته بالأذى والشرّ للآخرين.

كما تجدر الإشارة إلى أن السينما صوّرت الفقير في مختلف مراحل الحياة: رضيعاً وطفلاً وشاباً ورجلاً وكهلاً وكذلك شبحاً ومقنعاً وفي هيئة شيطان وملاك على حدّ سواء.

ينتظر الفقراء/المنسيون غالباً عالماً أفضل ويحلمون بعوالم ومدن فضلى ويجدّون ويبحثون عنها بكل ما أوتوا من عزيمة وقوة حتى إن تاهت بهم السبل وقذفت بهم إلى عوالم يجدون أنفسهم فيها مكرهين، كل ذلك أضاءت عليه السينما بأنوارها الكاشفة من منطلقات مختلفة بين من يتعاطف مع قضية المحرومين والفقراء ومن يجد فيهم بلاء مسلطا وخبثا ومكرا لا ينقطع وجد ضالته في الحرمان والكبت والظلم والاستبداد والقمع واستمرار الحال على ما هو عليه لدوام سلطة ومصالح آخرين.

كاتب مغربي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى