بانتظار وكيل التفليسة
د. نسيب أبو ضرغم
لم يتأخر نظام الطوائف اللبناني حتى يعلن إفلاسه، فهو قد أعلن ذلك منذ جريمته بإعدام أنطون سعاده عام 1949، وكان قد أعاد إعلان الإفلاس في محطات كثيرة كان أبرزها الحرب الأهلية التي اندلعت في 13 نيسان 1975، وما تلاها من أزمات كلها ذات بُعد وجودي يطاول صنيعة النظام التي هي روح الكيان.
إن أزمة الفراغ الرئاسي الحاصلة منذ سنة ونصف، ليست غير تجسيد لإفلاس النظام الطوائفي اللبناني، الإفلاس الذي ينطوي في كل أزمة سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية.
إن أزمة النفايات ليست غير تعبير عن عمق إفلاس نظام الطوائف، نظام المحاصصة الطائفية، النظام الذي يُسيّد زعماء الطوائف أوصياء على المجموعات الطائفية وعلى وتركيبتها الاقتصادية والمالية والسياسية.
في القانون التجاري، ثمة أمر متعلّق بالشركات التجارية. فعندما تعلن شركة إفلاسها، يبادر الجانب القضائي المختص إلى تعيين وكيل تفليسة، مهمته تصفية الشركة وتوزيعها أصولها وأرصدتها على الدائنين بشكل ينهي وجودها القانوني والفعلي Defacto.
النظام الطوائفي اللبناني أعلن إفلاسه، ولكن أصحاب الحل والربط في مصيره لم يقرروا حتى اليوم تعيين وكيل تفليسة له لوضع حد لتراكم أزماته.
لا شك في أن أولي الأمر في ذلك مستفيدون من حالة الإفلاس غير الممسوكة والمقوننة، وبالتالي فإن هذه الحالة بقدر ما تقدّم من منافع مالية وغير مالية لفئة قليلة، فإنها تنتج الأزمات تلو الأزمات وصولاً إلى حالة الانهيار الاقتصادي والسياسي انهيار الدولة . وعند ذلك، تقع الكارثة الكبرى التي لا يستفيد منها إلا العدو الصهيوني ودعاة تقسيم لبنان.
من يكون وكيل التفليسة المرجو؟
هو حتماً، لن يكون واحداً ممن سببوا الإفلاس، ولن يكون واحداً ممن استفادوا منه، ولن يكون أحداً ممن يتراصفون صفوفاً ذليلة في قطعان الإقطاع، ولن يكون الأجنبي مهما كان يحب لبنان ويتمنى له الخير.
وكيل التفليسة هو الأحرار من كل أبناء الشعب اللبناني، هو الخارجون من ظلام التعصّب المذهبي والطائفي إلى رحاب أنوار الوطنية والنظام المدني.
وكيل التفليسة ثوّار قادرون على وقف الأزمات وفرض الحلول.
شرفاء يسوقون المرتكبين إلى المحاكم ويستعيدون منهم المسروقات.
وكيل التفليسة هو الشعب اللبناني الذي لم يعد صبره على سارقيه والمتآمرين عليه إلا مشاركة منه لهؤلاء بالسرقة والتآمر.
وكيل التفليسة هو القدرة الشعبية على إعادة المسروقات من خزائن وحسابات المرتكبين. هو فرض الدولة كدولة على المزرعة والتسيّب.
اندفع، بالأمس، عدد من شبّان لبنان لمناسبة المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن فضيحة النفايات، يرفع شعارات تعبّر عن اللبنانيين كافة إلا القلة المعروفة التي تتحكم بالبلاد والعباد، يعرّي هذه الطبقة السياسية التي فاحت رائحتها الكريهة، كما قلت، منذ أن تآمرت على سعاده وحزبه وعلى الوطنيين جميعاً في مختلف المراحل.
اندفع هؤلاء الشبّان الذين يعبّرون عن طاقة الحياة في شعبنا، فقوبلوا بالرصاص والهراوات والمياه، بدل أن يقابلوا بمبادرة المسؤولين إلى وضع حدّ لمزبلة السياسة في لبنان.
قد تستطيع السلطة أن تقمع بضعة آلاف من هؤلاء الشباب، لكنها لا تستطيع أن تقمع جذوة الثورة الآخذة بالتوهّج في عقول وأفئدة ونفوس اللبنانيين المتحررين من نير المكاسب والمال الحرام.
إن ما قمتم به أيها الشباب هو إرهاص ثورة آنية لا ريب فيها، وإن لبنان في حاجة ماسة إلى مثلها.
يجب أن تكون انتفاضة الشباب اللبناني بمثابة صاعق كهربائي يحدث الاختلاج والنبض في الجسد الشعبي العام بعد أن كادا ينطفئان.
إن دولة المحاصصة الطائفية لا تؤتمن على النفايات، فهل تؤتمن على السياسة الدفاعية؟!